احتجاجات السودانيين عشوائية أم هناك قوى تحركها؟

مع استمرار السودانيين في احتجاجاتهم منذ انفراد القادة العسكريين بحكم السودان، وإعلانهم حالة الطوارئ وحل مجلسي الوزراء والسيادة الانتقاليين يوم 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، يطرح تساؤل من يقف خلف التحرك الشعبي؟
الغضب الشعبي متجدد في غالبية عواصم ولايات السودان الـ18 والمظاهرات السلمية التي كانت سببا في سقوط نظام الرئيس عمر البشير قبل ذلك بعامين هي ذاتها التي تحتج الآن.
وتعد ولاية الخرطوم بمدنها الرئيسة الثلاث (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري) أهم مركز للاحتجاجات نسبة للكثافة السكانية العالية (حوالي 10 ملايين نسمة على الأقل)، وللتنظيم الدقيق الذي تتمتع به بترتيب مما يعرف بـ”لجان المقاومة”.
في شرقي البلاد درجت 3 مدن رئيسية، هي بورتسودان وكسلا والقضارف، على تلبية دعوات التظاهر التي تخرج تحت مسمى "مليونيات”، لكن أكثرها التزاما وزخما هي بورتسودان الواقعة على مسافة 1600 كيلومتر شمال شرق الخرطوم. وفي إقليم كردفان غربا، تعد أبرز المدن النشطة في الاحتجاجات مدينة الأبيض (نحو 588 كيلومترا غرب الخرطوم).
إلى الشمال من الخرطوم تعد مدينة عطبرة (نحو 320 كيلومترا شمالا) في ولاية نهر النيل، أهم مركز للاحتجاجات، وهي المدينة التي أشعلت فتيل الثورة ضد الرئيس المعزول عمر البشير يوم 19 كانون الأول (ديسمبر) 2018، مقابل ذلك ابتعدت بقية مدن الولاية (شندي والدامر وبربر) عن المظاهرات. وفيما يلي خريطة الاحتجاجات:
تعد لجان المقاومة أبرز الجهات الداعية والمنسقة للاحتجاجات ضد الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وهي تنظيم قاعدي وأفقي ليس له قيادة، وهو ما يصعّب اتفاقها على قرار أو موقف، لكن في الوقت نفسها فإن ذلك يجنبها لحد كبير الملاحقات والاختراقات الأمنية وحتى السياسية من قبل الأحزاب.
كان ميلاد لجان المقاومة تحت مسمى لجان الأحياء في الاحتجاجات ضد البشير في أيلول (سبتمبر) 2013، لكن لجان المقاومة بشكلها الحالي بدأت تظهر خلال الاحتجاجات التي أسقطت البشير خاصة في الترتيب لـ”مليونية نيسان (أبريل) 2019″ التي تحولت لاعتصام أمام القيادة العامة للجيش أسقط نظام البشير، ثم كان لهذه اللجان دور بارز في "مليونية 30 يونيو (حزيران) 2019” بعد 27 يوما فقط من فض الاعتصام بالقوة.
الآن تعد لجان المقاومة الجهة الأبرز والرئيسية في الدعوة والتنسيق للمظاهرات ضد إجراءات البرهان واستعادة الحكم المدني، وهي تنتشر عبر 36 تنسيقية على مستوى البلاد، تنضوي تحتها أكثر من 5 آلاف لجنة مقاومة على مستوى السودان، منها نحو 800 لجنة في ولاية الخرطوم وحدها. ويتعرض عناصر هذه اللجان حاليا للملاحقات والاعتقالات من قبل السلطات الأمنية.
تحظى لجان المقاومة بدعم أحزاب أبرزها الحزب الشيوعي السوداني الذي تأسس عام 1946، وحزب المؤتمر الشعبي السوداني، الذي أسسه الدكتور حسن الترابي عام 1999 بعد الانشقاق عن حزب المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير، ويدعمها كذلك تجمع المهنيين السودانيين الذي أنشئ في تموز (يوليو) 2018 من عدة أجسام مهنية أبرزها الأطباء والمعلمون والمحامون والصحفيون، وكذلك قوى إعلان الحرية والتغيير.
والتشكيل الأخير عبارة عن تحالف من قوى سياسية ومدنية ومهنية وقّعت على إعلان لإسقاط نظام البشير في الأول من (يناير) 2019.
قاد هذا التحالف ونسق الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس البشير، لكنه بعد سقوط النظام وتشكيل حكومة ما بعد الثورة تعرض لهزات، كان أولها انقسام تجمع المهنيين في أيار (مايو) 2020، ثم انسحاب الحزب الشيوعي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، والذي انخرط منذ ذلك الوقت في معارضة العسكر.
لكن أكبر هزة تعرضت لها قوى الحرية والتغيير كانت يوم 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 عندما شكلت حركات مسلحة "أبرزها حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي” وبعض القيادات السياسية ما سموه: قوى الحرية والتغيير- مجموعة الميثاق الوطني.
وأشرفت المجموعة الأخيرة على اعتصام أمام القصر الرئاسي مهّد لانقضاض العسكريين على السلطة يوم 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وتساند هذه المجموعة المجلس العسكري الحاكم حاليا، وتناهضه قوى الحرية والتغيير.-(وكالات)