150 مكالمة خلال 48 ساعة.. المقاومة في غزة تكشف تفاصيل رسائلها للاحتلال عبر الوسطاء
بهدف "تحييد" قطاع غزة ومنع انزلاق الأوضاع نحو حرب واسعة جديدة، شهدت الساعات الماضية كثافة في اتصالات وسطاء مع فصائل المقاومة، جرى خلالها نقل رسائل متبادلة مع إسرائيل، التي أكدت أنها تحرص على استمرار "حالة الهدوء على جبهة غزة".
ويقدّر مصدر موثوق وقريب من فصائل المقاومة المنضوية في "غرفة العمليات المشتركة" في غزة -للجزيرة نت- أن قيادات بارزة من الصف القيادي الأول في حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي، في غزة والخارج، تلقت وأجرت نحو 150 مكالمة هاتفية مع وسطاء خلال الـ 48 ساعة الماضية.
ويكشف المصدر ذاته، مفضلا الاحتفاظ بهويته، عن أن أطرافا غير معتادة دخلت على خط الوساطة لأول مرة، وتبذل جهودا إلى جانب الوسطاء التقليديين كمصر وقطر والأمم المتحدة، لضمان عدم دخول غزة عسكريا على "خط المواجهة" في ظل تصاعد سخونة الأوضاع في الضفة الغربية، وخاصة في المسجد الأقصى بالقدس المحتلة.
ويقول إن إسرائيل هي من بادرت بطلب تدخل هذه الوساطات، التي كثفت جهودها واتصالاتها بفصائل المقاومة، عقب الاجتماع الأخير في مكتب رئيس حماس في غزة يحيى السنوار، قبل أيام قليلة، وما سبقه من إعلان "التعبئة العامة"، وأن "غرفة العمليات" ستبقى في حالة انعقاد دائم، لمراقبة تطورات الأوضاع واتخاذ القرار المناسب لحماية الشعب الفلسطيني ومقدساته.
رسائل المقاومة
ولم تكتف فصائل المقاومة بالرسائل التي وصلت إسرائيل عبر الوسطاء، وأوصلت بنفسها رسائل من نوع مختلف، عبر "تجارب صاروخية" نحو البحر، ويقول المصدر ذاته إن المقاومة أرادت أن تقول للاحتلال والوسطاء أن "لديها فائض صواريخ، ولن تتردد أن تكون وجهتها المقبلة نحو المدن الإسرائيلية وليس باتجاه البحر".
ويحدد القيادي البارز في حماس بغزة الدكتور إسماعيل رضوان -للجزيرة نت- رسائل المقاومة للاحتلال عبر الوسطاء، بالنقاط التالية:
القدس فلسطينية عربية إسلامية، ولن نقبل بأي وقائع جديدة يسعى الاحتلال إلى فرضها عبر مخططات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك. السماح بحرية الحركة ووصول المصلين إلى المسجد الأقصى المبارك بكل حرية. وقف الجرائم الإسرائيلية في القدس المحتلة ومدن الضفة الغربية. التراجع كليا ونهائيا عن مخطط "ذبح القرابين" ومساعي تدنيس الحرم القدسي الشريف. رفع الحصار كليا عن مخيم جنين بالضفة الغربية. إطلاق سراح المعتقلين كافة، الذين اعتقلهم الاحتلال في خضم التطورات الأخيرة، وجلهم من المرابطين في المسجد الأقصى المبارك. غزة هي جزء من "الجغرافية الفلسطينية" والمقاومة تتمسك بـ "وحدة الميدان" في الرد على جرائم الاحتلال.
ويقول رضوان إن المقاومة أبلغت الوسطاء تمسكها بما وصفها "معادلة غزة-القدس" كأحد "مفاعيل معركة سيف القدس"، وأن "غرفة العمليات المشتركة" في حالة انعقاد دائمة، لمتابعة تطورات الأحداث، واتخاذ الموقف الذي تراه يتناسب مع "سلوك الاحتلال".
