هل أربك قرار بوتين الأخير أوراق الغرب أم أنها خطوة متوقعة؟

تواصل التصعيد الروسي الأوكراني الأوروبي، حتى أعلنت ألمانيا اليوم الثلاثاء، تعليق مشروع "نورد ستريم 2” للغاز على ضوء التصرفات الروسية الأخيرة حيال أوكرانيا.

يأتي ذلك في اليوم التالي لإعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اعترافه باستقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك، الواقعتين شرق أوكرانيا.

وفي هذا الصدد، اتفق خبراء في الشأن السياسي والاستراتيجي خلال حديثهم لـ”الغد”، بشأن خطورة التصعيد الروسي الأخير، وما يمكن أن يؤدي إليه من فرض عقوبات اقتصادية من الغرب على روسيا.

إلا أنهم اختلفوا بشأن الهدف الروسي واقتصاره على شرق أوكرانيا، إذ قال بعضهم أن الرؤى الروسية لم تكن معنية يوما بغرب أوكرانيا، فيما رأى آخرون أن أهداف روسيا تتعدى أوكرانيا إلى مواقع جغرافية أخرى.

السبايلة: الإعلان قدم مسوغا للولايات المتحدة لاتخاذ عقوبات بحق روسيا

وقال المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة، إن هذه الخطوة تعني تأجيل فكرة الصراع العسكري والانتقال للتصعيد الدبلوماسي "السياسي”، وهو عبارة عن اختبار كبير لجدية المحور الأميركي الغربي لكيفية التعاطي مع هذه الجزئية.

وأضاف السبايلة لـ”الغد”، أن هذا الإعلان قدم مسوغا للولايات المتحدة لأن تقوم باتخاذ إجراءات عقابية تجاه روسيا، لكن ليس بحجم أي عمل عسكري.

وتابع: ما يُخيف بالنسبة لروسيا الآن هو محاولة تجريدها من ورقة الغاز واعتماد أوروبا عليها، لا سيما وأنها تعتقد بوجود اعتماد لدى الدول الأوروبية على الغاز الروسي لا يقل عن 40% من احتياجها.

وأوضح السبايلة أن طريقة تفكير الأوروبيين تغيرت، وأصبحت تتجه نحو إنهاء فكرة تفضيل المصالح الفردية مع روسيا، والدليل على ذلك رد الفعل الألماني المباشر بإيقاف العمل بمشروع "نورد ستريم 2”.

وأشار إلى أن الغاز الروسي قد يصبح محاصرا، فقد تم العمل على إيجاد بدائل متوسطة الأمد لدى أوروبا؛ بما في ذلك تطوير الكثير من مواقع البنية التحتية لدى الموانئ حتى تستقبل الغاز.

ولفت السبايلة إلى أنه وبالنظر إلى آخر عامين، يبدو أن الغرب كان يسعى إلى خلق هذه البدائل التي أصبحت إلى حد كبير موجودة وستكون رديفا في المستقبل، وهذا ما يفسر الاهتمام الكبير الآن بغاز البحر الأبيض المتوسط ومشروع خط الغاز الجنوبي (ساوث ستريم).

ورأى أن بوتين أخطأ بحسابات التصعيد إلى حد كبير، والآن لا بد أن تصب الدبلوماسية الروسية بهدف واحد وهو الخروج من العزلة وعدم الوقوع في هذا الفخ، كما أن إنهاء العقوبات الاقتصادية سيكون له أثر كبير على التركيبة الداخلية في روسيا.

وأكد السبايلة أن الرؤى الجيوسياسية الاستراتيجية لروسيا لم تكن يوما معنية بمنطقة غرب أوكرانيا؛ لارتباطها عضويا ودنيويا واجتماعيا وأمنيا واستراتيجيا بشرق أوكرانيا.

الحوارات: لن يتوقف الغزو الروسي عند هذين الإقليمين

من جانبه، أوضح المحلل الاستراتيجي الدكتور منذر الحوارات، أن روسيا اتخذت تصعيدا خطيرا يمثل أحد الاستراتيجيات التي وضعتها لغزو أوكرانيا.

وبين الحوارات لـ”الغد”، أن استراتيجية غزو الجزء الشرقي من أوكرانيا تحتاج لذريعة، وهي تتلخص في جزء منها بالإقليمين (دونيتسك، ولوغانسك)، فعندما تُصبحان دولتين مستقلّتين يحق لهما- وفق القانون الروسي- أن تطلبا العون منها، على اعتبار أن أوكرانيا تهددهما، وبالتالي تقوم روسيا بتدخل عسكري.

وأضاف أن ذلك بمثابة إيجاد ذريعة لموسكو حتى تدخل شرق أوكرانيا وتضع أقدامها هناك، خصوصا أنها طلبت من الجيش الأوكراني الخروج من الأماكن التي يسيطر عليها في هذين الإقليمين.

وتابع الحوارات: إذا لم يخرج الجيش الأوكراني ستعتبر (روسيا) ذلك اعتداءً على دولة يوجد بينها وبين روسيا اتفاقية صداقة، وبالتالي ستقوم بضرب هذه القوات لإخراجها من الإقليمين.

وحول الضغوط الغربية على روسيا، قال إن ورقة الضغط الرئيسية هي العقوبات الاقتصادية؛ بما في ذلك عزل روسيا وجعلها كدولة مارقة على القانون الدولي، لكن وبناءً على تصريحات بايدن، فإن المواجهة العسكرية لن تحصل إلا إذا وصلت روسيا إلى دولة من حلف الناتو.

وأشار الحوارات إلى أن أهداف روسيا أبعد من أوكرانيا، وليس من المتوقع أن تتوقف عند هذين الإقليمين؛ لأنها تسعى إلى وضع حدود رادعة للغرب؛ كي لا يتقدم باتجاه الفضاء الجيوستراتيجي لروسيا، والذي يشمل أوكرانيا وجورجيا وليتوانيا ومولدافيا وطاجيكستان.

وتابع: الآن روسيا تريد أن تثبت قناعة لدى الغرب بأن هذه الأماكن محرمة عليه، وحتى تفعل ذلك عليها أن تقوم بعمل عسكري يتناسب مع هذا الهدف، ما يعني احتمالية توسع الغزو الروسي إلى ما هو أبعد من هذين الإقليمين.

 الغد