اخجلوا وأعيدوا للشّعب أمواله"
يُطلُّونَ علينا بلحىً تكاد تُجمِّع نفسها ؛ لتلتفّ حولَ أعناقهم، لتُخلِّصنا مِن تنظيراتهم التي أشبعتنا وهمًا، بأنَّ خُططهم الاقتصاديّة، ذات الأمَد الطّويل، ستجّعل "ماء البَحر طحينه"، ويُبدعونَ في ترتيبِ/تصفيطِ الكلام، لكنَّهُم، في حقيقةِ الأَمر، لا يتجاوزونَ حُدود الكلام الاستهلاكيّ.
فلا شهاداتهم الهارفرديّة "نسبةً لهارفرد" تُعينهُم، ولا جولاتهم المكوكيّة، التي لا تعرِف إلّا "مِصر والعِراق" قادِرة على أن تُساعِدهم على إخراج الشّعب مِن المآزِق التي وضعوهُ فيها، وهو "يا غافِل إلك الله"، ولا عشواتهم، التي تكثُر فيها الأطباق التي لو وُفِّرت، لأخرَجَت الشّعب مِن كُلّ أزماتِه، وليسَ الأزمات الحديثة فحَسب، بل وتلكَ الأزمات التي تعودُ إلى عقودٍ بعيدة، والتي إن أردنا الحقّ، لقُلنا بكُلّ حقٍّ مُستحَق، بأنّها كانَت أزمات حقيقيّة، وليسَت أزمات شخصيّة، السّبب فيها فَرد أو مجموعة مِن الأفراد، قرّروا في ليلٍ لائل، بأنَّ الوطن ومُقدّراته، لهُم، ولهُم فقط.
أيُّها السّادة ، يا مَن تجتَمعونَ على مائدةٍ واحدة، تُنسَف عليها كُلّ القوانين، وتعرَّا فيها كُلّ أنواع الرّقابة، ويُسحَل على البلاط السطانيّ الموضوعة عليه، كُلّ أبجديّات التّشريع..يا أصحاب الموائد الدَّسِمة، الدَّسمة جدًّا، إلى الحدّ الذي يجعلكُم تغتَصبونَ الدَّولة، بكُلّ أركانها، مِن الدُّبر، وليسَ هذا إلّا لأنَّكُم مِن الأقوام التي لا تبرع بشيءٍ كما تبرع بالخيانة..أترونَ معي بأنَّهُ حانَ الوقت لأن نوجِّه لكُم أسئلة تصبّ في صالحكم قبل أن تصبّ في صالِحنا، نحنُ الذين سلّمناكُم رقابنا بعد أن ظننّا أنّكُم سترعونها جيّدًا، ولن تفكِّروا بأن تُقرِّبوا علبها حِبال الإعدام..!!
إنَّنا نسألكُم، وإنّا على هذه الأرض، سنكون وسنبقى لكُم مِن السّائلين..وإنّنا نسألكُم الآن:
ألَم يحِن الوقت الذي تخجلونَ فيهِ، مِن أنفُسكُم، ولو خجلًا قليلًا؟!
ألا ترونَ بأنّ الوقت مُناسِب لأن تنسَحِبوا مِن ساحَة الوطَن التي سيطرتُم عليها لعُقود؟!
ومِن ثمّ أن تتّركوها لغيركُم، وأقصُد ب"غيركُم" هنا، أؤلئكَ الذي، حقًّا، يُريدونَ الوطَن، ويُريدونَ الحِفاظ على جُغرافيّته قبل كُلّ شيء..جُغرافيّته التي جردتّموها مِن كُلّ قواها، وكُنتُم وما زِلتُم تحصرونَ مصائر مِن يُدافع عنها ويتصدّى لكُم ويضَع حدًّا لعبثكُم بها، بمصيرين، أحلاهُما أمرّ مِن العَلقُم، وهُما ؛ الإغتيال أو السِّجن .
لقَد أذقتُم هذا الشَّعب كُلّ أنواع الويلات، وبكؤوسٍ إقليميّةٍ فاخِرة، جرّعتموه الظُلم والخيبات، وزجيّتُم بهِ في حُروبٍ لا ناقةَ له ولا جمَل فيها . كما وجعلتموهُ هائمًا على وجههِ في سفوحِ جبالِ وطنه، التي يشهَد لها ويستشهِد بها التّاريخ .
إنّ المؤتمرات التي تعقِدونها،و النّدوات التي تُقيمونها، واللِّجان التي تشكِّلونها..وكُلّ ما تقومونَ بهِ لإنجاحِ إدّعاءاتكُم الكاذِبة، والتي تُقولونَ مِن خلالها، بأنَّكُم تسعونَ جاهدينَ لتخليصِ الشَّعب مِن الأزمات الاقتصاديّة التي لولاكُم لما تجرّأت على افتِراسه، أي الشَّعب، ما عادَت لتنطَلي علينا، وما عُدنا، صغارًا وكِبارًا، لنُصدِّقكُم، فلقَد لُدغنا مِن كَذِبكُم كثيرًا، ولكنَّنا اليوم، نقول بأنّنا قَد اكتَفينا، وأغلقنا كُلّ جحورنا.
وإن كُنتُم تُريدونَ أن تسلكوا طريق الخَلاص، خلاص الشَّعب مِن كُلّ أزماته الاقتصاديّة، وإن أردتُم أن تنقلوا النّاس مِن حالٍ إلى حال، أو على الأقَل، أن تُساهموا في تحسينِ ظروفهم ؛ فالطّريق واضِح، ولا غُبار عليه، ولا ضباب يحجب الرؤيا عنهُ..وما عليكُم إلّا أن تخجَلوا، وأن تُعيدوا أموال الشَّعب ممَّن سرقها/وها.