"لا يرّد أحدًا ويرفض الهدايا الشخصية" 18 عامًا على استشهاد الشيخ ياسين.. هكذا يستذكره مرافقه
"لم يردّ سائلًا طلب حاجة ولو من مرتبّه الشخصي"، بهذه الكلمات المليئة بالشوق يستذكر محمود العماوي (51 عامًا) أبرز المحطات التي جمعته بالشيخ الشهيد أحمد ياسين، منذ خروجه من الأسر عام 1997 وحتى استشهاده.
العماوي، الذي بقي مرافقًا شخصيًا لمؤسس حركة حماس، يقول، خلال حوار أجرته معه وكالة "صفا" في الذكرى 18 لاستشهاد ياسين، إن السمة الأبرز للشيخ هي أنه كان نصيرًا للفقراء؛ إذ "ينفق عليهم جُلّ ما يأتيه من دعم، ولم يُحرج أحدًا أو يردّ سائلاً".
واستشهد الشيخ الياسين في 22 مارس/ آذار 2004 بقصف إسرائيلي استهدفه أثناء عودته على كرسيّه المتحرك من صلاة الفجر بمسجد "المجمع الإسلامي" في حي الصبرة جنوبي مدينة غزة، وارتقى حينها عددٍ من مرافقيه.
حياته الشخصية
واستعرض العماوي أبرز المحطات الشخصية للشيخ أحمد ياسين، حيث بدأت رحلة مرافقته للشيخ طيلة 7 أعوام منذ إطلاق سراحه من سجون الاحتلال عام 1997 وحتى استشهاده عام 2004، كاشفًا بعضًا من تفاصيل حياة الشيخ.
وذكر أنه نظرًا للوضع الصحي للشيخ ياسين، فإنه كان يُرتّب مواعيد زيارات المواطنين لمؤسس حركة حماس، وكل من يقصده.
ويقول العماوي: "الشيخ لم يُعاملنا يومًا كمرافقين، كان مقربًا منًا كثيرًا، ويناديني يا ولدي، ولم يفرّقنا أبدًا عن أبنائه، حيث كان يطعمنا دومًا من حسابه الشخصي، وما تعده زوجته من طعام".
وأضاف "كنت أطعمه بيدي، فهو لا يستطيع خدمة نفسه، وكان يشترط أن تكون لقمتين لي ولقمة له، بحكم أنه بطيء في مضغ الطعام، ويرفض تناول الطعام وحده، ويصر على أن نتناول الطعام معه".
وعلى صعيد تعامله مع المواطنين، "كان يحرص الشيخ دومًا ألاّ نتعامل بخشونة مع أيِ شخص يقترب منه، رغم أن طبيعة عملنا هي توفير الحماية الشخصية له"، وفق العماوي.
وذكر أن الشيخ ياسين "اتسم بسماتٍ عديدة قلّما اجتمعت في قائد وطني، وهي الرحمة واللين والحلم الواسع حين يستمع لشكاوى الناس، في وقت أن معاملته للمواطنين لم تختلف عن تعامله مع أهل بيته، بالإضافة لحرصه على المشاركة في المناسبات الاجتماعية رغم وضعه الصحي".
ويشير إلى أنه رغم إصابته بالتهاب رئوي حاد، فإنه لم يتثاقل يومًا عن حضور مناسبة لأي مواطن كان يدعوه، وفي حال تعذّر ذلك يبتعث وفدًا من حركة حماس ليمثله.
ويوضح أن الشيخ ياسين "تألّم كثيرًا حين استشهد رفيق دربه إبراهيم المقادمة، وحزن عليه كثيرًا لقربه منه، في وقت أنه لم يكن يشفي صدره إلا رد المقاومة على انتهاكات الاحتلال واعتداءاته بحق أبناء شعبنا".
"الشيخ الزاهد"
ويشير العماوي إلى أن "الكثير من أحرار أمتنا العربية والإسلامية كانوا يقدمون هدايا شخصية للشيخ ياسين؛ لكنه يرفض أن يأخذها ويدّخرها لصالح المقاومة وخدمة المحتاجين".
