صحافي إسرائيلي فرنسي يعرض أكاذيب جيش الاحتلال ويحذّر من رواية الاحتلال في قضية أبو عاقلة



استعرض الصحافي الإسرائيلي الفرنسي تشارل اندرلين، في مقال له في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في نهاية الأسبوع، مشاهد من أكاذيب جيش الاحتلال، ويحذّر من رواية الاحتلال في قضية اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة. فأندرلين، هو مراسل قناة "فرانس 2" الذي وثّق قتل الطفل الشهيد محمد الدرة في نهاية أيلول من العام 2000، وجرائم أخرى للاحتلال، يعرض منها في مقاله، الذي ننشره هنا، بتعابيره، كما نشرت.

وكتب أندرلين: "عن الفجوة بين "صحافة" موجهة وبين صحافة حقيقية ومهنية، تعلمت على جلدي عشرات السنين التي عملت فيها كمراسل خارجي وكرئيس لهيئة بث أجنبية في إسرائيل. هذا بدأ بأحداث "نفق الحشمونئيم" في أيلول 1996، حينها اكتشفت أنه يوجد في إسرائيل عالم موازي لواقع بديل. رغم موقف جهاز الأمن وبدون أي تنسيق مع الأوقاف قرر رئيس الحكومة في حينه، بنيامين نتنياهو، فتح النفق الذي يربط بين الحائط الغربي وطريق الآلام".

"في اليوم التالي بدأ احتجاج فلسطيني، وأنا الذي كنت رئيس مكتب القناة الفرنسية "فرانس 2"، قمت بتصوير تحقيق عند الدخول الى العاصمة، حيث هناك رشق الشباب الفلسطينيون الحجارة على قوات الجيش الاسرائيلي المنتشرة في المنطقة. في البداية أطلق الجنود الرصاص المطاطي، وفي مرحلة اخرى بدأوا يستخدمون النار الحيّة. ردًا على ذلك قام عناصر شرطة فلسطينيون كانوا بجانب المتظاهرين بالرد بالنار الحية على القوات الإسرائيلية".

"في اليوم التالي وصلتني مكالمة توبيخ من المتحدث بلسان الجيش، العميد عوديد بن عامي. وقد قال إن الفلسطينيين هم الذين بدأوا بإطلاق النار الحيّة. أنا اجبت بأن الامور لم تكن هكذا، وأنني كنت في الميدان وشاهدت ما حدث بأم عيني. في المعارك قتل الى حين وقف إطلاق النار 17 جنديًا من الجيش و100 فلسطيني. التغطية الصحفية في الميدان ليست هي التي رسخت الرواية الاسرائيلية، بل المتحدثة الرسمية، بالنسبة لهم المسؤولون عن الاحداث الدموية كانوا الرئيس ياسر عرفات والفلسطينيين".

 

محمد الدرة

"بعد مرور أربع سنوات، في 30 أيلول العام 2000 قمت ببث تقرير، الذي تحوّل بعد ذلك الى "قضية محمد الدرة". صور ومشهد موت طفل بين ذراعي والده أمام موقع للجيش في غزة صورها طلال أبو رحمة، وهو موظف موثوق له مكانته في "فرانس 2". عرفت بشكل جيد المكان الذي حدث فيه إطلاق النار، وحسب شهادة طلال أدركت أن الإطلاق القاتل يمكن أن يأتي فقط من الطرف الاسرائيلي. الصور القاسية بثت في ارجاء العالم وأدت الى حرج كبير لقادة الجيش الاسرائيلي والدعاية الإسرائيلية".

"بعد مرور شهر على الحادث عرفنا أن قائد المنطقة الجنوبية، يوم طوف ساميا، يحقق في الأحداث الى جانب عالم الفيزياء ناحوم شاحف الذي فاز بجائزة وزارة العلوم، لكنه يعمل احيانًا كخبير لتعزيز نظريات المؤامرة. أما نحن، الذين قمنا بالتصوير والبث من الميدان، لم يتوجّه إلينا أحد. بناء على ذلك أبلغنا الجيش ووزارة الأمن بأن "فرانس 2" ستشارك فقط في تحقيق نزيه وبإشراف قضائي".

"بأثر رجعي يتبين أن ما قمنا به كان جيدًا. فالنتيجة تم تحديدها مسبقًا. الجنرال ساميا قال لمراسل الشبكة الامريكية "سي.بي.اس"، بوب سايمون، بأنه يريد أن يثبت بأن محمد الدرة لم يقتل بنار جنودنا. بعد بضعة ايام عرض حقًا "نتائجه" وقال إن احتمالية أن الطفل قتل بنار فلسطينية أعلى من احتمالية أن النار أطلقت من الطرف الإسرائيلي".

"مع مرور السنين تغيّرت الرواية في غير صالح ما صورته الكاميرا. عدد من الجهات بدأت تدّعي وبتصميم أن النار أطلقت من الطرف الفلسطيني، وحسب روايات ذهبت أبعد من ذلك فان الصور مبفركة من البداية. وقاموا فعليًا بالافتراء علينا بأننا قمنا ببث أمور كاذبة. لا يوجد شيء بعيد عن الواقع والحقيقة مثل هذا الاتهام الذي لا أساس له".

