ما الذي يجري حقيقة في اوكرانيا؟ ..
تعد الاحداث الجارية الان في اوكرانيا احداثا تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالحالة العالمية بعدها ستكون مختلفة تماما عما كانت عليه قبلها. ان الحدث يوصف بانه حدث تاريخي اذا كان يحمل في طياته امكانية كبيرة على احداث تغيير حاسم في المعادلات القائمة ويتسم بامتلاكه قدرات هائلة على احداث تغيرات جذرية في حالة الانتظام التي تسود العالم عند لحظة تاريخية محددة.
يتفق الجميع من النخبة الفكرية في العالم ان لما جرى جذور عميقة تمتد على تتالي السنين منذ مطلع الالفة الجديدة ولغاية اليوم. فمنذ سقوط الاتحاد السوفيتي الى سقوط بغداد على يد الجيوش الامريكية والبريطانية عام 2003 والعالم يشهد انتهاكات جسيمة لا شيبه لها منذ تمدد وهيمنة الاحتلال المغولي لنصف العالم في ذلك الوقت.
فقد تبلورت حالة استعمارية شرسة تنتهك فيها ابسط مفردات الذوق الانساني وعناصر الفطرة الانسانية السوية عندما استفردت قوة عالمية واحدة بصناعة الاحداث على كوكب الارض وامعنت في فعل ما تشاء دون تردد ودون خوف، فكان اجتياح العراق والتنكيل باهله واغتصاب النساء والرجال على حد سواء في معسكرات الاحتلال الامريكي في ابو غريب وغيرها والتنكيل بالبشر وتدمير البنى التحتية واحداث الفوضى دون ان يكون هنالك حتى اعتذار من الطبقة السياسية التي تحكم امريكا وتتحكم بالعالم واصبح المثال القائل من "أمن العقاب اساء الادب" حقيقة على ارض الواقع.
وجاءت الان احداث ما يجري بين روسيا والغرب على التراب الاوكراني لتشكل محاولة لاعادة حالة الانتظام الضرورية لاستعادة التوازن العالمي ووقف البلطجة الغربية التي انهكت شعوب العالم الاسلامي وبعض شعوب قارة امريكا الجنوبية وجعلت الجميع يعيش في عالم غير آمن.
مع الاسف ان تطورات من هذا الطراز تتطلب تضحيات كبيرة والمحزن ان شعب اوكرانيا يقدم هذه التضحية الكبيرة بسبب عوامل جيوسياسية رتبها الغرب على مدى السنوات العشرة الماضية ليجعل من اوكرانيا خنجرا مسموما في خاصرة روسيا الدولة النووية الاولى في العالم، مما استدعى انتفاضة روسية سيراق من خلالها الكثير من الدماء وستبدد من خلالها الكثير من الموارد والاصول المادية الاستراتيجية وسيكون النزيف ليس فقط اوكرانيا وروسيا بل بالتحديد غربيا وعلى نطاق اوسع عالميا.
ان الحالة الروسية الاوكرانية لن تكون الحالة الوحيدة التي سيواجهها العالم اذا استمرت القطبية الاحادية في ادارة شؤون العالم، فهناك الكثير من البؤر الساخنة دائما كحالة تايوان مع الصين مثلا التي قد يفجرها الغرب في اية لحظة ويدخل العالم من جديد الى حافة الحرب العالمية الثالثة والتي ستشكل نهاية العالم كما نعرفه الان.