تصريحات الوزير الشبول .. تجاهل للحقوق الاساسية و تعدي على حرية الصحفيين وحصانتهم
المراوحة المعرفية و رفض هضم و استيعاب المتغيرات والتطورات المتسارعة يترك المرء عادة خارج سياقات المرحلة ، وغير مدرك للمجريات من حوله وديناميكيات الفعل والتأثير وانماط الحركة و المناورة ، ولذلك غالبا ما تجانب قراراته واجتهاداته وارائه و تصريحاته الصواب و تفتقر للمنطق و تناقض الحقيقة والواقع .
عندما يقول وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال فيصل الشبول في لقاء جمعه بصحفيين بدار رئاسة الوزراء معقبا على عمليات توقيف الصحفيين في المطار :" علينا ان نفرق بين ما ينشره الصحفي عبر وسيلة الإعلام التي يعمل بها ، وبين ما ينشره بصفته الشخصية عبر مواقع التواصل الإجتماعي "، وهي ذات العبارة التي استخدمها مدير هيئة الاعلام طارق ابو الراغب في تصريحات صحفية لموقع اخباري اردني،فهذا يعني بالضرورة ان الوزير والمدير كلاهما ، ينكران على الصحفي ان يكون على تماس مع الجمهور ، ينكران عليه القيام بدوره ورسالته ب الإعلام والإخبار عبر اي وسيلة ممكنة ومتاحة ، ينكران عليه ابداء رأيه ،والتعبير عن وجع الناس وحاجاتهم و انحيازاتهم ووجهات نظرهم عبر وسائط التواصل المختلفة التقليدية منها وغير التقليدية .. ينكران على الصحفي الاشتباك مع الجمهور ، والتفاعل معه، والتعبير عنه ، وهم بذلك ينسفون قواعد اساسية تقوم عليها المهنة منذ نشأتها الاولى .
الوزير الشبول و المدير ابو الراغب ، تجاهلا في تلك التصريحات حقيقة أن الصحفيين يجري توقيفهم استنادا لاحكام قانون الجرائم الإلكترونية العرفي، على مواد صحفية نشرت على وسائل اعلامهم المرخصة وجرى تداولها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ، بمعنى ان التبرير الحكومي هذا ،يأتي خارج كل السياقات ، و غير مبني على مواكبة للمجريات ، ويشي بان الوزير والمدير كلاهما غير مطلعين على التطورات ، ويبدو انهما انقطعا منذ فترة طويلة عن رصد ومتابعة ما يجري على صعيد تقييد الاعلام و محاصرة العاملين فيه و تضييق الخناق على المؤسسات الصحفية ..فسواء تم نشر ما يكتب الصحفي على وسيلة اعلام او استخدم منصات التواصل الاجتماعي فان لائحة الاتهام جاهزة ، والتكيف معد مسبقا ، والكلاشيه لا يتطلب اكثر من عملية قص ولصق ..فعن اي اختلاف وتمييز يتحدث الوزير الشبول ؟!! المشكلة تشريعية ، قانون الجرائم الالكترونية لا بد من تعديل نصوصه ، وهذا يحتاج الى ارادة سياسية غير موجودة ..
ثم ، اذا كان الوزير الشبول يفرق فعلا بين هذه وتلك ، لماذا لا يسعى اذا - وهو ابن هذه المهنة - لتحصين اولئك الذين ينشرون عبر وسائل الاعلام المتعارف عليها ومنع توقيفهم استنادا لنص المادة ١١ من قانون الجرائم الالكترونية ؟! لماذا لا يسعى لاجراء تعديلات تشريعية تكفل حرية و استقلالية العاملين في الصحافة و الاعلام ؟ لماذا يستمر التوقيف والملاحقة القانونية استنادا لنصوص في قوانين الجرائم الالكترونية واصول المحاكمات الجنائية والعقوبات والارهاب و حماية اسرار الدولة و مكافحة الفساد ، واكثر من ١٤ قانونا اخر؟!!
وحتى نعري هزالة الحجة الحكومية اكثر ، ماذا لو صرح الوزير نفسه او رئيس الوزراء عبر شبكات التواصل الاجتماعي ، كيف نتعامل مع ما قاله الوزير او الرئيس عبر صفحته الشخصية ، هل نتجاهله ، هل نقول هنا انه عبر عن رأيه الشخصي وهو يحمل صفة رسمية ؟!! الصحفي تلازمه صفته ايضا ، ويتمتع بحصانته عبر اي وسيلة نشر ، فهو الناطق الرسمي باسم الشعب والامة ، والناقل الامين لاراء الناس ووجهات نظرهم ، والعين التي تراقب وتحاسب ، و السلطة الاخلاقية التي لا تكبح جماحها اي سلطة اخرى مهما بلغ جبروتها وسطوتها واستبدادها ..
واخيرا ، علينا ان نتحدث عن حق اساسي من حقوق الانسان هنا ، حرية الرأي والتعبير مصانة بالدستور الاردني ، ولا يجوز ان يجري تقييدها من خلال تشريعات تفرغ النص الدستوري من مضمونه وتزهق الحق و تنقلب عليه .. وهذا ما حدث في قانون الجرائم الالكترونية الذي يحاسب الناس على ارائهم ويقيد حريتهم في التعبير ، الاصل ان لا يجري توقيف اي مواطن اردني ،لانه عبر عن رأيه عبر شبكات التواصل او غيرها ، هذه القيمة المهمة التي يجب ان نحترمها جميعا ،وعندما يتحقق ذلك ، لن نحتاج الى تحصين الصحفي و حماية حقه في ممارسة مهنته دون قيود و ضوابط وحدود تضعها سلطة نزقة مستبدة لا تحترم الاخر ولا تريد ان تسمع لغير صدى صوتها النشاز .