طالبة مصرية تروي تفاصيل مغادرة أوكرانيا في اللحظات الأخيرة
على إحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالطلبة، كتبت فرحة -وهي طالبة مصرية تدرس بجامعة بوجوموليتس الطبية الوطنية في كييف بأوكرانيا- "لقد عدت من أوكرانيا، رجاء الدعاء لصديقاتي، ما زال هناك الكثير من الطالبات ممن لا يعرفن كيف يتصرفن. القصف في كل مكان، ومطلوب منهن التوجه وحدهن إلى بولندا أو رومانيا".
كأنها كانت على جبهة الحرب تحاول تقديم المساعدة بأي صورة ممكنة، واصلت "فرحة" بث الأخبار هناك، طالبة الدعاء تارة والمساعدة في نقل الأخبار الصحيحة تارة أخرى.
تواصلت الجزيرة نت مع هذه الطالبة القلقة على زملائها مرة وعلى مستقبلها مرات عدة، لسؤالها عن كيفية مغادرتها أوكرانيا قبل بدء الحرب بساعات قليلة، وعن حال زملائها هناك وخطتها لإنهاء العام الدراسي والبدائل المتاحة إن استمرت الحرب هناك.
فرحة أحمد (19 عاما) طالبة بالسنة الدراسية الأولى، سافرت إلى أوكرانيا للمرة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 لتحقيق حلمها في أن تصبح طبيبة، والذي أصبح مؤجلا فجأة بسبب الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا.
فرحة أحمد طالبة مصرية عائدة من أوكرانيا (الجزيرة)
لماذا اخترت أوكرانيا للدراسة؟
على الرغم من أن أوكرانيا لم تكن موجودة في خطتها من قبل. أرادت فرحة دراسة الطب في المقام الأول واختارت مصر أو ألمانيا كوجهتين لها، إلا أنها لم تتأهل لدراسة الطب في مصر بسبب التنسيق، كما أنه صعب عليها اتقان اللغة الألمانية، وهو الشرط المؤهل لدخول الجامعات الألمانية.
كانت الدراسة في أوكرانيا البديل الأنسب من حيث المصاريف الدراسية ومن حيث التقدير والمواد التي درستها في "الثانوية العامة" (IGCSE) البريطانية. إضافة إلى وجود بعض الأصدقاء ممن يدرسون في أوكرانيا بالفعل، وهو ما شجعها على اتخاذ هذه الخطوة من دون رهبة.
كيف وجدت الحياة هناك كطالبة عربية؟
في البداية، عانيت من بعض الصعوبات، حيث أن التأقلم على العيش في بلد غربي له عادات وتقاليد مختلفة يعد تحديا كبيرا. مثل الحصول على الطعام الحلال وضرورة التدقيق أثناء شراء أي مواد غذائية لمعرفة المكونات خوفا من احتوائها على الكحول على سبيل المثال.
أما التحدي الثاني فكان اللغة، فأغلب الشعب الأوكراني لا يتحدث الإنجليزية، وبالتالي فإن التعامل مع الناس في أي مكان يستلزم تعلم اللغة الأوكرانية، وهو ما بدأته بالفعل.
كيف استقبل الطلبة في أوكرانيا أخبار التصعيد الخاصة بالحرب؟ هل تم الاستعداد للرحيل؟
لم يتوقع أحد من الطلاب المغتربين حدوث حرب بالفعل، الشارع الأوكراني والأساتذة في الجامعة كانوا يطمئنون الجميع. كان أساتذة الجامعة يقولون لنا أنتم تضيعون وقتكم بمتابعة الأخبار، ركزوا في دراستكم واختباراتكم.
بالنسبة للأوكرانيين فقد كانوا يؤكدون لنا أن بلدهم لم تعد ضعيفة وأن أميركا والغرب يقفون معها، ولن تستحل روسيا أراضيها مثلما فعلت من قبل في 2014.
مع تزايد التوتر وأخبار الحرب، لماذا لم يغادر الطلبة أوكرانيا وحدث ما رأيناه من تكدس على الحدود مع الدول الأخرى؟
في الجامعة كنا مقسمين إلى فريقين، فريق مقتنع بأن الحرب قادمة وهم عدد قليل جدا من الطلبة الجدد، وآخر يكاد يكون متأكدا من عدم حدوث الحرب وهم الأغلبية. هذا الاطمئنان هو السبب في أن أحدا لم يفكر في المغادرة.
سبب آخر لعدم تسرع بعض الطلبة في المغادرة هو أن الدراسة كانت مستمرة وجها لوجه وليس عن بعد، وبالتالي صعب الحصول على إذن سفر أو غياب، وكانت إدارة الجامعة تؤكد للجميع أن الحرب لن تحدث.
