عن المشير حابس المجالي.. الغائب الحاضر ..!
في الثاني والعشرين من شهر نيسان كل عام، تطل علينا ذكرى رحيل فقيد الأردن المشير حابس المجالي، الذي انتقل إلى جوار ربه راضيا مرضيا في عام 2001. ذلك المقاتل الذي شكل هو ورفاقه العسكريين في حرب عام 1948 ، مشاريع شهادة للدفاع عن فلسطين، وعلى رأسها المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
وكما هو معروف، فقد خاض المقاتلون معاركهم في شوارع القدس وفي مرتفعات اللطرون وباب الواد وما حولها، وردوا العصابات اليهودية على أعقابها خاسرة، وتمكنوا في النهاية من الاحتفاظ بجزء من فلسطين، والذي أطلق عليه لاحقا الضفة الغربية، حيث جرى ضمها لاحقا إلى شرقي الأردن، ليشكلا معا المملكة الأردنية الهاشمية.
ما قام به حابس من أعمال مجيدة في تلك الحرب، خلال قيادته للكتيبة الرابعة ( الرابحة )، وما تبعها من أحداث أمنية لاحقة في الأردن، يعرفها ويقدرها الشرفاء من الأردنيين والفلسطينيين، وستذكرها أيضا الأجيال اللاحقة بكل فخر واعتزاز.
ولا أجدني بحاجة لسرد لتكرارها، بعد أن كتبت عنها مفصلا في أعوام سابقة في مثل هذه المناسبة. ولكنني أرغب التذكير بحادثة واحدة جرت في تلك الحرب، نظرا لأهميتها ومعانيها العظيمة، وهي الحادثة التالية :
في ليلة 8 / 9 من شهر حزيران عام 1948 زحفت قوات العدو تحت ستر الظلام، وتمكنت بعد قتال عنيف من الوصول إلى مسافة 70 ياردة عن مركز قيادة الكتيبة الرابعة التي يقودها المقدم حابس المجالي. فأمر حابس بتجميع آخر قوة متوفرة لديه، للقيام بهجوم معاكس على العدو، وطرده من الموقع الذي وصل إليه.
ذلك الموقع عبارة عن مرتفع حيوي، إذا استطاع العدو أن يحتله ويتثبت على قمته، تصبح مواقع الكتيبة تحت سيطرته وتحت تأثير نيران أسلحته، وكان لابد من طرده من ذلك الموقع بأي ثمن.
وعلى مسافة قريبة من قائد الكتيبة حابس المجالي، كان يقف طبيب الكتيبة يعقوب أبو غوش، فسأله حابس : كم رصاصة في مسدسك ؟ أجاب الطبيب 6 رصاصات. فقال حابس : في مسدسي أيضا 6 رصاصات . . وصمت لحظة ثم قال : سنبقى هنا . . وإذا وصل جنود العدو إلينا . . سيطلق كل واحد منا 5 رصاصات عليهم . . أما السادسة فسنطلقها على أنفسنا. ولكن تمكن أبطال الكتيبة الرابعة، من دحر العدو وإيقاع خسائر جسيمة بين صفوفه، وبقيت الرصاصات محشوة في مسدسيها.
لو عاد المشير حابس المجالي - الغائب جسميا والحاضر روحيا في أفئدة الأردنيين – إلى الحياة، وعرف ما حل بالأردن من أحداث مفصلية أهمها :
* عقد اتفاقيات مع العدو الإسرائيلي جعلت أمنه الوطني بيد إسرائيل.
* عقد اتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية، تخولها استخدام 12 قاعدة عسكرية بما فيها ميناءنا الوحيد لمدة 15 عاما، دون أية سيطرة للأردن عليها.
* وكذلك ما يجري من اقتحامات هذه الأيام لباحات المسجد الأقصى، الذي حَرَم اليهود من الوصول إليه في حرب عام 1948.
أعتقد أن حابس لن يحتمل ما سمعه من هذا الهوان، وسيختار أن يعود إلى مقامه الطاهر، امتثالا لقول الشاعر:
فباطنُ الأرضِ للأحرارِ أكرمُ منْ * * كلّ الذي فوقَ ظهرِ الأرضِ من عَفـَنِ