حقيقة السلام الإسرائيلي الكاذب
لم تكن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت فيما يتعلق بالقدس والمسجد الاقصى وعدم السماح بأي تدخل خارجي بخصوصها"(ويقصد بذلك الأردن تحديدا ) حدثا مفاجيء للمتابعين والسياسيين. والسبب في ذلك اننا سبق وان قلنا مرارا وتكرارا أن إسرائيل لا تحفظ حقوقا ولا عهودا. وان إسرائيل دولة متغطرسة وتوسعية واهدافها واضحة، تتسلح وتحتمي باقوى دولة في العالم واقصد الولايات المتحدة الأمريكية ، دولة قوية اقتصاديا وعسكريا، لها علاقات سياسية واقتصادية مع دول كثيرة في العالم، ومع كل ذلك فهي(بالنسبة لنا ) دولة محتلة مغتصبة تنقصها الشرعية الحقيقية وان اعترف بها البعض .وما محاولة اسرائيل التلاعب والمراوغة بمسالة الوصاية وحق الأردن وقيادتها الهاشمية في الدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية إلا خطوة مدروسة من قبل اسرائيل هدفها محاولة التفرد بالمقدسات وطي ملف القدس ونسف موضوع السلام برمته. ولكن تبقى مسألة المقدسات في المحصلة حق تاربخي وديني للأردن والهاشميين لا يمكن لدولة محتلة أن تنزعه من الأردن او تسمح به او لا تسمح لأنه مرتبط بدولة اسمها الأردن بجذورها وبهويتها وبمشروعها القومي والحضاري . إلا انه يفهم منه أن اسرائيل تهدف من وراء ذلك التصعيد مع الأردن او ترسم لتنفيذ مخططاتها في القدس ابعد مما تقوم فيه الآن. لكن ذلك كله لا يثني الأردن عن القبام بواجبه ودوره الممتد تاريخيا منذ ايام الشريف الحسين بن علي، أي قبل ولادة دولة إسرائيل...
يحلو للبعض تفسير ما قامت به اسرائيل مؤخرا حيال حصر التدخل بالقدس بها نفسها بغطرستها وتعاليها وفاشيتها في هذه الوقت من مراحل عمرها. اذ كانت تفتقد في عهود مضت لمسالة الانخراط في العالم العربي وكانت بحاجة للتظاهر برغبتها بالسلام مع العرب والتطبيع معها وعندما نجحت في مسعاها، لم تعد بحاجة للدول العربية وخاصة تلك التي تناصر الحق العربي والإسلامي والمسيحي في المقدسات في القدس والاقصى تحديدا، محاولة بتصرفها وقرارارها هذا اظهار غطرستها واحقيتها في فرض ما تريد في هذا الملف تحديدا الاشد خطورة وحساسية عند العرب والمسلمين لاثبات حق مزيف لها، لا أصل فيه. وعندما شعرت أن دولة مثل الأردن تشكل عقبة في طريق اهدافها وتطلعاتها ، نتيجة كشفها زيفها وملاحقتها المتكررة دوليا ومطالباتها الدائمة بحماية المقدسات والتخفيف من الضغط على أهلها المرابطين، رأت انه من الضرورة تحييد الأردن عن مواقفها ودورها في القدس.
نحن كدول عربية (مع الأسف ) ضعيفة اقتصاديا وسياسيا، لسنا مرهوبي الجانب، لامن قبل اسرائيل ولا من قبل غير اسرائيل.. لماذا؟؟ لاننا لا نملك اوراقا كافية للضغط ، ولاننا منقسمون ولاننا نتآمر على بعضنا . قل يسأل سائل. لماذا اسرائيل كانت تعترف بالدور الأردني من قبل؟ مالذي جرى؟ ماذا استجد؟؟ نقول ان إسرائيل اعترفت بهذا الحق في معاهدة وادي عربة، وكانت بحاجة لذلك في وقت سابق لظروف دولية واقليمية، لإظهار جديتها بالسلام واقناع العالم والامريكان بذلك. اما وقد انتهت هذه الحاجة وتسللت للمنطقة العربية واقامت علاقات دبلوماسية، وزاد الوعي النضالي الوطني الفلسطيني من مكونات متعددة فردية وتنظيمية مثل حماس والجهاد الإسلامي وغيرها بعد تاكدهم واداراكهم ان إسرائيل دولة احتلال تتمدد ولا تريد سلاما وهدفها الأسمى القدس والمقدسات نتيجة ما تقوم به يوميا من انتهاكات وتضييق على المقادسة . فقد تغيرت قواعد اللعبة السياسية فلسطينيا واسرائيلياومنها موقفها من الأردن والدور الأردني من المقدسات،، الذي اصبح خطر بالنسبة لمواقف اسرائيل وسياستها.
