المخدرات تثير القلق أمنيا ومجتمعيا، و"تهوين" المشكلة لا يخدم القضية


إنتشار المخدرات تضاعف 22 مرة منذ العام 1999

تضحيات الجيش على الحدود الشمالية تستدعي البحث عن شركاء عصابات التهريب في الداخل

كتب عــمـــر محـارمـة - 

فتحت الأحداث التي شهدتها الحدود الشمالية خلال الفترة الماضية الأعين على واحدة من أخطر الملفات التي باتت تؤرق الأردنيين على المستوى الرسمي والشعبي، والمتمثلة بتزايد محاولات تهريب المخدرات إلى المملكة.

القوات المسلحة الأردنية تبذل جهودا جبارة لحماية حدود المملكة ومنع التسلل إليها لتهريب الممنوعات، في واجب بطولي استبسل أبطال الجيش العربي بأدائه ودفعوا في سبيله دماء عدد من الأبطال الذين تصدوا للعصابات المجرمة.

تلك البطولات والدماء الزكية تستوجب متابعة هذا الملف بشكل حثيث على المستوى الداخلي للبحث عن شركاء تلك العصابات الذين يفترض المنطق أنهم موجودون بين ظهرانينا ويقدمون الدعم للعصابات الإجرامية من خلال تلقي بضائعها وتسويقها أو تهريبها إلى دول أخرى.

المخدرات في الأردن ملف ينمو بشكل مطرد منذ عدة سنوات وفقا للأرقام التي تضمنها التقرير الإحصائي الجنائي الذي تصدره مديرية الأمن العام بشكل دوري، ونسب الزيادة في جرائم المخدرات تفوق أضعاف نسب الزيادة السكانية التي شهدها الأردن في ذات الفترة.

فقد زاد عدد جرائم المخدرات منذ العام 1999 وحتى العام 2020 أكثر من 22 ضعفا، حيث قفز عدد الجرائم الإجمالي من 905 عام 1999 حين كان عدد سكان المملكة بحدود 5 ملايين نسمة ليتجاوز حاجز الـ 20 ألف قضية عام 2020، مع وصول عدد السكان إلى نحو 10 ملايين نسمة.

بلا شك تسهم الزيادة السكانية وتطور أجهزة الضبط في تنامي عدد قضايا المخدرات المضبوطة، لكن الزيادة بهذا الحجم تعود بلا أدنى شك إلى تنامي انتشار المخدرات باعتبارها واحدة من الآفات الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد حياة وصحة المواطنين.

إصرار بعض المسؤولين على تهوين حجم المشكلة والتقليل من حجم تأثيرها، كالتصريح الاخير لوزير الداخلية مازن الفراية، يزيد منسوب القلق المجتمعي تجاه هذه الظاهرة التي تستدعي أعلى درجات اليقظة والانتباه، والاعتراف بالمشكلة كاولى خطوات البحث عن حلول لها.

الجهود المبذولة لمكافحة المخدرات، كبيرة جدا وتواجه إدارة مكافحة المخدرات تحديات كبيرة أثناء أداء عملها، وتعمل باستمرار على تطوير أدواتها وتمكين أفرادها وتدريبهم ورفدهم بالكوادر البشرية واللوازم اللوجستية إلا أن الأرقام والمشاهدات تثبت أن حجم المشكلة لا زال أكبر من الجهود المبذولة لمجابهتها.

المسؤولون يميلون غالب الأحيان إلى «تهوين» مشكلة انتشار المخدرات ولا زالت عبارة «دولة عبور» للمخدرات تستخدم عند الحديث عن أبعاد هذه الظاهرة ومدى انتشارها في المجتمع الأردني، مع أن حل اي مشكلة يتطلب بداية الإعتراف بها ووضع اليد على أسباب وعوامل وجودها للانطلاق نحو خطط حلها والقضاء عليها.

