طبق عاشوراء التركي: هل هو أقدم حلوى في العالم؟
على الرغم من أن حبوب الحمص والفاصولياء لا تعدّ من مكونات الحلويات في العادة، إلا أنها من المكونات الأساسية لواحدة من أقدم – وكما يقول البعض، واحدة من ألذ – الحلويات في العالم.
كان يوماً بارداً وممطراً في شهر يناير/كانون الثاني في مدينة إسطنبول التركية، وكنت أبحث عن مصدر إلهام في "غوريم”، وهو محل حلويات قديم في حي كورتولوش.
ويشتهر هذا المحل بتقديم الحلوى المخبوزة بالفرن والحلويات الممتازة القائمة على منتجات الألبان، كما يقدم ما يُعتقد أنه أقدم حلوى عرفتها البشرية: آشور (عاشوراء).
ووفقاً للتقاليد الإسلامية، أعدت حلوى عاشوراء – التي يطلق عليها كثيرًا اسم "حلوى نوح” – كطبق احتفالي من قبل عائلة النبي نوح بعد النجاة من الطوفان العظيم والاستقرار على جبل أرارات، على أطراف ما يعرف اليوم بالأراضي الحدودية الشمالية الشرقية لتركيا.
وتقول الأسطورة إن هذه الحلوى، التي عادة ما تحتوي على حوالي عشرة أنواع مختلفة من الحبوب والفواكه والمكسرات والبقوليات، جرى تحضيرها من خلال الجمع بين أي مكونات كانت لا تزال متبقية على الفُلك.
وكانت النتيجة طبقاً حلواً وغنياً ولذيذاً. وعند تحضير هذا الطبق ساخناً، فإنه يأخذ قواماً مريحاً يشبه العصيدة؛ وعندما يُقدم بارداً فإنه يتجمد ويأخذ قوامًا شبيهًا بالكاسترد.
وبصرف النظر عن تميزها الكبير كأقدم حلوى في العالم، تحتفظ حلوى عاشوراء بأهمية روحية مهمة اليوم عبر الأناضول، وهي الأراضي التي تشكل غالبية تركيا الحديثة.
وكتبت سيمر تورون، محررة مجلة "فوغ” ومجلة "جي كيو تركيا”، مقالاً لمجلة "فود”، قالت فيه: "عاشوراء تعني 10 باللغة العربية، وتشير إلى اليوم العاشر من شهر محرم، وهو الشهر الأول من التقويم الإسلامي.
وتُطهى هذه الحلوى في المنازل خلال ذلك الأسبوع وتُوزع على الأصدقاء، في عادة ترمز إلى المحبة والوفرة”. وأشارت تورون إلى أن عاشوراء "ربما تكون الطبق الأكثر رمزية في هذا الجزء من العالم”.
وتابعت تورون: "هذا التاريخ له أهمية خاصة بالنسبة للمسلمين الشيعة – وله أهمية خاصة للعلويين والبكتاشية – لأنه يمثل استشهاد الحسين، حفيد النبي محمدعليه الصلاة والسلام، وهو الحدث الذي أشعل الانقسام الشيعي السني في الإسلام”.
واستكشف المقال الذي نشرته تورون ثقافة وعادات الطهي لدى جدها الراحل، والذي كان زعيماً روحياً لعقيدة البكتاشي، وهي طائفة تستمد تعاليمها من الصوفية ومتأثرة بالتقاليد الشيعية.
وعلى الرغم من أن الجذور الأصلية للبكتاشيين تعود إلى الأناضول، إلا أن مقرهم الرئيسي انتقل إلى ألبانيا بعد أن حظر مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، الصوفية في عام 1925.
إن نظام معتقداتهم قريب من نظام العلويين الذين يشكلون ما يتراوح بين 20 و25 في المئة من السكان الأتراك، ولكن الحكومة التركية لا تعترف بهم بشكل قانوني.
وبعيداً عن الدين والتاريخ، أخبرتني تورون أن عاشوراء تعكس السمات الأوسع للطهي في الأناضول.
وتقول: "إن وجود مكونات مثل الحمص والفاصولياء يوضح الأهمية المعطاة للتوازن والنكهات، والتأكيد على الوفرة والازدهار، والقيمة الغذائية للمطبخ في هذه المنطقة، وأهمية المواد الغذائية الأساسية في مطابخنا، فهي مليئة دائمًا بجميع أنواع الفول والعدس والحبوب والبذور”.
وفي تركيا وخارجها، هناك عدد لا يحصى من أنواع ووصفات عاشوراء، وذلك بسبب القائمة الواسعة للمكونات التي يمكن استخدامها.
وعادة ما يكون هذا الطبق نباتياً، فهو مليء بالعناصر الغذائية، كما أنه حلوى مثالية في فصل الشتاء لأنها صحية ومشبعة.
تصف سونا كاغابتاي، أستاذة التاريخ المعماري وعلم الآثار في جامعة بهتشه شهير في اسطنبول، في مقالتها لمجلة "نيو لاينز” كيف انتقلت هذه الحلوى أيضاً إلى تقاليد الطهي اليونانية والأرمنية، وكيف تتغير الوصفات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، على الرغم من أنها ربطتها عندما كانت طفلة بالمكان الذي نشأت فيه: مدينة ملطية التركية الجنوبية الشرقية في حي يسكنه كل من السنة والعلويين.
وكتبت كاغابتاي: "عندما كنت طفلة ساذجة في السابعة من عمري، افترضت للتو أن هذه الحلوى خاصة بالعلويين. وعندما كبرت، أدركت أن السُنة يصنعونها أيضاً”.
طلبت من كاغابتاي أن تتذكر تجاربها وتجارب عائلتها مع التقاليد المتعلقة بعاشوراء، وشرحت لي كيف أن هذا الطبق – الذي كانت تقدمه والدتها ساخناً باستخدام وصفة تضم ثمانية مكونات على الأقل (القمح، والسكر، والزبيب، والحمص، والفاصولياء البيضاء، والماء، والقرفة، والجوز) – يعد مرادفاً للمشاركة والصحة الجيدة والعلاقات الجيدة بين الجيران.
وقالت لي: "ذكرياتي الأولى عن إعداد عاشوراء تتلخص في نقطتين فقط. النقطة الأولى هي أنها تعيدني إلى اللحظة التي كنت أمسك فيها دلواً صغيراً من النحاس مملوءاً بمزيج من القرفة والجوز، وأنا أرافق أمي التي كانت تحمل دلواً نحاسياً أكبر مملوءاً بالحلوى الساخنة وهي تطرق على أبواب جيراننا لتعطيهم منه.
وبعد أن تصب والدتي الحلوى في وعاء كل جار من الجيران، كنت أقوم أنا بتزيين الحلوى. هذه بالطبع طريقة ريفية لتوزيع الحلوى”.
وأضافت: "في إسطنبول أو في المدن الأخرى، يمكنك استخدام أوانيك الخاصة لتوزيع حلوى عاشوراء وتزيينها قبل توزيعها”.
لقد كان من الصعب تناول هذا الموضوع، نظراً أن هذه الحلوى لها تاريخ عريق وأهمية ثقافية تفوق معظم الحلويات الأخرى.
ولهذا السبب قررت الذهاب إلى متجر "غوريم” أولا،ً وهو مكان قديم في كورتولوش، وهو حي يوناني تاريخي يجعلك تشعر بأنه مكان عالمي، لأنه لا يزال يضم عدداً كبيراً من السكان الأرمن واليونانيين واليهود.
وتماشياً مع هذا التأثير الثقافي، قال مالك المتجر، إلهان يالتشين، إن وصفة المتجر لحلوى عاشوراء، والتي ابتكرها جده، كانت قائمة في الأساس على حساء أرمني بارد يمكن وصفه بأنه شكل من أشكال عاشوراء.
