رسالة مِن الألفا زعيم الذئاب، إلى حضرة الموقف

رسالة مِن الألفا زعيم الذئاب، إلى  حضرة الموقف :-

 بعدما استجمع الزعيم ألفا قواه، وعاد من منفاه من أقصى الكرة الأرضية من القطب الشمالي، بعث برسالة إلى قبيلة الغابة  من بني البشر ، على لسان وزيره التابع ،جاء فيها ..

_ السلام عليكم، وأما بعد ... 

إن الظلم ظلمات لا ظلمان، فتنبه أيها الإنسان  
يا معشر بني البشر ، إني لأراكم قد حملتم الأمانة وقد أعرضت عن حملها الجبال ،حكمتم فنقمتم فلا رَحَمتم ولم تُرحَموا ،ولم تأخذوا على يد الظالم حتى أخذ الظلم منكم مأخذه، ولَّاكم الله على الأرض خلفاء فتوليتم معرضين، وضعتم الأمانة على رؤوسكم عمامة، وحملتم فوق العمامة عروشكم ،خوفا من أن تسلب منكم، ظلمتم بعضكم حين استقوى القوي منكم على الضعيف، وداس العاطل منكم على الشريف ، ودنَّس القذر منكم النظيف وقلتُ هذا شأنكم ،اتهمتموني بقتل النبي يوسف _ عليه السلام_ فبرأني الله من دمه ، وسلبتم مني رزقي الذي ساقه الله لي، فأنطقني الله تعالى،ليس من أجل الدفاع عن رزقي فقط وإنما كانت الغاية منه ؛ لأشهد بصدق نُبوَّة و رسالة رسول الله محمد _ عليه أفضل الصلاة والسلام_ وإنه لشرف عظيم شَرَّفنا الله به ، ثم سلبتم مني نسبي وأنا السبع ،واهديتموه للوحوش والضباع على طبق من ذهب .

يا معشر بني البشر :إني لأركم ما زلتم تلبِسون الحق بالباطل حينما جردتموني من مكارم الأخلاق التي مَنَّ الله علينا بها ، فأنا من معشر الذئاب ، وإنَّ لنا لشريعة ومنهاج لم نحيد عنهما يوما ، إن سلكنا طريقا نتبعه وإن طالت الطريق، نعشق منظومة الجماعة نسير على خُطى واحدة ثابتة، لانخون للعهد ذمة ، لا نولي علينا إلا مَن هو أهلٌ للولاية ولولايته للقيادة نظرة مقطوعة النظير ، ولم نولي يوما علينا ذئبة ولا كلب ولا وحش ،الوزير منا ينام  يقظا ،والحارس منا ينام واقفا عين مغمضة وعين مفتوحة ، ما عهدنا فينا إلا الصبر والطاعة لوالِدينا ،نتبع فيهم قول الله تعالى تعالى :فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ، وإن هجرناهما لا نهجرهم مليّا،لا ندنوا من الصيد حتى يشبعوا،وإن شبعوا أكلنا،وإنَّ لنا لميثاق  غليظ مع الزوجة نحفظ الود والوعد،فإن ماتت لا نتزوج بعدها ، ونبقى لذكراها نَحنُّ ، بُكائُنا عليها عِواء، وصدِّنا عن غيرها وفاء، نَنكِر التهجين ؛لنحفظ النسب فينا، نصون المحارم، فالذَّكر من أبنائنا لا يتجوز بأُخته، لا نأكل الجِيف، نصوم حتى يسوق الله ما قسمه لنا من رزق ونكتفي به ،شاكرين لله ممتنين له، لا نعتدي حتى يُعتدى علينا،فأين أنتم منا يا معشر بني البشر  من مكارم الأخلاق  !!

وذناك ابنيِّ جلدتي تقاسما  مع الفرزدق والكميث الأسدي، الشواء والزاد والماء ، فكان الأول مثل صديقا للفرزدق، وكان الثاني مثل ضيفا للأكمث فأنشد الفرزدق لمثل صديقه قائلا :      
وأطلس عسال وما كان صاحبا 
دعوت لناري موهنا فأتاني

فلما أتى قلت: ادن دونك إنني 
وإياك في زادي لمشتركان

_أما الكميث ابن الأسدي أنشد لمثل ضيفه  قائلا :

تضور ما يشكو به من خصاصة 
و كاد من الإفصاح بالشكو يعرب

فتشنا له من ذي المزاود حصة 
و للزاد أسآر تلقى و توهب

وهنا صَمَتَ التابع لهنيهة من الزمن ، ثم زمجر بصوته عاليا، مناديا مَن كان في حضرة الموقف : إن الزعيم ألفا يُعلِمكم ، بأن الوحش كان كبش فداء والذئب من رواية ليلى  براء ،،، 

 يا صاحبة الظل الطويل، يا ذات الرداء الأحمر الحجة اليوم عليكِ لا لكِ، حينما أتهمتني زورا وبهتانا إِبان عشرات من السنين ،بأنني خدعتكِ واتبعتكِ حتى أنال مرادي منكِ، من حيث نلتِ مرادكِ والصياد المرتزق مني ، فمن أين أتيتِ ؟ومَن الذي أوجدكِ بطريقي ؟! قَطَعتِ النهر على مركب الصياد ، مُتخفية وراء ردائك الأحمر ،واحتليت الكوخ على تلك الربوة، وسلبتِ سلة الذهب وما تحوى من كعكة القمح ، وبندقية الصياد تأتمر بأمره لم تُبقي في الغابة ولم تذر  ذئب ولا طير ولا شاة،احكتما جلدا يشبه جلدي ، ولبسه الوحش لكي يقوم بدوره المناط به ، مقابل كَتِفا من الشاة _ياله من ثمن بخس،كتف شاة برأس ذئب _، وما كان للوحش إلا أن تقمص دور الذئب على إنه الشرير الوحيد دونا عن سكان الغابة ويجب التخلص منه ،وتخليص الغابة منه بأي طريقة ومهما كان الثمن، فهو كان بمثابة حجر عثرة بطريق ذات الرداء الأحمر وحليفها الصياد ، ولكن سرعان ما كان الوحش كبش فداء، حيث قامت ذات الرداء الأحمر بنكران صنيعه حين أصبحت تصرخ بكل ما أوتيت من قوة ؛ لكي ينجدها الصياد من الذئب  متناسية تماما بأنه الوحش حليفها، وما أن دخل الصياد حتى اشهر بندقيته بوجه الوحش ليقتله، والوحش يُخفخِف بصوته عاليا ، ويِحَكُما أنا الوحش حليفكما لستُ بالذئب عدوكما، ولكن لم يشفع للوحش صنيعه لهما ، ولم يشتم رائحة ذيل الشاة حتى !!!.

سُحقا للغدر ،قُتِلَ الوحش بعدما أفترس الجدة وأصيب الهدف برصاصة واحدة ، وخلت ساحة الغابة لذات الرداء الأحمر والصياد ، وقاما بإقتسام الكعكة الكبيرة والسلة الذهبية ، وبهذا  تمكنا من الوصول إلى بيت الجدة الكبير،بعد أن أفترسها الوحش ،هذا البيت الكبير  الذي طالما ضم بين جدرانة وتحت سقفه عائلة واحدة متماسكة، جذورها مغروسة بأرض الغابة منذ الأزل، هذه الغابة التي قد قامت على أيادي ابناء هذه العائلة ، زرعوها شبرا شبرا وشيَّدوا سورها لَبِنة فوق لَبِنة، وأبقوا على أبوابها مفتوحة ، ولم يوصدوها قط بوجه جارٍ أو عابر سبيل من سكان الغابات التي حولها حينما مرت عليهم سنين عجاف،كان سببه النهب  والسلب ،وتحريق سهولهم ومروجهم بدون ذنب، سوى أنهم وَلَّوا عليهم قطيع من الكلاب الضالة، والوحوش المفترسة الذين لا مبدأ لهم ولا دين ، ثم أتمم التابع الرسالة  قائلا : يا بني البشر : تذكروا بأننا لا نعتدي حتى يُعتدى علينا، والعبرة بالخواتيم ،لا بالمراسيم . 

 ثم عاد التابع  إلى الزعيم ألفا ، حيث كان ينتظره واقفا على مِرقاة تتوسط الغابة ، وما إن وقف بحضرته ليقول  التابع له : اللهم إني قد بلغت ، اللهم فاشهد ، فوقف الزعيم ألفا رافعا رأسه عاليا ينظر إلى صاحبه يسأل : أيَّ سر أودعه الله تعالى فينا نحن معشر الذئاب ؟ ليرد عليه صاحبه، ولله في خلقه شؤون ، ثم أتبعا طريقهما وخُطاهما تقرع على مسامع سكان الغابة بكل هيبة .
 
