أطول حكم في التاريخ.. أسير أردني محكوم بالسجن لـ67 مؤبدا و5200 عام



"لو اضطرت إسرائيل ترك أرضها لأي سبب كان، فإنها ستأخذ عبد الله البرغوثي معها"؛ هذا ما قاله الضابط الإسرائيلي المسؤول عن ملف الأسير البرغوثي، بعد المحاكمة العسكرية التي حكم عليه فيها بالسجن 67 مؤبدا، و5200 عام، بتهمة تنفيذه 7 عمليات فدائية أدت لمقتل 67 إسرائيليا وجرح أكثر من 500 آخرين.

دخل عبد الله البرغوثي عامه الـ 20 أسيرا داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، بعد اعتقاله من قبل قوات خاصة إسرائيلية في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية المحتلة بالصدفة، في الخامس من مارس/آذار2003.

ويعتبر البرغوثي من أخطر المقاومين لإسرائيل فترة الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي بدأت بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2000، وكان قد أعاد إحياء كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس في الضفة الغربية المحتلة بعد اغتيال الاحتلال لقائدها الشهيد يحيى عياش عام 1996.

مهندس يحمل الجنسية الأردنية

ولد البرغوثي في الكويت عام 1972، وانتقل للعيش في الأردن بعد حرب الخليج الثانية عام 1990، وحمل الجنسية الأردنية، قبل أن يلتحق بإحدى الجامعات الكورية الجنوبية ليدرس الهندسة الإلكترونية 3 سنوات، وكانت سببا في تعلمه صناعة المتفجرات، لم يكمل دراسته بسبب حصوله على تصريح دخول إلى فلسطين.

دخل إلى فلسطين أول مرة عام 1997، وعمل في مدينة القدس في صيانة الأجهزة الإلكترونية، ومن ثم عام 1998 تزوج قريبته في بلدة بيت ريما شمال غرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، وأنجب منها أبناءه الثلاثة؛ تالا وأسامة وصفاء، بالرغم من عدم حصوله على الهوية الفلسطينية حتى اليوم.

التحق بالعمل المقاوم المسلح ضد إسرائيل، مع بداية الانتفاضة الثانية عام 2000، وأصبح مهندس العمليات الفدائية في فلسطين، واعتقل لمدة شهر من قبل جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، بعد تنفيذ أول عملية في مطعم "سبارو" في تل أبيب في أغسطس/أب عام 2001، والتي قتل فيها 15 إسرائيليا، وأصيب عشرات آخرون.

أسر بالصدفة

طارده الاحتلال الإسرائيلي بعدها لمدة سنتين، وكانت زوجته وابنه أسامة وابنته تالا، ينتقلون معه متخفيين من مكان لآخر في مدينة رام الله، واستطاع تجهيز استشهاديين فلسطينيين لتنفيذ عمليات تفجيرية في مناطق مختلفة من فلسطين المحتلة (48)، ومدينة القدس.

تقول زوجته، أم أسامة للجزيرة نت، إن الفلسطينيين خلال الانتفاضة الثانية، كانوا ينظرون إلى عبد الله، كخليفة للشهيد يحيى عياش، قائد كتائب القسام في تسعينيات القرن الماضي.

انقطع البرغوثي عن عائلته لمدة 20 يوما، ووصل إلى العائلة لينقل ابنه لأحد الأطباء في مدينة البيرة، قبل اعتقاله بالصدفة من قبل قوات خاصة إسرائيلية، وتم نقله للتحقيق لمدة 3 أشهر متتالية، ذاق فيها كل أصناف التعذيب النفسي والجسدي، وتم عرضه على المحكمة العسكرية مرتين فقط.

وفي المحاكمة الثانية، حضر عشرات من عائلات القتلى الإسرائيليين، وحُكم عليه كأطول حكم في تاريخ الاحتلال، بل إن آخرين وصفوه بأنه أطول حكم لأسير في التاريخ، وسط تهديدات من أهالي القتلى بالانتقام منه.

