الساحة الجمركية رقم (4) في العقبة.. عقاب للسائقين!



* تقرير أعدته شبكة أريج للتحقيقات الاستقصائية -

ما أن تصل البواخر المحملة بالبضائع إلى ميناء حاويات العقبة، حتى تبدأ بتفريغ حمولاتها في شاحنات تذهب للمعاينة من قبل الكوادر الجمركية في الساحة رقم (4) المخصصة للتفتيش.

هنا، تبدأ عملية انتظار تمتد أياماً في بعض الأحيان، بحسب ما روى لنا سائقون منهم معن رواشدة، الذي يقول إنه ينتظر أحيانا ثلاثة أيام، من دون تعويض من قبل شركات النقل وشركات التخليص.

تسمح شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ (المشغلة للساحة)، للشاحنات بالانتظار مجانا لمدة 24 ساعة فقط لحين معاينتها. وفي حال تجاوز هذه المدة، تستوفي الشركة رسوما تسمى "رسوم تخزين" تتراوح قيمتها ما بين خمسة الى عشرين دنانير عن كل يوم لكل حاوية لمدة سبعة أيام حسب نوع وحجم الحاوية ، تأخذها من شركات التخليص، حتى وإن لم تكن الشاحنات هي المتسبب بعملية التأخير.

يشرح السائق فراس إبراهيم ما حدث معه فيقول قمت بفتح الحاوية الساعة 8 صباحا، وأنهى المعاين الفحص بعد أربع ساعات، وبقيت أبحث عن عمال يعيدون البضاعة إلى الحاوية لأكثر من أربع ساعات أخرى .

رئيس لجنة أصحاب شركات التخليص في العقبة محمد جلال، يرى أن التأخر في المعاينة يحصل نتيجة عدم وجود "رمبات" كافية (منحدرات مخصصة لتفتيش الشاحنات). ففي الساحة توجد 64 "رمبة" لـ 350 حاوية يوميا، يضاف إلى ذلك قلة عدد عمال التفريغ، إذ أن عددهم لا يتجاوز 160 عاملا، فضلا عن ارتفاع نسبة البضائع المعاينة يدويا بعد فحص جهاز الأشعة. ويقول: "تحتاج عملية المعاينة في الوضع الطبيعي، إلى أكثر من ست ساعات، بينما قد تمتد فترة الانتظار لأيام".

نقيب أصحاب شركات التخليص في المملكة ضيف الله أبو عاقولة، لفت أيضا إلى ضرورة توفير عمال مدربين بأعداد كافية، للتعامل مع البضائع الحساسة أو باهظة الثمن. واتهم عمال تفريغ الشاحنات العاملين بنظام المياومة بالتباطؤ المقصود أحيانا في إنجاز العمل المطلوب، "لا يترددون في طلب الإكراميات التي قد تصل إلى 40 دينارا".

عمال التفريغ ينقسمون إلى ثلاث مجموعات
1.عمال يتبعون لشركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ وعددهم 85 عاملا.
2. عمال يتبعون لشركة العقبة للنقل والخدمات اللوجستية اشترت شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ خدماتهم.
3.عمال يعملون بنظام المياومة عن طريق مقاول خارجي، يتم الاستعانة بهم عند الحاجة.

تأخير بسبب تفتيش الجمارك

محمد (سائق شاحنة)، يتحدث عن تأخير لسبب مختلف تمثل باشتباه الموظفين بوجود خلل ما في البضاعة بعد فحصها بجهاز الأشعة لسبع ساعات، وتبين أن "كرتونة وضعت بشكل غير مرتب تسببت بحدوث هذا الاشتباه". في المحصلة، يقول محمد: تم تعطيل "الرمبة" لأكثر من 10 ساعات.

ما يفاقم من مشكلة التأخر بحسب محمد جلال هو توسع إدارة الجمارك في إجراءات تفتيش البضاعة. وطالب جلال بإجراء معاينة تدريجية، بمعنى أن تبدأ الجمارك بتفتيش كميات صغيرة، وإذا وجدت ما يدعو للاشتباه أو ما يخالف القانون يتم التوسع وقتها في عملية التفتيش. يقول: صحيح أنه من بين كل ألف حاوية هناك فقط 23 حاوية يشتبه بمحتواها، لكن الحاوية الواحدة منها تعطّل "الرمبة" نحو 12 ساعة.