ثم أخذ الزعيم ألفا يردد بصوت لا يكاد يسمعه إلا صاحبه ، يقول : يا ذئبي الفرزدق والكميث : ألا أخبركما ماذا رأيتُ بغياب صاحبي وهو  بطريقه إلى حضرة الموقف ، فقال التابع  نعم أخبرنا يا سيدي ،قال الزعيم ألفا : والحرقة تملأ ضلوعه قد مررت بجانب شجرتيَّ الياسمين والخزامى، فكم كان يروق لي عطرهما فوجدتهما جسد بلا روح، تبكيان عطرهما اللذان أُنتزع منهما دون حق شرعي ، فحبست عوائي بين ضلوعي وأخذت طريقي مجددا ، أتذكر الأيام الخوالي ،وإذ بالثعالب تتعاوى بالضباح حين رأتني ، تتشاكى بينها خجلا ، من أذنابها التي سُلِخت فِراءها عنها ؛ ليزدان به عنق حسناء الكوخ ،وألأفاعي تتلوىألما بعدما سُلِخت جلودها عن جسدها ليُصنَع منها حذاء لحواء ؟؟، أما بني جلدتي وجدتُ وكورهم خربة ، أإلى هذا وصلنا أم هو الذهاب إلى الترحال،  قال التابع : نعم يا سيدي إنه الترحال ،فبعد رحيلك عنوة عنا قد قُتِّلَت و هُجِّرت وعُقِرت وحُبِست وجُرِّدَت من القابها السباع ، لأنَّنا يا سيدي : نحن معشر الذئاب صعبة الترويض كالكلاب ، وأرضنا صعبة المنال مهما أستوطنتها الضباع ،فلابد من الإياب بعد الترحال ولو بعد حين .


 قال الزعيم ألفا قد صدقت ، إنه  الإياب بعد الترحال  ولكن يا صاحبي ماذا حلَّ بالأسد ملك الغابةو النمر ساعده الأيمن، وأين هو الحمار الوحشي ؟حتى القرد الفظ المزعج إنني افتقده !! وأين الغزلان والمها فاتنات الغابة، والطيور الرنانة اسرابها كانت تظلل أشجار الغابة مثل غمامة تعانق السماء ؟ وكذلك الديك الفصيح لم أعد أسمع تكبيراته! والحصان الأصيل لم أعد أسمع صهيله!! ، هلَّ أجبتني أيها التابع الأمين ،وهل سَتُبْدِي لي يا  صاحبي ما كُنْتَ جاهلا  : قال التابع :نعم نعم ويأتيك بالأخبار مَنْ لم تُزَوِّدِ ،أما سؤالك عن الأسد ملك الغابة والنمر ساعده الأيمن، والقرد ، سأُجيبك عنهم لاحقا لاحقا ، نكون قد وصلنا بطريقنا إلى أخر الغابة ، فنظر الزعيم ألفا إلى وزيره التابع وقد عَرف بأن هنالك ثمة خبر يقين ، فقال لوزيره : إذن أخبرني عن البقية،  قال الوزير التابع:   نعم ، أما الغزلان والمها فاتنات الغابة أفترسهن الصياد على مائدة كانت  أولها عيد له وأخرها عيد ،وأما الطيور الرنانة هاجرت أسرابها إلى الغرب بلا عودة بحثا عن الماء والكلأ، وأما الديك الفصيح قُصَّ عُرفُه ونُتِفَ ريشه ،وحُبِسَ بصومعته ،أما الحمار  الوحشي فقد نام تحت قبة كبيرة، لا يصحو منها إلا كل أربعة أعوام ،وأما الحصان الأصيل طُمِست هِويته، و نُكِرَ  فضله، ولم نعد نراه في المحافل، وعندما أبى أن يكون حصان سيرك أستبدلوا الأصيل بالهجين ،وكُسِرَ ساقه ومُنِعَ عنه الطبيب حتى أصابه داء الغرغرينة فمات ، ثم صلَوا عليه صلاة الغائب . 

