عقود تجيز انتهاك حقوق المؤلف.. لا جهة تفصل بين الكاتب والناشر
غيداء الخالدي -
يمضي معظم الأدباء والمؤلفين سنوات في البحث والكتابة لإنجاز كتاب واحد. يضع الواحد منهم فيه جهدا استثنائيا على أمل أن يراه بين أيدي أكبر عدد ممكن من القراء، وأن يحظى هو نفسه بالتقدير المادي والمعنوي المستحق، الذي يدفعه لمزيد من العمل. غير أن واقع آليات النشر في الأردن والعقود المنظمة لها لا تحقق هذه الغاية كما يبدو. ويعتبرها الكثير من الكتاب بأنها غير منصفة، ولا تراعي حقوقهم الفكرية والمادية.
في عام 2004 تعاقد دكتور اللغة العربية في جامعة آل البيت، زيد القرالة، مع إحدى دور النشر لطباعة وتوزيع كتاب له، مقابل أن يحصل على 150 نسخة من أصل ألف نسخة تم الاتفاق على طباعتها. ولكن دار النشر لم تزوده سوى بخمسة عشر نسخة فقط. وعندما طلب الحصول على بقية نسخه المستحقة أخبروه أنها قد نفدت. يقول :"زرت دار النشر للاستفسار عن نسخ كتابي فصدمت بوجود مجموعة من النسخ على رفوف المكتبة الخاصة بالدار".
تستخدم دور النشر في اتفاقها مع المؤلفين نوعين من العقود، الأول يسمى "العقود القطعية"، يحصل المؤلف بموجبها على مبلغ مالي مقطوع، أو عدد نسخ معين من الكتاب، مقابل منحه حقوق طباعة ونشر كتابه لدار النشر. والنوع الثاني من العقود هو الذي تتم فيه طباعة الكتاب على حساب المؤلف حيث يحصل على جميع نسخ كتابه، على أن يتولى توزيعها.
تكمن المشكلة لدى الكثير من المؤلفين في العقود "القطعية" بعدم حصولهم على نسبة من بيع كتبهم، التي لا يعرفون عدد النسخ التي طبعت منها، مهما أعيدت طباعتها ومهما بيع منها. فشروط العقود يضعها أصحاب دور النشر ولا توجد جهة حكومية تشرف عليها، وليس للمؤلف أدنى فرصة للتفاوض حولها. إما أن يقبل بشروط العقد أو لن يرى كتابه النور.
القرالة لديه الآن العديد من مخطوطات الكتب لكنه لا يفكر بطباعتها، لأنه على قناعة بأن دور النشر "تسطو" على جهود الآخرين، واصفا الطريقة التي تتعاقد بها مع المؤلفين بأنها "فساد مغفول عنه". و في كل مرة يحتاج القرالة لنسخة من كتابه يضطر لشرائها من المكتبات.
لا مكاسب مالية
القاصة والكاتبة هدى أبو غنيمة تعتقد أن العقود الموقعة بين دور النشر والكاتب، تصب في مصلحة الناشر بشكل عام. فقد "تقوم دار النشر بإعادة طبع كتابه لسنوات دون أن يعرف عدد النسخ المبيعة منه، وبالتالي هو غير قادر على مساءلتها".
وتقول: "صحيح أن وزارة الثقافة تساهم بطباعة ونشر الكثير من الكتب، لكن إجراءاتها في قبول المؤلّف وطباعته طويلة جدا قد تصل إلى سنتين. بالنسبة لي لا أحقق أبدا أي مكاسب مادية من تأليف الكتب ونشرها، عدا عن أنني أشتري كتبي حالي كحال أي كاتب آخر".
من جهته، يؤكد مساعد الأمين العام لوزارة الثقافة أحمد راشد حرص الوزارة على حقوق النشر والتأليف. ويقول إن الكتاب الذي توافق الوزارة على نشره يحصل مؤلفه على مبلغ مالي بالإضافة إلى (100 - 200) نسخة من الكتاب، بينما تحتفظ الوزارة بحقوق طباعة الكتاب لمدة عام أو حتى نفاد النسخ. وإذا حصل الكتاب على دعم من الوزارة فإن المؤلف يحصل على مبلغ لطباعة ألف نسخة عند أي دار نشر يختارها، يعطي الوزارة منها 300 نسخة تستخدمها للإهداء دون بيعها، ويأخذ الكاتب 700 نسخة، بحسب راشد.
رضا أم استغلال
يتساءل الكاتب الصحفي عامر طهبوب عن سبب عدم وجود جهة حكومية تقوم بالتحقق من عمليتي الطباعة والنشر لمعرفة عدد النسخ التي تصدر عن دار النشر للكتاب الواحد، مشيرا إلى "ضرورة وجود جهة رقابية تحافظ على حقوق المؤلف، وتضع معايير عادلة للعقود الموقعة بين المؤلف والناشر، وتحدد القيمة الفعلية لتكلفة طباعة الكتاب".
