كيف ستتأثر أوروبا بالعقوبات أكثر من روسيا؟

على مدار أربعة أعوام، بدأت روسيا الاستعداد لمواجهة رغبة أوكرانيا في الانضمام لحلف "الناتو"، ودرست تبعات العملية العسكرية التي تقوم بها حاليا، لضمان عدم تضررها بالعقوبات الغربية، وقلب الطاولة على الدول الأوربية، وجعلهم هم المتأثرين.


ونجحت الحكومة الروسية على مدار سنوات، في تقليص الواردات إلى الربع، كما أنها قلصت من الاستهلاك غير الضروري.

وفي الوقت ذاته تم التعامل مع ملف الدين الخارجي، وتخفيض مديونيات الشركات بمقدار 35 في المئة.

 
وانخفض الدين الخارجي العام لروسيا إلى 4 في المئة سنة 2020 وهو أدنى دين في العالم، وطال جميع القطاعات المؤسسية.

وبلغت حصة الحكومة والبنك المركزي طبقا لإحصائيات 2018، من إجمالي الدين 56 مليار دولار فقط، فيما يقع باقي الدين 398 مليار دولار على عاتق الشركات والمصارف والأشخاص.

 

وجمعت روسيا احتياطيا ضخما من الذهب بتكوين احتياطيات من الذهب والعملات الأجنبية إذ ارتفعت بنهاية أكتوبر الماضي إلى 623.2 مليار دولار، وهو أعلى مستوى في تاريخها.

كذلك نوعت روسيا الاحتياطيات لتتضمن أصولا أجنبية عالية السيولة تشمل النقد الأجنبي والذهب وحقوق السحب الخاص.

ويملك البنك المركزي الروسي صندوقا بـ630 مليار دولار "للأيام العصيبة"، يكفي لاستيراد احتياجات البلاد لمدة عام كامل بوتيرتها الحالية، دون أن تنفذ، ما يؤهل الشركات الأجنبية للقيام بأعمال تجارية في الغرب عبر شركاء ماليين بديلين.

العقوبة التي سيكون لها التأثير الأكبر، هي حجب نظام "سويفت" للمدفوعات العالمية بين البنوك عن روسيا، وهو النظام الذي تتبادل من خلاله البنوك الرسائل بشأن المدفوعات.

"سويفت" يتضمن 42 مليون شفرة يتبادلها مستخدمون في 200 دولة يوميا لتنسيق المدفوعات، ويفترض أنها محايدة تخضع لسلطة الاتحاد الأوروبي وليس الولايات المتحدة الأميركية.


 
 
ورغم الحديث عن ذلك النظام كثيرا خلال الأيام الثلاث الماضية، لكن لا يبدو أن الغرب لديه الجرأة على تفعيل حظره. فرئيس الوزراء الروسي السابق ديميتري ميدفيديف ونائب سكرتير مجلس الأمن القومي حاليا، قال في 2018 إن الاستبعاد من نظام "سويفت" سيكون في الواقع إعلان حرب.

واستحوذت روسيا على 1.5 في المئة من إجمالي المعاملات على شبكة المدفوعات الدولية "سويفت" عام 2020، وأسست موسكو وبكين خدمات الرسائل المالية الوطنية الخاصة بهما لضمان استمرار عمل مؤسساتهما.

ويسمى النموذج الروسي بـSPFS، وهو يعالج حوالي خمس المدفوعات المحلية، لكنه سيكون بطيئا وغير آمن، وهو قريب من رسائل البريد الإلكتروني أو الفاكس.

 

شهد الاقتصاد الروسي تطورا بالغ الأهمية من حيث العلاقات التجارية مع الصين عبر عقود لتصدير الغاز وقعت لمدة 25 عاما.

كما أن احتياطات البنك المركزي الروسي يمتلك الكثير من اليوان وكميات كبيرة من الذهب، الأمر الذي يجعل الاقتصاد الروسي أقل ارتهانا إلى حد بعيد لنظام الدولار.

وحال فرض عقوبات على النفط والغاز والمواد الأولية الزراعية على شكل حظر، سيكون التأثير على الاقتصاديات الأوروبية هائلا أيضا، كما أن موسكو تستطيع أن توجه صادراتها نحو جنوب شرق آسيا وقد بدأت ذلك بالفعل.
 

تتميز حجم الديون في العديد من البلدان الأوروبية بأنها مرتفعة بشكل كبير، ولم يعد لدى البنك المركزي الأوروبي الكثير من الوسائل لصنع السيولة، لذلك يمكن أن تصبح سياسات التقشف في أوروبا حتمية.

في 2021، كشفت بيانات من مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي "يوروستات" أن الدين الحكومي المجمع في دول منطقة اليورو البالغ عددها 19، قفز 1.24 تريليون يورو إلى 11.1 تريليون أو ما يعادل 98 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي في العام الماضي من 83.9 في المئة سنة 2019، وبلغ العجز 3.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعا من 0.6 في المئة.

ويرى رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية عبد المنعم السيد، أنه حال لجوء الدول الأوروبية لفرض عقوبات عنيفة على روسيا فإن اقتصادها سيكون معرضا للانهيار، مضيفا: "تعتمد هذه الدول على تلبية احتياجاتها من الغاز بنسبة 38 في المئة من الواردات من روسيا، ونحو 30 في المئة من احتياجاتها من النفط الخام. وتعد روسيا ثاني أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي سويا في العالم".
 
وفي حال تعطل الإمدادات وصعوبة توافر البدائل بشكل سريع فإن دول القارة الأوروبية معرضة لأن تتضاعف فيها معدلات التضخم بالإضافة إلى تعطل النشاط الصناعي، وارتفاع أسعار الغاز والنفط، وستتكبد الدول الصناعية الكبرى خسائر فادحة، إذ سترتفع تكلفة منتجاتها بما يهدد وجودها في سوق المنافسة العالمي أمام الصين واليابان.

الاستثمارات الأوروبية في روسيا ستكون معرضة للخطر أيضا حيث تصل قيمتها إلى 236 مليار يورو، كما أن حاملي السندات السيادية لأوكرانيا من أوروبا قد يتعرضوا لمخاطر عدم السداد في ظل ارتفاع معدل المخاطرة، علما أن حجم هذه السندات يصل إلى 23 مليار دولار.

وإلى جانب كل تلك المؤثرات، ستتأثر دول العالم أيضا بالأزمة الأوكرانية، إذ أن كلا من روسيا وأوكرانيا تعدان من أكبر منتجي القمح عالميا.