الرؤية الاقتصادية الأردنية
تشكلت لجنة رسمية من ما يزيد على 300 شخصًا لصياغة الرؤية الاقتصادية للأردن وبتوجيهات عليا مباشرة على أمل خلق نواة مركزية اقتصادية و مستقلة ومستدامة ومحايدة يمكنها رسم خارطة طريق للأردن الاقتصادي الذي نرغب في العشرية القادمة، وكل ذلك سيكون بعيدًا عن تجاذبات وتقلبات ومناكفات العمل الحكومي البيروقراطي المعروف.
أحد أبرز الملامح في الرؤية كان حول خلق مليون وظيفة في العقد القادم، في ضوء ارتفاع نسبة البطالة مؤخرًا لتقارب 25% في فئة الشباب المتعلم. قد يبدو الأمر طموحًا ومحفزًا، لكن المعطيات تطرح تفاصيلًا متباينة.
تم استثمار (300 مليون$) لخلق 500 وظيفة في فندق، أي بكلفة (600 ألف$) لكل وظيفة واحدة! بينما يمكن خلق وظيفة واحدة في قطاع آخر بكلفة 500$ فقط، مثال ذلك: بسطة خضار، عربة حلوى، مشغل صيانة، ورشة دهان، بائع متجول ...الخ
يبلغ متوسط كلفة خلق الوظيفة الواحدة عالميًا لما يقارب 25000$ ، تنص الرؤية الاقتصادية على خلق 100000 وظيفة سنويًا، مما يتطلب استثمار ( 2.5 مليار$) كل سنة لتحقيق الرؤية، بافتراض ثبات باقي العوامل.
واقعيًا، استطاع الاقتصاد الأردني جذب كمية استثمار تقارب 700 مليون$ سنويًا، ومع توقعات تراجع النمو العالمي والمحلي فقد يكون من الصعب الوصول للمليار الواحد من أصل 2.5 مليار$ المطلوبة.
هل معنى ذلك أن هناك فجوة حقيقية في تشكيل الرؤية الاقتصادية؟! وهل تم اعتبار مضاعفات الحرب الأوكرانية على أسعار الطاقة والحبوب؟!
الاقتصاد عمل احترافي رقمي وإحصائي معقد، يربط السجلات الزمنية التأريخية بنماذج التنبؤ المستقبلي، مع اعتبار كبير لأثر التقلبات والصراعات والأزمات وتذبذب مؤشرات الأسواق، ونحن اليوم نواجه أزمة طاقة وحبوب بسبب الغزو الروسي، ونواجه أزمة تضخم أمريكية أدت لرفع سعر الفائدة، مما اضطر الدول لمواكبة رفع سعر الفائدة حفاظًا على كلفة المستوردات، ولتثبيت سعر الصرف للعملة المحلية، ولجذب الأموال الساخنة عبر العالم بدلًا عن استقطابها للولايات المتحدة.
الحديث عن رؤية يتطلب استشرافًا للمستقبل، وفي ظل تخبط اقتصادي عالمي فإنه يصعب التنبؤ، ومعه يستحيل التخطيط، خاصةً في ظل أوضاع اقتصادية حرجة قبل كل ما جرى أصلًا. الواقعية هي خير ملجأ مِن ثنائية التفاؤل والتشاؤم.