يوضح ضيف الله ابو عاقولة أن "جميع حاويات" البضائع يجب أن تمر بجهاز الأشعة للكشف عن أي ممنوعات، ليُحددَ المسربُ الذي يجب أن تسلكه بعد ذلك.

توجد ثلاثة مسارب في الساحة رقم (4)، مسرب أحمر يعني أن المعاينة والتفتيش إجباريان، ومسرب أصفر يعني أنه سيتم تدقيق الوثائق، وإذا كانت سليمة تخرج الحاوية من دون معاينة. ومسرب ثالث أخضر يعني أنه لا تفتيش على البضاعة.

يؤكد أبو عاقولة أن التأخير يحصل بسبب تحويل حاويات البضائع من المسربين الجمركيين الأصفر والأخضر إلى المسرب الأحمر، في ظل قلة الكوادر المخصصة للمعاينة والتفريغ. ويضيف أن "99 في المئة من البضائع التي تحول للمعاينة من جهاز الأشعة لا يوجد بها أي خلل. في بعض الحالات يكون الخلل فقط بكيفية ترتيب البضاعة. والحل يكمن في أن تتم معاينة البضائع في المراكز الجمركية التي ستذهب إليها بدلا من معاينتها على الحدود، وذلك تسهيلا لحركة البضائع وضمان عدم تأخرها، وبالتالي تجنب زيادة الكلف عليها أو تلفها".

أهم نقطة بنظر أبو عاقولة، تتمثل بتوحيد مرجعية طلب معاينة البضائع، في ظل وجود جهات أخرى تتدخل في عملية المعاينة، مثل مؤسسة المواصفات والمقاييس، والمؤسسة العامة للغذاء والدواء وغيرها. لذلك لا بد من تفعيل المسرب الأخضر بشكل أكبر لتسهيل انسيابية البضائع، وفق قوله.

مدير مديرية جمرك العقبة العقيد أحمد العكاليك قال إن إدارته معنية بتخريج البضائع كافة إلى مقاصدها بلا تأخير، لكنه أضاف: المشكلة أن العقبة مركز حدودي ومركز تخليص جمركي، هناك بضائع ترانزيت وبضائع أخرى قادمة للأردن وكلاهما بحاجة للتفتيش.

وكشف العكاليك أن مديرية الجمرك اتخذت إجراءات عديدة لحلِ مشكلة الانتظار مثل "تخفيض نسبة الاستهداف على بضائع الترانزيت إلى الحدود الدنيا، وتفعيل معاينة مركز الوصول، بمعنى أنه إذا كانت البضاعة ذاهبة إلى مركز تخليص داخلي سواء جمرك عمان أو جمرك سحاب أو غير ذلك، تخرج إلى مقصدها دون الحاجة إلى مرورها في الساحة 4".

ولتحقيق ذلك، خاطبت المديرية سلطة العقبة الخاصة أكثر من مرة لزيادة أعداد عمال التفريغِ والمناولة، على أن يكون عطاء التحميل والتفريغ من موردِ خدمةٍ خارجي متخصص بأعمالِ المناولة.

ليس هذا فحسب، بل إن بضائع الترانزيت تخرج مباشرة طالما لم يظهر أي اشتباه من خلال جهاز الأشعة، أو لم تكن هناك أي مخالفة لمعايير مراقبة حاويات، كما أن دائرة الجمارك خفضت معايير الاستهداف للمعاينة على بضائع الترانزيت إلى نحو 2 في المئة، أما البضائع الواردة للسوق المحلية فهي مستهدفة بنسبة تصل لـ 30 في المئة، بحسب العكاليك.