لقد صدقت توقعات جلالة الملك عبدالله الثاني (ملك الأردن ) حينما أشار في كتابه فرصتنا الاخيرة (المنشور عام ٢٠١١ عن دار الساقي ) في فصله المعنون ب "القدس جوهر الصراع" إلى العبث الإسرائيلي المتكرر والمتواصل بالقدس ومقدساتها. والذي سيقود للعنف والمجابهة في نهاية المطاف منبها من خطر ذلك بقوله "... ولن تؤدي الاجراءات الاسرائيلية الأحادية في القدس إلا إلى تاجيج الصراع وتفجير العنف... لكن الحكومات الإسرائيلية مستمرة في هذه الممارسات التي تهدد العلاقات الأردنية - الإسرائيلية وتحمل خطر تدمير كل جهود تحقيق السلام الدائم في المنطقة". يبدو واضحا أن اسرائيل كانت تخطط لقطع تلك الصلة بين الأردن والقدس، ولواد كل صوت يناد بالقدس بهدف التفرغ لتنفيذ مخططاتها. وهي على علم بكل النتائج الكارثية على ذلك لأنها معتدة بقوتها وبدعم الحليف الامريكي لها بدعم غير منقطع النظير، ولأنها ليست دولة سلام أصلا. و يبدو جليا ان اسرائيل غير ابهه بكل ردود الفعل العربية على تصريحاتها تلك . والسبب في ذلك يعود لسياستها المتغطرسة و عدم تحلي قادتها وصناع القرار فيها بصوت الحكمة والعقل، وابتعاد دولتهم في اسسها وتكوينها وخلوها من كل القيم الانسانية والاخلاقية والقيم والاعراف والمواثيق الدولية... ولن يسكتها إلا المواجهة المسلحة والجهاد دفاعا عن الأرض والارض، فهي لا تخشى تصريحات العرب بقدر خوفها وارتعادها من بريق الصواريخ ورائحة البارود، وصراخ الإسرائيليين في الملاجيء، فهي لا تصغي لترانيم السلام ولا تعرف إلا لغة العنف. لانها دولة قامت على العنف اساسا ولن يقمعها إلا العنف. ومن يعتقد أن اسرائيل تربد سلاما اما ان يكون جاهل او متجاهلا أو متامر.
هناك أدلة كثيرة تثبت أن اسرائيل لا تريد سلاما من خلال ممارساتها على الأرض، ومن خلال مواقفها السياسة وردود افعالها على مبادرات العرب السلمية. ويؤكد قولي هذا الاستشهاد بما جاء في مذكرات جلالة الملك عبدالله الثاتي في كتابه سابق الذكر، عندما اورد ردة فعل اسرائيل السلبية على المبادرة العربية عام ٢٠٠٢ التي طرحتها العربية السعودية ايام ولي العهد السعودي الامير عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله، ووافق عليها العرب في قمة بيروت. والذي تضمنت الانسحاب الإسرائيلي الكامل من كل الأراضي العربية المحتلة منذ عام ١٩٦٧م والتفاوض على تسوية مسألة اللاجئين الفلسطينين واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها الفدس الشرقية، مقابل ذلك ستقوم الدول العربية "الاثنتان والعشرون" باعتبار الصراع العربي الاسرائيلي منتهيا، وستدخل في سلام بينها وبين إسرائيل يحقق الأمن لجميع دول المنطقة. وان الدول العربية ستقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل. واليكم ما يقوله الملك عبدالله الثاني في مذكرات تلك.بقوله ص ١٩. "حيال هذا العرض أصابتني الدهشة من رفض إسرائيل، وحتى بعض أعضاء الإدارة الأمريكية هذه المبادرة بالمطلق. وتبين لي من خلال مباحثاتي فيما بعد مع العديد من هؤلاء أنهم لم يكلفوا أنفسهم حتى قراءتها.".. ولعل هذه يثبت عدم جدية إسرائيل بل تنصلها من كل اتفاق لا يحقق مصالحها التوسعية،، مما يقودنا للقول بكل امانة أن اسرائيل لا تفهم لغة الحوار ولا تهدف للوصول لا لسلام ولا تنوي اعطاء العرب حقوقهم، مما يعني اغلاف ملف السلام معها بتاتا والبحث عن استراتيجيات أخرى اكثر ملائمة لمثل هكذا دولة لقيطة.