ثم وقف التابع الوزير ، وعلى الفور سأل الزعيم ألفا: ما بالك وقفت يا صاحبي ، قال التابع الوزير : لقد سألتني عن الأسد ملك الغابة وساعده الأيمن النمر ،وعن القرد أيضا ،وها نحن يا سيدي قد وصلنا إلى أخر الغابة فانظر هناك يا سيدي حيث الخيمة الكبيرة ، فتعال معي إليها  ولكن علينا أن نأخذ تذكرة عبور لكي ندخلها، وما إن دخل الزعيم ألفا ووزيره التابع الخيمة وقف الجموع وقد رُسِمت على وجوههم الدهشة والغرابة والخوف معا ،وما إن جلس الزعيم ألفا حتى اقترب منه التابع ليخبره؛ بأن هذه الخيمة أسمها السيرك ،وأنها مكان للرقص والألعاب البهلونية، وما هي إلا لحظات وجيزة حتى دخل الأسد ملك الغابة للسيرك ويتبعه النمر ساعده الأيمن، حيث كانت تتقدمهما إمرأة تكاد تكون شبه عارية ، ورجلا يقرع الطبل بعصاتين، لتقوم إمرأة أخرى بتقبيل الأسد ومداعبته ،وكأن الأسد ما هو إلا بشري وديع، أو ربما المرأة كانت بالأصل لبؤة ، أما النمر يقفز من حلقة حديدية مشتعلة بالنار ؛ ليُسلِّي الجمهور  والقرد يقفز بالهواء مرة ويتأرجح على كتفي الراقص مرة أخرى، ولكنه ما زال يصدر أصواتا فظة مزعجة دون أن ينطق ولو مرة بحرف صحيح ، والجموع يصفق لهم بحرارة  متعالية أصواتهم ، فلا عجب من ذلك!! ، يقول التابع الوزير للزعيم ألفا : إنه السيرك يا سيدي، كما بدا لنا الكل هنا ينعم بالسلام ، رد عليه الزعيم ألفا قائلا : وإذا أردت السلام يا صاحبي ما عليك إلا أن تستعد للحرب .


على الهامش ،لماذا استمعنا لرواية ليلى، ولم نستمع إلى رواية الذئب. 

مَن ينظر اليوم بنظرة عميقة لِمَ يدور حوله من واقع حال، دون إن يزغ البصر ويطغى عليه ، يدرك تماما بأن السيناريوهات ما زالت هي ذاتها  بإختلاف الشخوص والمكان والزمان  فثمة هنالك جزيئات مسكوته كم تشبه قصصا كانت منبثقة من الخيال لعلها سبقت كل عصر وأوان ، وكأن هذه القصص تشير إلينا بأنها ماهي إلا خط سير يتبعه  أصحاب الغاية للوصول إلى أهدافهم مهما كان الثمن اومهما كانت الوسيلة ، فغالبا ما تكون القصص المستوحاة من خيال الكاتب ما هي إلا حبكة بُنيت على واقع  الحال الذي يعيشه الكاتب ،وغالبا ما تكون عناصر القصة من الشخوص والمكان والزمان واقعية تماما، فيقوم الكاتب بنقلها إلى مسرح الخيال ليخرج بمنظومة مجسدة واقعية نقطة الإرتكاز فيها هي البحث عن  الحرية المسلوبة من سماء الواقع .

ومن هنا كانت قصة ليلى والذئب هي حضرة الموقف لواقعنا الذي أصبح وكأنه من وهل أحداثة لم يعد يستوعبه الخيال ، ولكن إذا تناولنا قصة ليلى والذئب هذه المرة فلن نتناولها كقصة خيالية تحكى قبل النوم، وإنما سنتناولها كقصة واقعية ذات أبعاد كثيرة، وعلينا أن ننظر إليها بعمق قياس مع الشخوص الحقيقين لها؛ لتكون القراءة معاكسة لِمَ جاءت له بالأصل ، وخاصة بخضم ما نعيشه من أحداث ما هي إلا أكبر من استعابنا لتلك الأحداث التي تمسنا بشكل مباشر ،لِيتبادر بأذهاننا سؤال لماذا استمعنا لرواية ليلى ذات الرداء الأحمر  واكتفينا بها ،ولم نستمع قط لرواية الذئب؟ فهل يا ترانا أجحفنا بحكمنا على الذئب جزافا دون أن نضع ميزان عين المنطق لنرجح كفة العاطفة على كفة العقل ؟! أم ترانا خُدعنا بذات الرداء الأحمر وبظلها الطويل الذي قادنا إلى حيث لا نعلم تساؤلات تجعلنا نقف عند حضرة الموقف.