العيد الوطني الياباني
تحتفل اليابان من كل عام بعيدها الوطني ومن المعروف ان العيد الوطني غاليا ما يكون ذكرى الاستقلال للدولة او تاريخ انشاء الدولة اما اليابان فالأمور مختلفة اليوم الوطني هو ذكرى ميلاد الامبراطور الياباني ففي عهد الامبراطور اكيهيتو الذي يصادف تاريخ يوم ميلاده الثالث والعشرين من شهر كانون اول وهو اليوم الوطني الياباني سابقا الذي تنحى عن العرش لابنة الامبراطور ناروهيتو-ولي العهد- في الثاني والعشرين من شهر تشرين اول من عام 2019 وبناء عليه فان اليوم الوطني سوف ايضا يتغير حسب التقويم لميلاد الامبراطور الحالي الذي يصادف في الثالث والعشرين من شهر شباط وبذلك تتميز اليابان بان يومها الوطني ليس ثابتا مثل بقية الدول الاخرى اذ يعتبر اليوم الوطني مثبت ولا يتغير ، اما السبب وراء ذلك قد يكون ان اليابان كدولة لم تكن محتلة في يوم من الايام ولم تخضع للاستقلال كونها دولة عظمى لم تجرأ دولة على احتلالها لكن اليابان دخلت في اتون الحروب الاقليمية والعالمية كافة الحرب العالمية الاولى والثانية وهزمت في الحرب العالمية الثانية ووقع قرار الاستسلام الامبراطور الياباني هيرهيتو في 2 أيلول 1949 وبذلك انهت اليابان كل مظاهر الحروب ولم يعد الدخول في الحروب بالنسبة لليابان اي اولوية .
حتى تبدأ عهد جديد قامت اليابان برفض كافة اساليب الحروب نظرا لما عانته من ويلاتها فأخذت عهدا بدعم السلام في العالم وتقديم كافة الوسائل والسبل للحفاظ على السلام سواء كان الدعم ماديا او سياسيا ونفلت كافة صناعاتها وتوجهاتها العسكرية نحو الصناعات الحديثة و وأدت كافة المظاهر العسكرية حتى ان اليابان الدولة التي لا تملك جيش عسكري حسب المفهوم السياسي واستعاضت عن ذلك بما يسمى "قوة الدفاع ألذاتي اي انه فعليا لا يوجد جيش ياباني يخوض الحروب في حال لا سمح الله تعرضت اليابان الى اي عدوان خارجي فهي لا تملك اي من المقومات العسكرية للدفاع عن البلاد وهذه كانت احد شروط الاستسلام بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية الغاء الجيش تماما كما حدث مع المانيا التي هزمت في الحرب فهي ايضا لا تملك جيشا .
لكن بعد معاهدة الاستسلام لأمريكا لم تتدخل في تغيير الحكم في اليابان بل ابقت على الامبراطور هيروهيتو كرمز للدولة فقط وليس له اي تدخل في صناعى قرارات الدولة اليابانية فعهد اليها الى رئيس الوزراء المنتخب من قبل الشعب والذي ينتمي الى حزب سياسي والحزب الذي يحصل على اغلبية الاصوات يشكل الحكومة اي حكومة حزبية بنظام شبيه جدا الى النظام الملكي البريطاني. ولعل هذا الابقاء على الامبراطور حافظ على وحدة البلاد اولا وابقى على هيبة الامبراطور الذي يقدسه الشعب الياباني والذي يطلقون عليه لقب الميكادو والذي اشار اليه الشاعر المصري حافظ ابراهيم الملقب بشاعر النيل في قصيدته غادة اليابان التي تعتبر درسا في الوطنية وحب الوطن (هكذا (الميكادُ) قد علَّمنا أنْ نرى الأوطانَ أُمَّا وأبا).