يعترض مفوض الإيرادات والجمارك سابقا في سلطة العقبة الخاصة محمود خليفات (2015 - 2022) على ارتفاع نسبة البضائع الخاضعة للمعاينة والتي تصل إلى 35 في المئة، في حين أن قانون منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة وتعديلاته ينص على عدم تجاوزها 15 في المئة، وهذه نقطة تعمق مشكلة انتظار الشاحنات، كما يقول. وتساءل خليفات "ما الفائدة من معاينة بضائع ذاهبة إلى العراق في العقبة؟ وبالأساس يجب ألا تتم معاينة بضائع الترانزيت، ويمكن ببساطة تتبع المسار الذي يجب أن تسلكه حاويات الترانزيت إلكترونيا لضمان أمن العملية".

تفعيل العمل الليلي و"النافذة الوطنية"

في أسوأ الحالات تنتظر الشاحنات 48 ساعة، وفي الحالات التي يتجاوز فيها التأخير هذه الساعات، تكون هناك إشكالية في الجرد أو في البيان الجمركي، بحسب العكاليك. لكن الأمر لا يتوقف عند نقص العمال المؤهلين كما يقول: "المشكلة بين الجمرك وشركات التخليص هي الدوام الليلي، ففي حين يعمل الجمرك على مدار 24 ساعة، فإن شركات التخليص تغادر الساعة الخامسة مساء من كل يوم، وبعض شركات التخليص لديها مخلص واحد فقط".

في ظل وجود 36 موظفا جمركيا فقط، موزعين على الساحة (4) والمواقع الأخرى في ميناء الحاويات، يرى العكاليك أن المشكلة يمكن أن تنتهي بمضاعفة عدد "الرمبات"، وزيادة عدد عمال التفريغ، وبأن تكون البضاعة مرتبة ومثبتة داخل الحاويات على قواعد خشبية (طبليات).

خطوة أخرى من شأنها المساهمة في حل المشكلة يقترحها خليفات، تتمثل بتثبيت عمل "النافذة الوطنية" لمدة 24 ساعة، وتفعيل عمل الشفت الليلي. يقول:" لا يوجد ميناء في الأردن سوى ميناء العقبة. وزير المالية محمد العسعس كان قد طلب من السلطة سابقا بكتاب رسمي وقف تفويج الحاويات إلى الساحة (4) وابقاء الحاويات في الميناء، ولكن هذا يزيد من مشكلة تكدس الحاويات في الميناء".

النافذة الوطنية: برنامج إلكتروني لتنظيم البيانات الجمركية ويتضمن أكثر من 50 جهة من بينها 32 دائرة حكومية.

رغم الاجتماعات الموسعة التي ضمت الأطراف العاملة في سلسلة النقل والتزويد، وممثلي قطاع التخليص ونقل البضائع، والجمارك، وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، لتجاوز مشاكل التأخير والانتظار، إلا أن الحل في الساحة (4) بقي مجرد مقترحات، يأمل السائق معن رواشدة وزملاؤه في تنفيذها، لوقف نزيف الوقت الضائع وما يرافقه من رسوم باهظة.

العقبة، البواخر، ميناء حاويات العقبة، شاحنات، الكوادر الجمركية، الساحة رقم 4، شركات النقل وشركات التخليص، شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ ، رسوم تخزين، الحاوية،رمبات، عمال التفريغ، فحص جهاز الأشعة، ضيف الله أبو عاقولة، العقيد أحمد العكاليك،التحميل والتفريغ، أعمال المناولة،بضائع الترانزيت، محمود خليفات، النافذة الوطنية

ما أن تصل البواخر المحملة بالبضائع إلى ميناء حاويات العقبة، حتى تبدأ بتفريغ حمولاتها في شاحنات تذهب للمعاينة الجمركية في الساحة رقم (4) المخصصة للتفتيش. هنا، تبدأ عملية انتظار السائقين التي تمتد أياماً من دون تعويض، إذ تسمح شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ للشاحنات بالانتظار مجانا لمدة 24 ساعة لحين معاينتها. وفي حال تجاوز هذه المدة، تستوفي الشركة رسوم تخزين حتى وإن لم تكن الشاحنات هي المتسبب بعملية التأخير.