كلام دولة طاهر المصري ليس ضربا في الودع.. ولكن!!
عندما يتحدث دولة طاهر المصري في رؤيته للمستقبل الناعم، وما يخص الأردن والتداعيات حوله، علينا أن نحسن التأمل والتفكر، وتفكيك ما بين السطور في محاضرته، لأن ما فيها له علاقة بما يستهدف الدولة، وله علاقة بالهوية والسيادة والوطن، وأن نتحسس مكامن الخطر التي تحدق بنا، أفضل بكثير من أن نغمض أعيننا، وأن لا نلقي بالا، ويجب أن تطرح الأفكار على مائدتنا السياسية للتقليب والتمحيص، ونخرج برؤية تحتكم لمسار يضيئ الحقيقة، وتحرك فينا الساكن من منطلق الانتماء والمواطنة، قبل أن نصحو على أخطار تحدق بنا، وحتى في زحمة معاناتنا والتحديات لن نكون دولة خاملة، لمجرد أننا نسعى للأمن المجتمعي، والسعي لتأمين الأمان الأسري، الذي هو حاجة تؤرق المواطن، فهو بالكاد يستطيع توفير المال لها، وكثير من الأسر تعاني هذه المعضلة، وأغلبها تعاني من تراكم الإيجار الذي تسكنه، وتسعى، وتحاول لتجاوز ذلك، لكن الظروف لا تساعدها، وفوق هذا نجد أن أسر أردنية تعيش حالة التقشف في طعامها وشرابها، ومصروف أولادها، يرافق ذلك الوضع العام الذي يعاني من ارتفاع للبطالة، ومعدلات التضخم، والفقر؛ فتلوذ هذه الطبقة بنفسها عن المجتمع وتميل للانطواء في علاقاتها، وحتى في حجب مشاركتها عن الحياة السياسية، ومن ممارسة حقها فيما يجري من انتخابات، أو من ممارسة دورها في الأحزاب، وكل ذلك لما يعانيه المجتمع من ترقب وانتظار لفعل يحرك الساكن، والنظر لحاجاته بمسؤولية لا تنفصم عن مستقبله وهو بأمس الحاجة ويكتنفه الطموح للتقدم والانسلاخ من الحالة السلبية والمشكلات التي يعانيها وتمتطي وتيرة حياته اليومية.
لا شك أن العامل الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي الذي يعانيه الأردني، ليس بمعزل عما يعانيه المواطن في منطقة الإقليم، وما حدث عبر السنوات الماضية من تغيرات ظاهرة باتت واضحة في سلوكياته وعاداته، حتى بعض القيم تغيرت، وأمام هذا لم نجد سياسات عامة ناضجة من قبل الحكومات لتدارك خيبات الأمل التي يعيشها المواطن وأصبح ذلك من المعيقات، وعدم قدرة التوافق والتوائم بين الحكومات والتطلعات الشعبية.
دولة طاهر المصري في محاضرته يضع النقاط على الحروف بجرأة ووضوح وبمكاشفة صريحة، ويؤكد بقوله "إن الأردن اليوم مستهدف تماماً كنظام وشعب ووطن، وهو الاستهداف الذي يعبر عن نفسه بخطط وأطماع مرسومة على الورق والخرائط من قبل الطامعين الذين ينتظرون الوقت المناسب وفي مقدمتهم بالطبع دولة الاحتلال الاسرائيلي ومن يقف خلفها من الداعمين في امريكا والغرب، وما نراه من دعم وتشجيع هذه الايام بعضه معلن وبعضه الآخر غير معلن بما فيهم اشقاء". انتهى الاقتباس، فالأردن عبر تاريخه كان مستهدفا، ومر بمحطات ومفاصل تاريخية كان له القدرة بتجاوزها بحكمة قيادته، والتفاف الشعب حول هذه القيادة، واليوم أكثر من أي وقت مضى يجب أن نتنبه للخطر والرياح الهوجاء التي تسعى لتغيير المناخ السياسي في المنطقة، ونحن بلا شك جزء من هذه المنطقة، فدولة إسرائيل لها نوايا ليست حسنة تجاه الأردن، لكنها تخفيها وتتصرف بمكر وخبث، ومرارا حاولت خلخلت تماسكنا ووحدة الصف الداخلي، واختراقنا بصيغ ووسائل متعددة، لكنها لم تفلح، وفي الوقت نفسه لن تمل، وستسعى لتحقيق مخططاتها، ولأجل ذلك يجب أن نحصن جبهتنا الداخلية ونتعاضد كنظام وحكومة وشعب، ونبني الجدار المانع المنيع، بأن نخلق كل التوازنات لنكون كتف على كتف، ونكرس ثقافة المواطنة ودعمها لنكون الدولة الحصينة، والشعب الذي يلتف حول القيادة سياجا صعب اختراقه، ونكون صخرة تتحطم عليها كل المؤامرات، ونضرب بلحمتنا أمثولة للدولة التي يصعب النيل منها.
فكما يقول دولة طاهر المصري "فقد حققت إسرائيل لغاية الآن ما خططت له، وهي اليوم تحتل كل أراضي فلسطين ما عدا قطاع غزة وفرضت القدس كعاصمة لها وها هم يعملون بجد على بناء الهيكل الذي هو إشارة بأن إسرائيل التوراتية قد اكتملت. وما يدور هذه الأيام في المسجد الأقصى بذبح القرابين (داخل الأقصى ما هو إلا إعلاناً) ان هذا هو موقع الهيكل وهو الخطوة الاخيرة بيننا". انتهى الاقتباس.
وهذا يعني أن إسرائيل ستظل على عنادها، ضاربة كل المواثيق الدولية والمعاهدات عرض الحائط، ولن تقبل بالحلول المطروحة فيما يخص القضية الفلسطينية، وهي فيما سبق أحبطت كل المبادرات والتصورات الدولية والأممية، وكل الجهود الدبلوماسية لخلق توافقات، حتى حل الدولتين لغاية الآن تماطل فيه، لأنها ببساطة تريد الأرض التي اغتصبتها ولن تتنازل عنها، وتصر على بناء الهيكل المزعوم وأوهامها التوراتية المحرفة.
ونحن في الأردن ليس ببعيدين عن أطماع إسرائيل التوسعية، ومخططها الصهيوني، وموضوع الوطن البديل، ويجب أن نعترف بذلك ولا نجعل الخجل السياسي يُغيب هذه الحقيقة عن الأردنيين، وفي هذا السياق جاء كلام دولته " ...، وكل الفئات في إسرائيل (الحكومة، الكنيست، الأحزاب، والاعلام) تتحدث علناً عن (الوطن البديل)، وهذا أيضاً يجعل حدود إسرائيل الأمنية هي عند حدود الأردن الشرقية أحد أحلامها بالوصول إلى قلب العرب. ومع ذلك تعقد الحكومة الاتفاقيات معها ضاربة عرض الحائط بالنتائج الوخيمة التي استقرت عليها هذه السياسات والعلاقات". انتهى الاقتباس.
في كلام دولة طاهر المصري تصور لمستقبل لا يحمل التفاؤل، وبنى ذلك لما يمر به الأردن من جملة صعوبات وتحديات أهمها حمولة الدّين الخارجي الذي يقدر بـ 40 مليار دينار، مما يجعل الحكومات مضطرة لفرض المزيد من الضرائب على المواطن، لتغطية الموازنة العامة للدولة، وضعف الاقتصاد بشكل عام، ومروره بأزمات متلاحقة، بسبب هذا العبء من المديونية، والذي لم تفلح الحكومات بتقليصه على امتداد السنوات السابقة، وهو مؤشر خطير لما يطرحه بأن النهوض لا تتوفر له الشروط في ظل معطيات الأزمات التي نعاني منها، فهو يرى "إذا بقي تفكير وعقل الحكومات على ما هو عليه الآن ، فإن دورنا سيتراجع بوتيرة سريعة، وقد نجد انفسنا وقد تلقينا ضربات موجعة من الصعب مواجهتها والتصدي لهـــا، على نحــــو تمـــدد المشروع الصهيوني، وإغراقنا بالمزيد من ربط اقتصادنا ومعاشنا بالقوتين الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية الإسرائيلية، وهو أمر من المؤكد أنه سيؤثر على استقلالنا وسيادتنا وهويتنا الوطنية الأردنية وسيغير من دورنا وواقعنا" انتهى الاقتباس.
لكني ليس مع وجهة نظر دولته أن الأردن سيصل إلى مرحلة الإفلاس كدولة؛ فقد مرّ الأردن بأنواء وصعاب جمة، وتجاوزها، والأردن إذا أحسن التعامل مع المشاريع الكبرى التي تخص الفوسفات والبوتاس، واستخراج الغاز والبترول ومضى في ذلك، وغيرها من المشاريع، مع ما يتلقاه من مساعدات أمريكية وأوروبية، هذا عدا عن أن الدولة لديها احتياطي من العملات الأجنبية لا يمكن اغفال أهميتها في الاقتصاد الأردني ودورته السنوية، ولدى الدولة دراسات يُعدها خبراء في المالية العامة، والسيولة والتدفقات النقدية، وخبراء في اعداد موازنة الدولة، والقول لا يكون جزافا، أو تأثرا بما تم تداوله من افلاس لبنان مثلا، مع أنني أشك في مصداقيته لدولة مثل لبنان، معروف عنها مهارة خبراءها في علم المال والاقتصاد، ونحن يمكننا بالإرادة والعزم أن نمتلك النهوض، والمضي لمستقبل آمن، وأن نجابه التحديات، ونتوافق مع مراحل التحديث والإصلاح السياسي والاقتصادي.
ويجب أن لا نتخوف من المحتمل والقادم بتغير الأدوار في المنطقة، بتوقع إدوار تفرضها التغيرات واللعبة السياسية، وأعتقد أن لدى قيادتنا القدرة للتعامل مع المستجدات الدولية، ودولته كان في موقع المسؤولية ويعرف ذلك جيدا، وعلاقاتنا مع أي كان ينطلق من الثوابت، ونحاور أيا كان في المنطقة والإقليم ونمتلك دبلوماسية تنأى بنا عن كل محاور الشر، ولن نستسلم لأي مشروع يستهدف وجودنا وسيادتنا كدولة، ولن نخضع لخطوط التمدد الصهيوني، وسنبقى دولة المحور الأهم والاستراتيجي في المنطقة، وستكمل الأجيال رحلة المستقبل بثقة وأمان بإذن الله.
وحمى الله الأردن،