ويقول: "الكاتب يستغرق سنوات لانتاج عمله، وفي النهاية تأخذ دار النشر العائد المادي، ويكتفي المؤلف بالتقدير المعنوي". متسائلا: لماذا لا يشارك الكاتب بالمردود المالي كجزء من التقدير لجهده؟
أما محمد طنبور صاحب مطبعة وثلاث دور نشر (دار أمجد، ودار كفاءة المعرفة، ودار أسفار)، فيؤكد أن "العقود لا تهضم حقوق المؤلف". وبحسب ما يرى فإن "معظم المؤلفين الذين يشتكون من دور النشر هم أصحاب الروايات والقصص القصيرة والشعر، لأن مصنفاتهم لا تباع مثل المصنفات العلمية".
وعن طريقة تنظيم العقود مع الكتاب، يقول: "أجهز عقودي عند محام مختص بطريقتي وكما أريد ولا يوجد أحد يقرر بنود العقد سواي". ويتابع: "أنشر الكتب العلمية فقط، واعتمد العقود القطعية أي أنني أحصل على ملكية المصنف بشكل دائم مقابل إعطاء المؤلف مبلغا ماليا أو عددا من نسخ المصنف بحسب الاتفاق، وليس للكاتب علاقة إذا قمت بعد ذلك بطباعة ألف نسخة من كتابه أو 100 ألف أخرى ولو بعد مدة طويلة".
يوضح أستاذ القانون في جامعة اليرموك محمد معابرة، أن القانون الأردني ترك هذه المسألة في بعض جوانبها للاتفاق بين الطرفين، إذ يسود مبدأ سلطان الإرادة وحرية المتعاقدين، وينص على أن "الأصل في العقد رضا المتعاقدين وما التزماه في التعاقد". ويرى أن المشكلة تكمن في أن "دار النشر تستغل الكاتب وتعرض عليه عقدا يوقع عليه يلتزم به، يتنازل بمقتضاه عن حقوقه المادية لصالح دار النشر مقابل مبلغ مالي مقطوع يحصل عليه مرة واحدة".
ولحل المشكلة، يقترح المعابرة أن "تكون المكتبة الوطنية هي المختصة بتنظيم عقود نموذجية ملزمة بحدود دنيا لصالح المؤلف، حتى تمنع أي تغول عليه من قبل الناشر".
وبالنسبة لاتحاد الناشرين الأردنيين، فهو لا يتدخل بين الناشر والمؤلف إلا بشكل ودي. وفي حال رفع المؤلف قضية على الناشر وصدور قرار قطعي لصالح المؤلف، يقوم الاتحاد بتجميد عضوية الناشر لمدة سنتين، بحسب رئيس الاتحاد جبر أبو فارس.
لكن أبوفارس يلفت إلى أن عددا "كبيرا" من دور النشر غير منتسبة للاتحاد. ويقول: "بعض دور النشر ترتكب مخالفات، مثل تزوير الكتب وانتهاك حقوق المؤلف، ما يسيء لسمعة بقية دور النشر أعضاء الاتحاد الملتزمين". ويرجع سبب ذلك إلى عدم إلزام هيئة الإعلام (هيئة رسمية) الناشرين بالانتساب للاتحاد.
عدد دور النشر المنتسبة لاتحاد الناشرين الأردنيين 130 من أصل 480 دارا مسجلة لدى هيئة الاعلام.
المصدر: اتحاد الناشرين الأردنيين
يرى اتحاد الناشرين بحسب رئيسه أبو فارس، أن الحل الأمثل يكمن في أن يأخذ المؤلف مبلغا مقطوعا، لأن "الناشر يتحمل تكاليف مادية عالية جدا في طباعة الكتاب وقد تبقى نسخه لسنوات في المستودع من دون بيع". ويكمل حديثه: "توجد طريقتان في عقود طباعة الكتب، إما العقود القطعية أو العقود مقابل نسبة على المبيع"، وهو شخصيا يتعامل بالعقود القطعية مع الكتب العلمية، لكنه مع ذلك لا يدفع مبالغ مالية للكتّاب، إنما يختار إعطاء المؤلف 20 - 50 نسخة مقابل استخدام الكتاب لمدة 5 سنوات.
لكن ماذا عن المكتبة الوطنية، وهل يمكن أن تمارس بالفعل دورا تنظيميا للعلاقة بين المؤلف والناشر؟ يجيب عن ذلك مدير المكتبة نضال العياصرة: " المكتبة لا تتدخل أبدا بالعقود الموقعة بين الناشر والكاتب، فهذا الأمر ليس من اختصاصها. إنما تختص بإصدار رقم الإيداع والإبداع الفردي للمصنفات، والحرص على عدم سرقة المصنفات أو تزويرها".
وحول امكانية وجود جهاز رقابي يحصي عدد الكتب المطبوعة، يقول إنه "إذا اكتشف الكاتب أو اشتكى من طباعة دار نشر عدد كتب أكثر من المتفق عليه، وتم ضبط هذا الأمر من خلال الجولات التفتيشية التي تقوم بها المكتبة، فإنها تتخذ الإجراءات القانونية مع مرتكبي المخالفات".