الميثاق الأخلاقي الرقمي

 
هُنَاكَ انتهاكات كَبِيرَة تحصل من خِلال وَسَائل التواصل الاجتماعي، ولَهَا أشكال عديدة تبدأ من خِلال النقاشات الجدلية البيزنطية الَّتِي يَتِمّ من خلالها كيل كميات هائلة من السباب والشتائم، والتخوين، ولصق أقذع الصفات بالآخرين، وتمر بتشويه سمعة الآخَرِينَ واغتيال شخصياتهم دونَ امتلاك دليل أوْ مَعْلُومَات دقيقة، وتنتهي بخدش الوحدة الوطنية، والإساءة لَهَا، والتحشيد الطائفي، وكل ما لَهُ عَلاقَة بتفتيت الوحدة الوطنية وقتلها.
الإمكانيات الهائلة الَّتِي أعطتها وَسَائل التواصل الاجتماعي لأيّ فرد لِيَقومَ بإنشاء حساب مجاني خاص بِهِ، وإضافة عدد كَبِير من النَّاس إلَيْهِ، وبث ما يُرِيد كتابة، وصوتًا شكلت بيئة خصبة لِمَنْ يُرِيد أن يتنمر عَلَى الآخَرِينَ، ويستعرض عضلاته الكلامية عَلَيْهِم، وبدلًا من أن تَتَمَكَّن هَذِهِ الْوَسائِل من ترقية حوارات النَّاس، وَجَعَلَهَا أكثر أخلاقية انحدرت بِهَا فِي بَعْض الأحيان إلى القاع.
من هُنا لا بُدَّ من وُجُود ميثاق أخلاقي يتحصن بِالقُوَةِ القانونية، وَمَعْهَا القوة الشعبية، والاجماع من قبل النَّاس كَيْ نقلل من مَخَاطِر هَذِهِ الْوَسائِل، ونعمل عَلَى تعظيم محاسنها، والاستفادة مِنْهَا فِي تقوية الجبهة الداخلية لِلْدولةِ، وبتحسين العلاقات بَيْنَ النَّاس، وترقية الأخلاق الاجتماعية وغيرها.
يُمْكِنُ لأيّ جهة شعبية تمتلك شَرْعِيَّة أخلاقية أن تقترح هِيَ وغيرها هَذَا الميثاق الأخلاقي ومِن الـمُهِم أن يجرم هَذَا الميثاق أي تصرف غير لائِق عَلَى النت، أوْ أن يَعْمَل عَلَى إظهار المسائل الَّتِي لا يَجُوز مسها أبدًا ابْتِدَاء من الوحدة الوطنية، وَمرورًا باعراض النَّاس، وَليْسَ انْتِهَاء باغتيال الشَّخْصيَّة ورمي التهم جزافًا.
لا بُدَّ من مثل هَذا الميثاق الَّذِي يُمْكِنُ أن توقع عَلَيْهِ الشخصيات الوازنة فِي الـمُجْتَمَع، وأن يحصن بِالقانونِ، وَبِالقُوَةِ الشعبية الَّتِي تمنع الانتهاكات السَّيِّئَة، وإذا استطعنا مثلًا أن نعمق من الشُّعُوُر بالأخلاقية الحوارية، أوْ يُمْكِنُ أن نُطْلِق عَلَيْهَا "أخلاق العالم الرقمي".
مَطْلُوب من جهات عديدة فِي مرحلة ما بعْد إقرار الميثاق الاخلافي الافتراضي أن تعمل عَلَى ترسيخ الأخلاقية فِي المزاج الشَّعْبِيّ، فالتجارب العديدة أثبتت أن العرب يَحْتَاجُونَ دائمًا إلى قُوَّة شعبية داخلية لإقناع النَّاس بشيء ما.
الغَرِيب أن الأخلاق الدينية فِي مُخْتَلِف الأديان تحث عَلَى الأخلاق فِي التَعَامُل وَعَلَى رأسها عدم الإساءة للآخرين أوْ التَنَمُّر عَلَيْهِم، وَمَع ذلِكَ فإن تأثير هَذِهِ الأخلاق يقل فِي عالم الإنترنت الافتراضي، ولا تحصل المعادلة الَّتِي تَقُول إن الالتزام بالشعائر يَعْنِي بالضرورة الالتزام بالأخلاق، وهَذَا ما نتمناه ونعمل عَليه.
لا نُريد أن تتحول وَسَائل التواصل الاجتماعي إلى ألغام تنفجر فِي بلادنا، بَلْ أن تَكُون واحات أخلاق ترسخ الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي.