النائب الرواشدة يكتب عن ثقافة الواسطة؛ الممارسة والمفهوم ومقترحات للحل



كتب رئيس لجنة النقل والسياحة والخدمات العامة النيابية، النائب ماجد الرواشدة - 


لعل من المفارقات العجيبة في المجتمعات، أن تنتقد سلوكا وترفضه من اعماقك وتجد نفسك في بوتقة العمل ذاته بقصد أو بدون قصد! والحديث هنا عن سلوك الواسطة، أو المعرفة الشخصية كأساس في التعامل وحل المشكلات، سواء أكنت محقا في العمل أو غير محق.

لجوء الشخص للواسطة ربما يشكل حالة نفسية وبعدا اجتماعيا يصعب التخلص منه بسهولة لأسباب عدة نحاول بسطها هنا بما يتسع به المقام، فيجد الشخص نفسه يبحث عن الواسطة حتى في ابسط المشكلات التي تواجهه مع الدوائر الحكومية تحديدا، وفي المقابل فإن تعامل الشخص المكلف بالخدمة يتغير تغيرا جذريا اذا كان المتعامل معه يحمل واسطة من نوع ما، فهنا اضحت الواسطة سلوكا اجتماعيا ومظهرا عاما حتى غدت ظاهرة لا ينكرها احد.

ولتحليل الظاهرة لا بد من دراسات معمقة في مجال علم النفس وعلم الاجتماع، ندعو المتخصصين للبحث فيه، اذا انها تشكل حالة مرغوبا فيها لدى متلقي الخدمة ولدى مقدمها، وكل المحاولات لقمعها والقضاء عليها باءت بالفشل حتى الان، رغم كل الدعوات ورغم الندوات والشعارات والتنظير المجرد، والسؤال الملّح (بكسر اللام) هنا كيف نشأت الظاهرة؟ وما هي أسباب نموها وتحولها الى سلوك اجتماعي؟ ولعل الإجابة هنا تفترض وجود استعداد نفسي وضغط اجتماعي يدفع اطراف العلاقة الى قبولها والتعاطي معها بشكل او بآخر.

ابسط تحليل من وجهة نظري، هو ان الموظف تربطه علاقة مباشرة او غير مباشرة بمتلقي الخدمة في اغلب الحالات كون التعرض للضغط الاجتماعي في ظل مجتمع مترابط يجعل من التحلل من قبول الواسطة أمرا في غاية الصعوبة معرضا الشخص للنبذ والانتقاد، هذا من جانب اجتماعي، ومن جانب آخر هناك من يعتقد ان الوظيفة سلطة وليس خدمة يمنعها عمن يريد ويعطيها لمن يريد ويلعب المزاج العام عند الموظف عاملا مهما فيها، وهنا يبرز الجانب النفسي في المسألة، فإحساس الموظف انه في مركز المتحكم بالخدمة يعطيه الحق في استغلال هذا الإحساس لحجب الخدمة واعطائها بصورة تجعل من الواسطة هي الحل السحري لهذا الموقف، بحيث تشبع غرور بعضهم واعطائه الشعور بقيمة الوظيفة والسلطة التي تمنحها له.

هذه العوامل وسواها ساعدت في نمو الواسطة وتقبلها، بالإضافة الى ضعف الرقابة الحكومية والتي تسللت اليها فكرة الواسطة بشكل او بآخر، وانعكاس الإحساس بان بعض التعيينات تمت بالواسطة، مثلا، تعطيه الحق للمعاملة بالمثل، وتكرست الواسطة في ذهن المواطن أيضا من سلوكات متواترة لدى بعض المتنفذين في التعيينات وهم يرون توريث المناصب واحتكارها على أسماء محددة، فاصبح الشخص رهين واقع يدفعه بقصد او بدون قصد الى ان يبحث عن الواسطة والوسيط قبل أي تعامل رسمي مع أي جهة سواء عند طلب الخدمة او التعيينات. 

الأخطر، ان الواسطة أصبحت راسخة في ذهن المواطن حتى عند اللجوء للقضاء، فهناك من يسأل عن القاضي، وتراه يسأل موظف المحكمة قضيتي عند من؟ ومن يستطيع الوصول اليه. ولا اظن مواطنا يتوجه لأي دائرة لأي سبب قبل ان يبحث عن معارف محددة فيها سواء كان طلبه مشروعا او غير مشروع. وأخطر ما في المسألة انه ضعفت الثقة بالخدمة التي لا تدعمها واسطة والتشكيك في الحصول عليها بدون واسطة وعدم الاطمئنان الى النتائج، مما عزز ورسخ ثقافة الواسطة حتى غدت بلا شك ظاهرة.

وكأي سلوك اجتماعي فان القضاء على الواسطة يحتاج سلسلة من العمليات والإجراءات يأتي في طليعتها تجريم الواسطة وتغليظ العقوبة عليها محقة كانت ام غير محقة، ثم الشفافية في القرارات المتعلقة بالتعيينات تحديدا وفتح باب المنافسة بشروط موضوعية معلنة وتمكين كل مقدم للطلب من التوضيح لأسباب الرفض او عدم القبول، وإلغاء ما يعرف بالمقابلة الشخصية حيث يعتقد البعض ان مكمن الواسطة ومسرحها الواسع هنا، لان المقابلة بحد ذاتها تعتمد على مقياس شخصي لا موضوعي مما يجعل من التشكيك في نتائجها امرا محتملا، بل شبه مؤكد.

يجب ان يوضع في كل دائرة تعليمات واضحة تحدد الاجراء المطلوب وخطواته للحصول على الخدمة، وتحديد مدى زمني للحصول عليها، وربط كل هذه الخطوات بنظام التسلسل الإداري. فالوضوح والشفافية والموضوعية وتفعيل ثقافة سيادة القانون وحماية الحقوق من الأمور التي تساعد في الحد من الظاهرة.