قمة سديه بوكر ورشيد بيك والحائط الحديدي
بعيدًا عن التحليل الطبقي الرومانسي والزائف والمخادع الذي قدمه ديفيد بن غوريون في توقعه لشكل العلاقة بين الصهاينة المهاجرين والفلاحين الفلسطينيين والذي جاء في سياق خلق تناقض مصطنع مع الأب الروحي لليمين الصهيوني جابوتنسكي صاحب نظرية الحائط الحديدي، فالتاريخ يبرهن على أن ديفيد بن غوريون تبنّى فكرة الحائط الحديدي كما خطها جابوتنسكي في مقالين له كُتبا في عام 1923. والفكرة الرئيسية عند جابوتنسكي - الذي انشق عن الحركة الصهيونية في ذلك الوقت مدشنا بذلك الصهيونية التنقيحية – هي أن العرب الفلسطينيين لن يقبلوا بالمشروع الصهيوني، وسيقومون بمقاومته كمشروع غريب عنهم، وعليه فإنه لا بد من تشييد الحائط الحديدي المتمثل بقوة عسكرية كبيرة تتكسر على صخرتها المقاومة العربية بحيث يصل العرب إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن هزيمة المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي، عندها فقط سيقبل العرب بالمشروع الصهيوني.
فالاختلاف بين المكونات الثلاث للصهيونية (العمالي واليميني والديني) هو تكتيكي وليس على الهدف الاستراتيجي، لذلك الجميع اتفق على فكرة الحائط الحديدي دون أن يعترفوا بتوافقهم على ذلك.
وهنا، لا بدّ أن نسأل؛ هل سينظر العرب إلى المشروع الصهيوني كقوة خير وازدهار كما بشر في ذلك مؤسس الحركة الصهيونية قبل ذلك تيودور هيرتزل كما جاء في روايته الشهيرة التي حملت اسم "الأرض الجديدة القديمة" وصدرت في عام 1902؟
في هذه الرواية، اخترع هيرتزل شخصية عربية اسماها "رشيد بيك" الذي يحاول اقناع العرب بأن الصهاينة هم قوة خير وإنهم سيعملون على ازدهار المنطقة، طبعا هذا النص يعكس فكرا استعلائيا صهيونيا ينظر إلى العرب كشعوب "بدائية" وغير ناضجة، يمكن الاحتيال عليها ودفعها للانحياز ضدّ مصالحها الوطنية وقضاياها العادلة.
بعد مرور أكثر من قرن وربع القرن، يبدو أن شخصية رشيد بيك ليست خيالية تماما، نقول ذلك ونحن نتابع مجريات قمة سديه بوكر في منطقة النقب، اسرائيل تتحول إلى دولة وضع قائم وعنصر استقرار، وهكذا تحققت نبوءة هيرتزل، وما الحديث عن اتفاق عدد من وزراء الخارجية العرب مع وجهة النظر الإسرائيلية المتمثلة بالخطر الإيراني وضرورة قيادة إسرائيل لتحالفهم بعد انكفاء الشريك الأمريكي إلا تجسيدا لشخصية رشيد بيك التي ابتدعها هيرتزل.
عقد هذه القمة في كيبوتس سديه بوكر له رمزية إسرائيلية، فهناك يرقد بن غوريون في قبره، ولا يمكن تجاهل حقيقة أن الأب المؤسس لدولة الكيان هو صاحب نظرية التطهير العرقي وطرد الفلسطينيين من بيوتهم، وبالفعل قام بذلك من دون هوادة، وقد وثقت عمليات التطهير العرقي حتى من قبل مؤرخين إسرائيليين، ومؤخرا قال المؤرخ الإسرائيلي الأشهر بني موريس بانه كان يتعين على بن غوريون طرد الفلسطينيين كلهم دون استثناء.
من هنا، وكأن إسرائيل تريد القول لبن غوريون بأنه كان على حق عندما اعتنق تعليمات الجدار الحديدي وقام بطرد الفلسطينيين، وها هم العرب يؤمون الكيبوتس الذي يضم قبره.
وحتى لا يختلط الأمر على المشاركين جميعا، علينا أن نقول لهيرتزل وجابوتنسكي وبن غوريون ورشيد بيك قبلهم جميعا، إن إسرائيل لم ولن تكسب حرب السردية، وأن الشارع العربي لن يقبل مشروعهم بصيغته التوسعية التي تلغي الآخر تماما. ولن تنفع سيولة التحالفات وتبلور اعتبارات جيوسياسية تشكلت حديثا في حرف بوصلة الشارع عن مصدر التهديد الرئيسي في المعركة المؤجلة.
الاردن الرسمي أحسن صنعا برفضه المشاركة في تلك القمة التي عُقدت في هذه المرحلة التي تشهد اعتداءات متكررة على الفلسطينيين ومنازلهم وأحيائهم، وانتهاكات المسجد الأقصى، وخرق الاحتلال لكلّ التفاهمات والاتفاقيات الموقعة مع الجانب الأردني، وعدم احترامها لوصايتنا على المقدسات.