عزل ومنع زيارة

نُقل مباشرة إلى العزل الانفرادي، وتنقل خلالها بين عدة سجون، وبقي معزولا لمدة 10 سنوات، وتعرض خلالها لضغوط نفسية وجسدية كبيرة، منها إدخال مختلين عقليا إلى عزله، وإدخال عملاء للعيش معه.

خاض إضرابا عن الطعام أدى إلى إنهاء عزله الانفرادي، واستطاع خلال سنوات الاعتقال الحفاظ على صحة جسدية وعقلية ممتازة، كما تصف زوجته للجزيرة نت، بالرغم من أن الاحتلال أراد عكس ذلك، لأنه كان من صغره يحب رياضة الجودو.


لم تزره زوجته، وهي الوحيدة من أقاربه مع أولادهما في فلسطين، سوى 6 مرات طوال 20 عاما من الاعتقال، وكانت آخر زيارة له عام 2019، ولم ير خلالها والديه وأقاربه الذين يعيشون جميعا في الأردن.

كان البرغوثي يلقب بـ"أمير الظل"، بعد أن ألّف كتابا من محبسه بعنوان "أمير الظل"، يتحدث فيه عن حياته منذ ولادته وتنقله من الكويت إلى الأردن وكوريا الجنوبية وفلسطين، وتفاصيل عمليات المقاومة التي نفذها برفقة شهداء وأسرى آخرين، ووصف في الكتاب كيف كان يُدخل المتفجرات عن طريق الحواجز العسكرية الإسرائيلية، وكيف قام بتنفيذ عمليات تفجير عن بعد، وتفاصيل دقيقة أخرى.

تحرر بصفقة

ردت كتائب القسام في غزة الجميل، بتسمية الوحدة التي كانت مسؤولة عن أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006، باسم "وحدة الظل"، تيمنا به، ووعدته أن يكون على رأس أي صفقة تبادل، إلا أنه رفض الخروج في صفقة "وفاء الأحرار"، أو صفقة" شاليط"، وأعطى الأولوية لأصحاب المحكوميات العالية وقتها عام 2011، عدا عن رفض إسرائيل إدراجه ضمن أية صفقة وقتها.

تفاجأ الاحتلال عام 2015 عندما اتصل البرغوثي من محبسه بإحدى الإذاعات المحلية في قطاع غزة، ووجه رسالة لكتائب القسام بعدم التسرع بإبرام صفقة تبادل أسرى، الأمر الذي كان سببا في إعادته إلى العزل والتحقيق مرة أخرى.

ألّف البرغوثي عدة كتب منها "أمير الظل"، وعدة روايات أبرزها "الماجدة" و"المقصلة". كما حصل خلال سنوات اعتقاله على شهادة البكالوريوس بتخصص التاريخ من جامعة الأقصى، وماجستير علوم سياسية من جامعة الأمة، وماجستير دراسات إقليمية من جامعة القدس، وحصل على دكتوراه فخرية، من إحدى الجامعات المغربية.

تخرجت ابنته الكبرى تالا من جامعة بير زيت، ويدرس ابنه أسامة الحاسوب في الجامعة ذاتها في السنة الثالثة.

أما ابنته الصغرى صفاء فكانت تبلغ من العمر 35 يوما عندما اعتقل عام 2003، والتحقت مؤخرا بكلية الطب في جامعة النجاح في نابلس، بعد أن حصلت على معدل 98.3 في الثانوية العامة، عندما تمنى لها والدها في إحدى الزيارات أن ترتدي المعطف الأبيض، وهو ما تسعى لتحقيقه.

وتقول زوجته أم أسامة للجزيرة نت، إنه بمعنويات عالية جدا وصحة ممتازة، مؤكدة ثقتها بالله أولا، والمقاومة الفلسطينية ثانيا، أن تدرجه في أية صفقة تبادل أسرى مقبلة، لأنه ابتسم عندما حُكم عليه، وقال "سأخرج رغم أنوفكم".

بل إنه في إحدى المقابلات الصحفية داخل سجنه قال لصحفي إسرائيلي أيضا "سأخرج لأرى عائلتي، وأمضي بقية حياتي على الشاطئ وفي السباحة، وستزورني في رام الله وأنا أسترخي في الجاكوزي داخل منزلي".


(الجزيرة)