العراق.. سباق الرئاسة يعود إلى نقطة الصفر

بعد مضي 5 أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، لا تزال القوى السياسية الفائزة عاجزة عن استكمال تشكيل السلطات التي ستتولى إدارة البلاد للسنوات الأربعة المقبلة.

ولم تحقق أية قائمة انتخابية الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة، ويتعين على الفائزين تشكيل ائتلاف برلماني يحوز على أغلبية المقاعد ليتسنى لهم تشكيل الحكومة المقبلة.

ونظام الحكم بالعراق برلماني، حيث تعنى السلطة التشريعية بانتخاب مسؤولي السلطة التنفيذية، إذ ينتخب مجلس النواب (البرلمان) في البداية رئيساً للمجلس ونائبين له، ومن ثم رئيسا للجمهورية.

ولاحقا يقوم رئيس الجمهورية المنتخب من البرلمان، بتكليف مرشح الكتلة البرلمانية الأكثر عددا بتشكيل الحكومة الجديدة التي يجب أن تحظى بثقة البرلمان (329 نائبا).

وحتى الآن، نجح البرلمان في انتخاب رئيسه محمد الحلبوسي، خلال أول جلساته في 9 يناير/كانون الثاني الماضي، وحالت الخلافات الكبيرة بين الكتل الفائزة دون المضي قدما في الخطوة التالية وهي انتخاب رئيس جديد للبلاد.

** ماذا حصل؟
ينص الدستور العراقي، على انتخاب رئيس جديد للجمهورية بأغلبية ثلثي أعضاء البرلمان خلال مدة 30 يوما من تاريخ انعقاد الجلسة الأولى للمؤسسة التشريعية بعد الانتخابات.

حدد البرلمان تاريخ 7 فبراير/ شباط الماضي موعدا للتصويت على انتخاب رئيس البلاد، إلا أنه فشل في عقد جلسته نتيجة مقاطعة الكتل السياسية للجلسة مع استمرار الخلافات بشأن المرشحين، إضافة إلى عدم التوصل لاتفاق بشأن تشكيل الحكومة.

وفي اليوم التالي، ومع انقضاء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، أعلن رئيس البرلمان الحلبوسي، إعادة فتح باب الترشح لمنصب الرئيس.

إلا أن المحكمة الاتحادية العليا قضت مطلع مارس/آذار الجاري، بعدم دستورية إعادة فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، في حين أشارت إلى إمكانية إعادة فتح باب الترشيح مجددا بقرار من مجلس النواب، وليس من رئاسة المجلس.

وحصل ذلك بالفعل عندما صوت البرلمان، في 5 مارس الجاري، على إعادة فتح الترشح للمنصب بدءا من اليوم الموالي، ولمدة ثلاثة أيام، وهو ما أعاد السباق إلى نقطة الصفر.

وقال الخبير في الشأن القانوني العراقي، علي التميمي، للأناضول، إن "موافقة مجلس النواب على فتح باب الترشح من جديد يتيح للرئاسة استقبال طلبات الترشح”.

** المنافسة بين أكبر حزبين كرديين
بموجب عرف سياسي متبع في العراق منذ 2006، فإن الأكراد يشغلون منصب رئيس الجمهورية، والسنة رئاسة البرلمان، والشيعة رئاسة الحكومة.

وتنحصر المنافسة على أكبر حزبين كرديين في إقليم كردستان (شمال)، للفوز بالمنصب وهما "الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني (31 مقعدا)، و”الاتحاد الوطني الكردستاني” بزعامة بافل طالباني (17 مقعدا).

وعلى مدى الدورات السابقة، شغل "الاتحاد الوطني” منصب رئاسة الجمهورية مقابل حصول "الديمقراطي” على وزارة سيادية في الحكومة الاتحادية، إضافة إلى رئاسة الإقليم ورئاسة وزراء الاقليم.

لكن الحزب الديمقراطي اعترض هذه المرة على مرشح الاتحاد الوطني، الرئيس الحالي برهم صالح، لشغل منصبه لولاية ثانية.

ومع إصرار الاتحاد على مرشحه صالح، قدم الديمقراطي مرشحاً من قبله وهو وزير الخارجية والمالية السابق هوشيار زيباري، وذلك قبل أن تقضي المحكمة الاتحادية باستبعاده من سباق الرئاسة بعد أن قالت إن الشروط المطلوبة لا تتوفر فيه إثر الاشتباه بتورطه في الفساد خلال توليه وزارة المالية.