ويشدد على أن غزة لا تنفصل عن القدس والضفة، ومناطق الداخل المحتل عام 1948، وستبقى "المقاومة درع الشعب الفلسطيني"، وستكون حاضرة وعند مسؤوليتها في أي وقت، ولن تقبل بتغيير قواعد الاشتباك، التي رسمتها معركة سيف القدس في مايو/أيار الماضي، عندما اندلعت نصرة لحي الشيخ جراح بالقدس.
خيارات المقاومة
وبدوره، يؤكد عضو المكتب السياسي لحماس ونائب رئيسها في الضفة الغربية زاهر جبارين أن المقاومة حددت للوسطاء "خطوطا حمراء"، لا يمكنها السكوت عن أي تجاوز لها من جانب الاحتلال.
ويجدد تأكيده، للجزيرة نت، أن "لا تهدئة مع الاحتلال طالما استمرت اعتداءاته في القدس المحتلة، وحماس تشجع الكل الفلسطيني على المقاومة وتلقين الاحتلال الدروس على أي تجاوز لهذه الخطوط، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك".
وبخصوص كثافة الاتصالات مع حماس خلال الساعات الماضية، يقول جبارين إن الحركة أصبحت "عنوان الحراك السياسي والعمود الفقري للمقاومة"، بصفتها "حاكم غزة"، مع التأكيد أنها "ليست وحدها في الميدان وهي في خندق واحد مع كل فصائل المقاومة".
وتتركز جهود الوسطاء -بحسب جبارين- على البحث عن مخارج، ومنع اندلاع حرب جديدة في غزة، ويقول "نمتلك وسائل كثيرة للضغط على الاحتلال، وفتح حرب جديدة على جبهة غزة هو أحد الخيارات، التي لم نسقطها عن الطاولة".
ويستدرك جبارين بالقول إن هناك جبهات أخرى في القدس والضفة ومناطق الداخل المحتل عام 1948، و"نحن نبدع في وسائل المقاومة، وغزة تبقى ذروة وقمة هذه الجبهات".
وبالعودة إلى رضوان، يقول إن حماس تشجع "العمليات الفدائية النوعية" في الضفة وداخل مدن الاحتلال، وتتطلع إلى "ثورة شاملة في كل مكان على الأرض الفلسطينية، عنوانها القدس".
احتمالات الحرب
ويرجح الكاتب والمحلل السياسي الدكتور ثابت العمور أن "إسرائيل لا تريد الذهاب إلى حرب مع غزة، إدراكا منها أن فاتورة التكلفة ستكون مرتفعة للغاية هذه المرة".
ويقول، للجزيرة نت، إن هناك حالة وصفها بـ "التنافس الحميد" بين فصائل المقاومة في غزة، خاصة حماس والجهاد الإسلامي، لجهة رفع "سقف المطالب" عبر الوسطاء، مع المحافظة على حالة "الوفاق" واتخاذ مواقف بالإجماع والتوافق، لتحديد طبيعة الرد على جرائم الاحتلال.
ويعتقد العمور أن خيارات فصائل المقاومة هذه المرة تتجه نحو إذكاء شعلة المقاومة في الضفة والداخل المحتل، ويرجح أن بإمكانها النجاح في ذلك إذا ما وظفت "البنية التنظيمية" في مدن الضفة، والتي بإمكانها "خلط الأوراق" عبر تصعيد العمليات الفردية النوعية.
وبرأي العمور فإن المقاومة تفضل حتى اللحظة أن تبقى غزة خارج دائرة الاشتباك المباشر، طالما لم يحدث تطور غير مسبوق، وعندها سيكون للميدان حسابات مختلفة، أو ربما تندلع الحرب بمبادرة إسرائيلية إذا واجه الائتلاف الحاكم خطر الانهيار، ووقتها ستكون الحرب أحد خياراته كطوق نجاة.