بعض الظروف الأخرى منعت الطلاب من المغادرة مثل عدم استلام إقامتهم في البلاد بعد، وفي حال مغادرة البلاد بدونها فلن يستطيعوا العودة بسهولة مرة أخرى.
متى غادرت أوكرانيا؟ وهل كان سهلا أن تعودي بسرعة في ظل هذه الظروف الصعبة؟
الحقيقة أنني غادرت أوكرانيا مع أخي وأختي اللذين كانا يدرسان معي في أوكرانيا، وبالرغم من مغادرتي قبل أن تبدأ الحرب إلا أن الأمر لم يكن سهلا أبدا. لم نعثر على حجز بسهولة، فقد تضاعفت أسعار تذاكر مغادرة أوكرانيا 4 و5 أضعاف مرة واحدة. كما أن الكثير من الرحلات كان يتم إلغاؤها في اللحظات الأخيرة.
متى اتخذت قرار مغادرة أوكرانيا؟
بالنسبة لي، لم أتخذ قرار السفر لأنني كنت مطمئنة بشكل كبير مثل أغلب الناس في الشارع الأوكراني، ولكن والدي أصابهما القلق الشديد، فقام والدي بحجز رحلة في 15 فبراير/شباط الماضي وتم إلغاؤها نظرا لهدوء التصعيد نسبيا. ومع زيادة التصعيد مرة أخرى لم يجد والدي بدا من الحجز بسرعة هذه المرة وأقنعني بالرجوع لمدة أسبوعين فقط حتى تهدأ الأمور، وقد عدت في 23 فبراير/شباط إلى أهلي المقيمين في دولة قطر قبل بدء الحرب بأقل من 20 ساعة فقط.
جامعة بوجوموليتس الطبية الوطنية في كييف بأوكرانيا (الجزيرة)
ما هو حال زملائك ممن تركتهم في أوكرانيا؟
بالنسبة للطلبة ممن لم يتمكنوا من الخروج قبل بدء الحرب كان الوضع في غاية الصعوبة عليهم وعلى أهلهم. بعض الطالبات ممن أعرفهن احتمين بالملاجئ وهن خائفات لا يعرفن أين يذهبن. كما أنه صعب التواصل معهن في بعض الأوقات أثناء وجودهن في الملاجئ لعدم وجود شبكة اتصال.
كثير من أمهات صديقاتي تواصلن معي يبكين ويسألن عن حال بناتهن وكيف كان حالهن حينما تركتهن. كنت أطمئنهن خاصة أنني لم أتوقف عن التواصل مع كل من أعرفهم هناك.
بالنسبة للأمهات كان الوضع سيئا، فقد توقف بعضهن عن تناول الطعام والبعض الآخر حدثت له مضاعفات صحية. ولكن الأمور أفضل الآن، بعدما وصل جميع من أعرفهم تقريبا إلى الحدود البولندية وهم في طريقهم إلى بلدانهم.
ما أكثر المواقف التي أثرت فيك خلال هذه التجربة؟
أكثر المواقف المؤثرة بالنسبة لي، هي تكاتف الشباب وإبداء استعدادهم للمساعدة طول الوقت. قام بعضهم بمجهود كبير لحماية الطالبات وتأمين وسيلة نقل لهن للوصول بأمان إلى الحدود.
أحد الشباب المصريين على سبيل المثال، قام بنقل أخته وجميع صديقاتها بسيارته الخاصة إلى الحدود البولندية. البعض الآخر قاموا بتنظيم حافلات وتوفير تكاليف السفر لمن لا يملكها في الوقت الحالي.
كما أن الشباب العرب في بولندا ورومانيا قاموا بتوفير الغذاء والماء والسكن إلى الطلبة القادمين من أوكرانيا بمجرد وصولهم. هذه تجربة لا تنسى بالنسبة للجميع.
هل أنت قلقة على مستقبلك الدراسي في أوكرانيا في ظل الوضع الحالي؟
قامت الجامعة بتأجيل الدراسة أسبوعين فقط حتى تتضح الأمور، ولكننا قلقون للغاية على مستقبلنا وخائفون من أن تضيع علينا السنة الدراسية. والأسوأ أننا لا ندري متى سنعود إلى مقاعد الدراسة مرة أخرى. الانتظار أمر مزعج ومربك. نحن لم نحصل على فرصة الدراسة في أوكرانيا بسهولة، وربما سيتوجب علينا البدء من جديد والتفكير في بديل. أرجو أن تساعدنا بلادنا في تخطي هذه الأزمة.
إذا توقفت الحرب هل ستعودين إلى أوكرانيا ثانية؟
لا أعرف إن كنت سأعود إلى أوكرانيا مرة أخرى، ولكن في حال تحسنت الأمور فأنا أجد أنه بلد مناسب للدراسة.
المصدر : الجزيرة