وكانت هذه الوصفة بسيطة للغاية، لكنها لا تزال تحتوي على عدد كبير من المكونات: التين المجفف، والمشمش المجفف، والزبيب، والحمص، والفاصولياء البيضاء، والشوفان، والملح، ونشا الأرز، وقليل من البندق المسحوق، وكمية صغيرة من الكركم التي تعطي الطبق صبغة صفراء لطيفة.
وكانت الحلاوة طبيعية بدون أي مبالغة في الطعم، إذ يضفي المشمش مذاقاً حمضياً مدهشاً.
ومن المحتمل أن تكون محلات تقديم الحلوى هي أفضل مكان للزوار للعثور على حلوى عاشوراء على مدار العام، كما اكتشفت ذلك بنفسي.
توقفت عند المطعم العثماني الشهير "هانكار” لأكتشف أن حلوى عاشوراء كانت متاحة في اليوم السابق، لكنها لم تكن متاحة أثناء زيارتي.
اتصلت هاتفياً بمطعم "حجي عبد الله”، وهو مطعم آخر في إسطنبول مستوحى من المطبخ العثماني، وأخبرني القائمون على المطعم بأنهم لا يقدمون حالياً حلوى عاشوراء، على الرغم من إدراجها في قائمة موقع المطعم على الإنترنت.
وقالت تورون إن السبب في ذلك هو أن بعض المطاعم لا تقدم عاشوراء إلا خلال شهر محرم، وقد لا يكون هناك طلب كبير على هذا الطبق في الأوقات الأخرى.
لذلك، توجهت إلى "سراي”، وهي سلسلة لمحلات الحلوى في إسطنبول، والتي تتميز بأنها تقدم عاشوراء بشكل أساسي في قائمتها.
وتعتمد وصفة عاشوراء التي تقدمها سلسلة "سراي” على نفس مكونات الوصفة التي تناولتها قبل أيام في "غوريم”، لكن تعلوها مكونات أكثر تعقيداً، بما في ذلك جوز الهند وبذور الرمان.
وبغض النظر عن المكونات المستخدمة، فإن هذا الطبق يجعل العديد من أولئك الذين يعدونه يشعرون بالحنين إلى الماضي.
وبعد وفاة والدة كاغابتاي في عام 2000، بدأت كاغابتاي تربط بين هذا الطبق وبين والدتها، وبالتالي بدأت تطهيه كل عام خلال شهر محرم على مدار عقدين من الزمن، كما عملت على تطوير وصفتها الخاصة خلال هذه العملية، إذ تضيف المكسرات والفواكه، وتقدمه بارداً وليس ساخناً.
تقول كاغابتاي: "أعتقد أنه عندما يؤكل بارداً، يكون مذاقه أفضل بكثير، حيث يثخن القمح وتندمج جميع المكونات معاً بشكل جيد.
وعندما بدأت في الطهي في المرة الأولى، وجدت نفسي أضيف الكمثرى المفرومة الطازجة والتفاح والتين المجفف والمشمش، وأضيف القرفة أو القرنفل أو اللوز المقشر الكامل، كما أضيف حفنة من الأرز لجعل الحساء أكثر بياضاً”.
وتضيف: "بالإضافة إلى ذلك، كنت أحب دائماً الارتجال والتجديد في الوصفات التي تعلمتها من والدتي. لذا، أعتقد مرة أخرى أن ذلك جعلني أتواصل معها على مستوى آخر، معتقدة أنها ربما كانت ستوافق على ذلك وتستمتع به كثيراً”.
وبعد سنوات من البحث عن الوصفات وطهي الطبق، توصلت كاغابتاي إلى عدد من الاستنتاجات المرضية والهادفة، وتقول عن ذلك: "لقد أحببت كيف ترمز عاشوراء أو الوصفات المختلفة لها إلى الحلاوة وإحياء الذكريات والبدايات الجديدة، وما إلى ذلك.
أعتقد أن القليل جداً من الوصفات لها نفس قوة عاشوراء: معروفة على نطاق واسع، تحمل مراجع الكتاب المقدس والمسلمين، وتوجهنا للتفكير على نفس المنوال”.