ومع فتح باب الترشح مجددا، بإمكان الحزب الديمقراطي تقديم مرشحه الجديد وهو وزير داخلية إقليم كردستان، ريبر أحمد، للتنافس على المنصب.

** سيناريوهات
ورأى رئيس "مركز التفكير السياسي في العراق” (مركزه بغداد)، إحسان الشمري، أن "هناك سيناريوهين اثنين أمام مجلس النواب بشأن حسم منصب رئاسة الجمهورية والتوجه نحو تشكيل الحكومة الجديدة”.

وأوضح الشمري للأناضول، أن "السيناريو الأول يتمثل في مضي الحزب الديمقراطي بتقديم مرشح جديد لمنصب رئاسة الجمهورية، ومن ثم التنافس مع مرشح الاتحاد تحت قبة البرلمان”.

وأضاف أن "السيناريو الآخر هو أن تتوافق الكتل السياسية على اختيار مرشح بعينه ومن ثم تمريره في البرلمان وانتخابه رئيساً”.

واستبعد تحقق السيناريو الثاني على اعتبار أن الخلافات لا تزال تسود بين القوى السياسية وخاصة الكردية منها بشأن المرشحين لشغل المنصب.

ولا يمكن النظر إلى أزمة انتخاب رئيس الجمهورية بمعزل عن الأزمة السياسية الشاملة في العراق، حيث في الدورات السابقة كانت القوى الفائزة بالانتخابات تبرم اتفاق "السلة الواحدة”، أي تسمية رؤساء البرلمان والوزراء والجمهورية، وكذلك الوزراء وبقية المناصب الرفيعة، بحيث كان الجميع يضمنون لأنفسهم موطئ قدم في الحكومة وبقية المناصب.

إلا أن التيار الصدري الفائز بالانتخابات يسعى لتشكيل حكومة أغلبية وطنية من خلال استبعاد بعض القوى، وعلى رأسها ائتلاف "دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

وذلك خلافا لبقية القوى الشيعية ضمن "الإطار التنسيقي”، التي تطالب بحكومة توافقية تشارك فيها جميع القوى السياسية داخل البرلمان على غرار الدورات السابقة.

وتصدرت "الكتلة الصدرية” الانتخابات التي أجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بـ73 مقعدا، تلاها تحالف "تقدم” بـ37، وائتلاف "دولة القانون” بـ33، ثم الحزب "الديمقراطي الكردستاني” بـ31.

** حظوظ المتنافسين
يبدو أن حظوظ مرشح الحزب الديمقراطي ريبر أحمد، أوفر للفوز بمنصب الرئاسة من منافسه برهم صالح، على اعتبار أن الحزب متحالف مع "الكتلة الصدرية” وتحالف "السيادة” (ائتلاف من أكبر قائمتين للسنة بـ71 مقعدا) وهما أول وثاني ترتيب المتصدرين للانتخابات.

في حين يبدو مرشح الاتحاد الوطني، أقرب إلى المعسكر الشيعي الآخر وهو "الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى وفصائل مقربة من إيران.

وقالت القيادية في تحالف "الفتح” (17 مقعدا، ضمن الإطار التنسيقي) انتصار حسن الجزائري، إن "الكتل السياسية بانتظار اتفاق الحزب الديمقراطي الكردستاني مع الاتحاد الوطني الكردستاني بشأن مرشح منصب الرئاسة، بهدف المضي باستكمال تشكيل الحكومة الجديدة”.

وأضافت الجزائري للأناضول، أن "الكتل السياسية سواء في بغداد أو الإقليم لم تتوصل إلى اتفاق حول مرشح منصب رئاسة الجمهورية لغاية الآن”.

ورأت أن "الحزب الديمقراطي أمام مأزق الآن بعد رفض المحكمة الاتحادية مرشحه هوشيار زيباري، مما أجبره على ترشيح ريبر أحمد، وهو لا يحظى بمقبولية من قبل الكتل السياسية إلى الآن”.

وبشأن احتمال تفاقم الأزمة السياسية والذهاب إلى إعادة الانتخابات، استبعدت الجزائري، إعادة الانتخابات "كون البرلمان باشر مهامه الدستورية فأصبح الأمر معقدا ومستبعدا من قبل جميع الكتل المشاركة في العملية السياسية”.-(الاناضول)