واليابانيون يحترمون عاداتهم وتقاليدهم والإمبراطور بالنسبة لهم هو الرمز القدسي الذي لا يمس نظرا للمعتقدات اليابانية بان الامبراطور له صلة دينية في موقعه والى الان يقوم الامبراطور في بداية كل عام باستقبال الوفود اليابانية في قصره في طوكيو لتحيتهم عبر شرفة ملكية من قصره كمظهر ديني رسمي يتبادلون به التهاني . ولليابان ايضا تقليد في التاريخ الرسمي لهم يختلفون به عن كل الشعوب الذي لغاية التقويم المستخدم في كافة المعاملات الرسمية فكل امبراطور يستلم الحكم يطلق على عهده اسم يتميز به ويجب ان لا يكون مستخدم من قبل اي لأول مرة –حتى لا يتكرر التاريخ- ويبدأ التأريخ باسم العهد الجديد متبوعا بالرقم واحد اي بداية السنة ، وبدات اليابان بهذا التقليد في عهد الامبراطور كوتوكو عام 645 تقليدا للنظام الصيني. والأسماء للحقب الامبراطورية تختار حسب الرموز الصينية ومن مقطعين فعلى سبيل المثال العهد السابق للإمبراطور اكيهيتو هو عهد هيسيه (Heisei) المقطع الاول هو (هيه) وتعني السلام (وسيه) تعني (القدوم) اي عهد الامبراطور اكيهيتو (قدوم السلام) وإنهاء حقبة والده الامبراطور هيروهيتو الذي عاصرت كل الحروب التي خاضتها اليابان في ذلك الوقت وتوفي هيروهيتو في عام 1989 وانتهت حقبته التي اطلق عليها شووا (ٍShowa) لحقبة دامت منذ 1926-1989 اي ثلاث وستون عاما من حكم هيروهيتو وأي مولود في تلك الفترة سوف يحصل على تاريخ ميلاد حسب تلك الحقبة فلو فرضنا ان شخصا ولد في عام 1929 فانه يسجل في الوثائق الرسمية اليابانية بأنه ولد في الثالث من شووا ، ومن ولد في عام 1991 يوثق في الوثائق الرسمية انه ولد في الثالث من هيسيه ، وهكذا ويستخدم هذا النظام في كافة الوثائق والمعاملات الرسمية مثل رخص القيادة والتامين الطبي والشهادات الجامعية وكافة التقويمات السنوية . وفي الاول من ايار من عام 2019 بدأ عهد الامبراطور ناروهيتو ليحل محل والده بعد ان يتنحى الامبراطور اكيهيتو لصالح ابنه الاكبر ويبدأ عهد جديد وتأريخ جديد (ريوا) وبذلك تكون الحقب الامبراطورية الى عهد هيسيه 247 حقبة والإمبراطور الحالي ناروهيتو هو حسب الترتيب الامبراطوري لليابان يكون السادس والعشرين بعد المائة.
وعهد (ريوا- Reiwa) الحالي والتي اخذت من القصيدة زهرة الخوخ المقدسة والتي تصف ازهار اوراق الخوخ في الربيع بعد شتاء شديد البرودة وعلى الرغم من الظروف الجوية الصعبة تقف زهرة الخوخ بكل كبرياء وفخر ومزهرة باعتزاز والأبيات التي اخذت منها المقاطع كانت في غاية الروعة والتي اترجمها كما يلي
خلال شهر سعيد الحظ ("Rei") ،
عندما يكون الهواء عليلا ،
تكون الرياح نسيما متناغما ("wa") ،
وتزهر أزهار الخوخ مثل التبرج على جمال متألق أمام المرآة ،
كما بساتين الفاكهة تتبرج في رائحتها
فالاختيار من ضمن مجموعة من الكلمات السابقة اختير هذين المقطعين ولعل الترجمة لحقبة (ريوا) هي التناغم مع السلام والتي تتطلع بها اليابان ان تنهي حقبة السلام التي امتدت من 1989-2019 وعلى مدى ثلاثين عاما بدخول منسجما مع السلام بقوة وثبات على الرغم من الصعوبات سواء المالية او الكوارث الطبيعية التي عصفت في اليابان خلال الحقبة السابقة.
ويشار هنا الى ان السفارة اليابانية هذه السنة لم تحتفل في اليوم الوطني كعادتها كل سنة نظرا لما يمر به العالم من جائحة الكوفيد-19 بل اكتفت بكلمات التهنئة لسعادة السفير الياباني شميازاكي عبر الصحف المحلية الى الجالية اليابانية في الاردن والى الحكومة اليابانية حفاظا على سلامة المهنئين من نقل العدوى والتزاما بأوامر الدفاع المحلية بمنع التجمعات وعقد الاحتفالات في القاعات الكبيرة
هنيئا لليابان وشعبه بعيده الوطني مع كل الامنيات بمزيد من التقدم والنجاح في محافظتها على كافة انواع السلام في العالم وكل الشكر لما تقدمه للأردن من دعم سخي على كافة الاصعدة نظرا لما تتم به العلاقات الاردنية اليابانية من دعم ورعاية ملكية اردنية ويابانية..
* الكاتب رئيس الجمعية الاكاديمية الاردنية اليابانية