ويذكر أن "أحد الأشخاص أرسل ملابس فاخرة للشيخ ياسين؛ لكنه رفض لبسها وأرسلها للفقراء قائلاً: أنا لست أفضل منهم".
ويلفت إلى أن الشيخ رفض ترميم منزله المتواضع بحي الصبرة جنوبي المدينة، وما زال حتى اليوم نصفه من "الإسبست"، والنصف الآخر تم ترميمه بعد إصرار كبير من قيادة حركته؛ ليكون قاعة استقبال للناس والشخصيات الوطنية.
ومن الأمثلة على زهد الشيخ ياسين، أنه كان يحرص دومًا ألاّ يُبقي في جيبه أي نقود، "وكي لا يرد أي سائل كان يستدين من المرافقين لإعطاء الفقراء، ويسدهم لاحقًا"، وفق العماوي.
رجل دعوة
ويوضّح العماوي أن الشيخ ياسين "كان داعيًا إلى الله بالدرجة الأولى، إذ يعطي الدروس والمحاضرات بمسجد المجمّع الإسلامي، ولشدة احترام الناس له لم يكن أحد يغادر المسجد إلا بعد أن ينهي الشيخ درسه كاملاً".
وعرف عن الشيخ ياسين أنه حافظ للقرآن الكريم بمهارة، إذ يحفظ رقم الصفحة، ويبدأ بتلاوة الآية القرآنية ويعرف مكانها ورقمها.
وكان للشيخ مكتبة خاصة في منزله، يحب دومًا قراءة الكتب الدينية والتاريخية، بالإضافة إلى أنه كان دومًا يحرص على متابعة الأخبار وقناة "الجزيرة"، وفق مرافقه.
قامة وطنية
وعُرف عن مؤسس حماس أنه قامة وطنية وشخصية وحدوية ومحط احترام بين العائلات الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة وفلسطيني الداخل.
ويقول العماوي إن الشيخ ياسين كان يتدخّل لحل المشاكل العائلية ويتمكن من ذلك، مضيفًا أنه "بمجرد دخوله منزل أي عائلة كانت السكينة تقع في قلوبهم، لهيبة حضوره".
ويلفت إلى أن "الشيخ تحامل على نفسه أيام الإقامة الجبرية التي فرضتها السلطة الفلسطينية عليه أواخر عام 2001".
ويضيف أنه "حرصًا على وحدة شعبنا وعدم الاقتتال؛ كان الشيخ يخضع لتلك الإقامة، لأنه يؤمن أن الاحتلال هو المستفيد من إراقة الدم الفلسطيني".
ولم تغب قضية الأسرى يومًا عن الشيخ ياسين، وفق مرافقه، إذ كانت تؤّرقه دومًا، وكان يردد الجملة التي عرف بُها "بدنا ولادنا يروحوا.. غصبن عنهم".
ويؤكد العماوي أن الشيخ كان يبذل جهودًا كبيرة لإطلاق سراح الأسرى، مضيفًا "كان يشعر بمعاناتهم، ولاسيما الأسرى المرضى وأصحاب المؤبدات؛ كيف لا وهو الذي عانى مرارة الأسر والمرض داخل سجون الاحتلال".
ويشير إلى أن الشيخ كان يشارك دومًا باعتصام أهالي الأسرى أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، رغم وضعه الصحي الصعب.
وفيما يتعلق بعلاقته مع فصائل العمل الوطني والإسلامي، يوضّح العماوي أن الشيخ كان يحرص دومًا على المشاركة باحتفالاتهم، وإعطائهم "دفعة معنوية للنضال ضد الاحتلال".
أما على صعيد تعامله مع المواطنين المسيحيين، يقول: "كان الشيخ دمث الخلق معهم، ويزورهم في مناسباتهم ويتودّد إليهم، ويقابلهم بالمعاملة الحسنة، ويشارك بوقفاتهم التي كانوا يقيمونها في كنيسة دير اللاتين ضد انتهاكات الاحتلال".
ويؤكد العماوي أن "رحيل الشيخ ياسين خسارة كبيرة لشعبنا؛ لما تمثله هذه الشخصية من قوة وحكمة ووحدة وحضور وطني جامع".