التعديلات التي أدخلها مجلس النواب على قانون المخدرات والمؤثرات العقلية العام الماضي فتحت الباب من جديد على الجدل المجتمعي حول هذه الآفة، وقد استفزت بعض تلك التعديلات الشارع الأردني الذي رأى أن النواب جنحوا إلى تخفيف القيود القانونية على مرتكبي بعض جرائم المخدرات في وقت نحتاج فيه إلى تشديد التشريعات بشكل أكثر صرامة خصوصا أن الجهود الأمنية تصطدم بقصور تشريعي واضح، يلفت إليه مصدر أمني بالإشارة إلى أن 35 % من الأشخاص المضبوطين في قضايا مخدرات يتم تكفيلهم والإفراج عنهم بعد أقل من شهر على ضبطهم فيما تزيد نسبة من يقضون أكثر من شهر وأقل من سنه في السجون عن 30 % و لا يقضي سوى 15-20 % من الأشخاص المضبوطين مددا تزيد على العام في مراكز الإصلاح والتأهيل.

هذه النسب تكشف خللا أو قصورا تشريعيا هاما في التعاطي مع هذه الجريمة حيث تبدو الحاجة ملحة إلى إعادة النظر بالعقوبات المفروضة لغاية تشديدها وبالإجراءات التي تمكن جهات الضبط الأمنية من التحرك والتصرف بشكل أكبر فاعلية وسرعة.

وعدا عن تفاقم انتشار المخدرات وتزايد أعداد متعاطيها بصورة مطردة، فقد ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية أشكال أخرى لجريمة المخدرات تمثلت بزراعتها وتصنيعها في بعض المناطق ما أدخل أصنافا جديدة لم تكن معروفة أو حتى مُجرمة سابقا، وهو ما جاءت التعديلات الأخيرة على قانون المخدرات لمعالجته.

حماية المجتمع من جريمة المخدرات هي واحدة من الحقوق التي أكدت عليها المواثيق الدولية باعتبارها حقا من حقوق الإنسان حيث يؤدي تفشي وانتشار المخدرات إلى انتهاك حق المواطن في الحياة والصحة وتعرقل تقدم الإنسان على المستوى الاقتصادي والاجتماعي كما تنتهك حقه في بيئة آمنة ومستقرة باعتبار أن ذلك حق مقدس وضرورة ملحة لوجود الجماعة وتمتعها بحقوقها الإنسانية.

التقرير الإحصائي الجنائي للعام 2020 كشف أن عدد جرائم الاتجار بالمخدرات ارتفع من 1924 جريمة عام 2016 ليبلغ 3937 عام 2020، فيما ارتفعت قضايا حيازة وتعاطي المواد المخدرة من11697 الى 16118 لذات الفترة .

هذه الأرقام بقدر ما تثير الخوف والهلع من نسبة تنامي هذه الجريمة لكنها في ذات الوقت تظهر تطور قدرات إدارة مكافحة المخدرات وحجم العمل الكبير الذي تواجهه، مع أن خبراء ومختصين في علم الجريمة يرون أن «المخفي أعظم» وأن هناك محاولات مستمرة للتخفيف من حجم انتشار هذه الجريمة.

ويعزو هؤلاء الخبراء زيادة هذه الأرقام إلى زيادة عدد السكان وارتفاع نسب الفقر والبطالة، بالإضافة إلى تطور آليات الضبط والمتابعة من الأجهزة المعنية وارتفاع مستوى التنسيق الدولي والإقليمي في مواجهة شبكات التهريب حول العالم.

عالميا كشف تقرير المخدرات العالمي لعام 2021، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن حوالي 275 مليون شخص تعاطوا المخدرات في جميع أنحاء العالم في العام الماضي، في حين عانى أكثر من 36 مليون شخص من اضطرابات تعاطي المخدرات.

وقال التقرير أن عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات ارتفع بنسبة 22 % بين عامي 2010 إلى 2019، ويرجع ذلك جزئيا إلى النمو السكاني العالمي، متوقعا زيادة بنسبة 11 في المائة في عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات على الصعيد العالمي بحلول عام 2030.