الانتخابات.. مشاركة متواضعة تعكس المزاج العام
انتهت الانتخابات البلدية واللامركزية بنسبة اقتراع عامة بلغت 29.5 بالمئة، شاءت الصدفة أن تماثل نظيرتها "النيابية" الأخيرة، وكأن هذه النسبة تسير وفق خط بياني مرسوم، يعبر عن أقصى طموح يمكن أن تصل إليه نسبة التصويت.
لن نشكك في صدقية ودقة هذه النسبة ونحتسبها رب صدفة خير من ألف ميعاد، على الرغم من وعود المسؤولين المتكررة بدراسة أسباب عزوف واضطراب المزاج العام تجاه العملية الانتخابية، والعمل على دحر أسباب التأثير على إرادة الناخبين بما يكفل رفع مستوى الإقبال الشعبي على الانتخابات، دون أن تترك هذه الوعود أثرا نفسيا ملموسا ينعكس على نسبة الاقتراع، بالرغم من تعطش الناخبين في الحصول على خدمات وإن كانت في إطار حدودها الدنيا.
نسب الاقتراع المتواضعة في الانتخابات على اختلاف مسمياتها، لها أسبابها ومبرراتها من قبل الناخبين الذين يحجمون عن الإقبال على صناديق الاقتراع، لعدم القناعة بنزاهتها وارتياب المواطن من تدخلات رسمية، إلى جانب الواقع المعيشي المتردي وانحدار المستوى الخدماتي في العاصمة وبقية المحافظات.
المواطن الأردني لا تنقصه ثقافة الانتخاب ولديه من الوعي والخبرة الكافية لاختيار الأكفأ في تمثيله بمؤسسات الحكم المحلي وغيرها، غير أن فقدان الثقة في العملية الانتخابية برمتها يعتبر عاملا معززا في تنفير وعزوف الناخبين من الإدلاء بأصواتهم وممارسة حقهم الدستوري الذي انكرته عليهم الحكومات وأذرعها، لا سيما في ظل عدم توفير المخصصات اللازمة بما يكفل تحسين الأداء، والارتقاء به إلى مستوى يعزز ثقة الناخب في جدوى الحكم المحلي، ومدى المقدرة على إمكانية إحداث الفرق على صعيد الجانب الخدمي.
إعادة الثقة في الانتخابات مهمة صعبة لكنها غير مستحيلة، تحتم على الجهات المعنية أن تقدم خطابا أكثر موثوقية وإجادة في ثقافة الاستماع إلى نبض الشارع، عبر الانحياز إلى ممارسات ديمقراطية وهذا في حد ذاته يخلق تحد في كيفية تحقيق هذا الغرض، بعد المجاهرة في وقت سابق بالتلاعب في نتائج إحدى الانتخابات والانحياز إلى مترشحين وممارسات عدة أساءت لصورة الانتخابات وحياديتها والجدوى من إجرائها.
العشائرية لا زالت المحرك والمحفز الأول للناخبين في الانكباب على صناديق الاقتراع، باعتبارها إحدى أشكال الوجاهة الاجتماعية على صعيد قرى وأرياف ومحافظات ذو صبغة عشائرية، وتفسر ارتفاع النسب في هذه المناطق على عكس عمان المدينة، التي لم تتجاوز نسبة الاقتراع فيها 14 في المئة، ويعتقد أغلبية قاطنوها أن الخدمات تصلهم دون أي مسعى منهم بكونها العاصمة، على الرغم من تراجعها بما يحتم إعادة النظر بمفهوم المنظومة الخدمية بأكملها.
المفارقة أنه على الرغم من تواضع نسبة المقترعين، إلا إن بعض المسؤولين يصر على عِظَم المنجز عوضا عن البحث في كيفية إيجاد ظروف موضوعية تعزز من قيم المشاركة في الانتخابات، باستثناء تصريح مارس فيه رئيس مجلس النواب أعلى درجات الشفافية حين دعا إلى ضرورة المشاركة بكثافة في الانتخابات، وأمِلنا أن يستكمل حديثه في استعراض أسباب عزوف الناخبين في التوجه إلى صناديق الاقتراع.