"بعد مرور بضع سنوات، قامت جمعية "شورات هدين" بتقديم التماس للمحكمة العليا وطلبت إلغاء شهادات المراسلين العاملين في "فرانس 2" في البلاد. في النقاش لدى رئيسة المحكمة العليا في حينه، دوريت بينش، والقضاة استر حيوت ويورام دنتسيغر، كررنا وأكدنا بأن التقرير تم تصويره وتحريره بعناية مع مراعاة جميع المعايير الصحافية المهنية".

"واضفنا بأننا قمنا ببث جميع الردود ذات الصلة، بما في ذلك ردود الجيش الاسرائيلي، وأنه منذ الحادثة التزمنا رسميًا بالتعاون في تحقيق نزيه حول القضية، وأن نضع أمام هذا التحقيق، إذا جرى، كل المواد الموجودة لدينا. وقلنا ايضًا إن المكانة القانونية للجنة الفحص برئاسة قائد المنطقة الجنوبية غير واضحة، حيث أنها كانت نتاج مبادرة مدنيين لم يصدر لهم كتاب تعيين في أي وقت. الالتماس ضدنا تم رفضه".

 

العدوان على غزة 2009

"في 16 كانون الثاني العام 2009، في أواخر "عملية الرصاص المصبوب"، أطلقت في غزة قنبلة للجيش الاسرائيلي على منزل الدكتور أبو العيش، الخبير في التخصيب الصناعي في مستشفى تل هشومير، بناته الثلاثة وابنة شقيقه قتلوا على الفور، وفتاة رابعة من بنات العائلة أصيبت اصابة بالغة. في الواقع، قريبًا من موعد الحدث، تحمّل الجيش الاسرائيلي المسؤولية عما حدث، وبعد ذلك المتحدث بلسان الجيش والجهات الاخرى نشرت روايات كثيرة، فيها ادعاء بأنه تم إطلاق نار من منزل الطبيب على الجيش الاسرائيلي أو أن صاروخ لحماس هو الذي أصاب البيت، ادعاءات لا أساس لها وتثير الغضب".

"الدكتور رونين برغمان قدم تفسيرًا آخر وكتب في "يديعوت أحرنوت" أن شخصًا من القيادة ذكر قضية موت الطفل محمد الدرة في ايلول 2000، التي تحولت الى رمز لسلوك إسرائيل الوحشي تجاه الفلسطينيين في الميدان. بعد بضع سنوات ادعى تحقيق للتلفزيون الفرنسي بأن من أطلق النار على الدرة كان شخص فلسطيني. أكاذيب وادعاءات، كل ذلك من أجل تأييد رواية تخدم اسرائيل. في النهاية لم يكن هناك أمام الجيش أي خيار غير الاعتراف بأن قواته هي التي أطلقت القنبلة التي أصابت بيت العائلة".

 

شيرين أبو عاقلة

"قضية الدرة مرة اخرى تم طرحها في العناوين في أعقاب موت مراسلة "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة. أنا لم اتفاجأ من رؤية الاخبار في القناة 12 في الأسبوع الماضي، نفس عوديد بن عامي، هذه المرة في وظيفة مقدم نشرة الاخبار، وهو يحلل الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني كصراع وعي. بمساعدة من؟ نفس الفيزيائي والخبير في تعزيز نظريات المؤامرة ناحوم شاحف، الذي بالنسبة له الفلسطينيون دائما هم المذنبون. ايضا هنا حاول شاحف أن يثبت بأن النار التي أطلقت على أبو عاقلة كانت فلسطينية".

"نقاشات لا تقل سخافة حول دعاية وصورة دولة اسرائيل تم طرحها في الاستوديوهات ووسائل الإعلام الاسرائيلية بعد بث الصور الصادمة لشرطة اسرائيل وهي تهاجم المشاركين في تشييع جثمان أبو عاقلة. بعض المحللين قالوا إن الامر يتعلق بعملية تخريب دعائية. صحيح أن هذا غير لطيف، ولكن هل هذا هو المهم؟ انقضاض رجال الشرطة على المشاركين في الجنازة ووجه بانعدام في المشاعر في اوساط عدد من المراسلين والمحللين".

"بصفتي صحافيًا فرنسيًا وايضًا مواطنًا إسرائيليًا فإن مهمتي كانت تصوير وبث جانبي الصراع بصورة مخلصة للواقع وبصورة مهنية ومتوازنة. هكذا عملت دائمًا دون استثناء. لكن لا يوجد ما نفعله، فالاحتلال يبدو سيئًا. ولا توجد أي دعاية يمكنها أن تغيّر هذا الواقع".

"عدم التعاطف مع زميل في مهنته، لا يهم أين يعمل وما الذي بثه، كان يصرخ حتى عنان السماء في برامج واقع كثيرة. مراسلة "الجزيرة" غطت العالم الموازي الذي لا يشاهده تقريبا المشاهدون في إسرائيل: معاناة وثكل الفلسطينيين. في "بايو"، بلدة صغيرة في غرب فرنسا، يوجد نصب تذكاري فريد في نوعه في العالم يخلّد صحافيين من أرجاء العالم قتلوا اثناء تأديتهم لعملهم. اسم شيرين أبو عاقلة سينضم الى أكثر من ثلاثة آلاف اسم نقش على الحجر. وقد كنت أعرف بعضهم".