المثالية..
ينتظر كثيرون منك ردود أفعال موزونة، كلمات منمقة، حوارات لائقة، تصرفات رزينة وعلى الدوام.
تفني حياتك محاولاً قدر الإمكان المحافظة على ثباتك الانفعالي، ولباقتك واحترامك لنفسك قبل الآخرين، على كظم غيظك، وكبح جماح مشاعرك، والسيطرة على نفسك وتصرفاتك، وكبت أحاسيسك ودفنها داخلك، للحفاظ على ذلك النمط والقالب الذي قد صاغوه لك!
النمط المثالي الممل للشخص الخيالي الذي دائماً لا يخطئ، دائماً لا يذنب، دائماً في أفضل وأبهى صوره، الذي لا ينكسر ولا يكسر، لا يندم، لا يكذب، لا يفشل، لا يكلّ ولا يملّ، لا يتعب ولا يمرض، لا يقسى ولا يشقى!
لكنك في الحقيقة إنسان بسيط ولست مثالياً، واقعي ولست خيالياً، تصيب وتخطئ، تقسى وتلين، تذنب وتتوب، تتصرف تصرفات طائشة وأحيانًا صائبة، تكذب وتقول الحقيقة، تنجح وتفشل، تقوى وتنهار، تتعب وتمرض، تتهاون وتتراخى.
لكنهم لا يرون كل هذه التناقضات الطبيعية كتلك التي يمتلكونها، لأنك قد صُنفت في تلك الخانة المثالية لسبب ما أو لظرف ما!
يحرمُ عليك مجتمعياً أن تمارس إنسانيتك، أن تتصرف على سجيتك، بحكم عاداتهم وتقاليدهم وأحكام الشريعة التي يختارون منها ما يناسبهم متجاهلين منها تلك التي تحجمهم، فارضين قانوناً سُنَّ على عاتقهم.
صفة النموذجي دائماً مصحوبة قبلك أو بعدك أو من خلالك!
تبقى دائماً محمّلا وكاهل الكتفين بأعباء النموذجية المفرطة، والمثاليّة الساذجة التي قد حاصرتك وأحاطتك من كل الجهات. أسير أحكامهم القاسية، حبيس كلماتهم القاتلة، سجين لأفكارهم الرجعية، معتقل في قالبهم التقليدي، ساليّا طبيعتك، متغافلاً عن سجيتك، مهملاً إنسانيتك، ناسياً فطرتك التي خلقت عليها و لها!
لا تقسو على نفسك، ولا تمحِ ملامح شخصيتك و تطمس هويتك لإرضائهم أو لتنال قبولهم واستحسانهم. فكلنا مزيج من الخير و الشر من الصواب و الخطأ.
كن أنت كما أنت، عبّر عن أحاسيسك، لا تقتل شعوراً ما بداخلك، لا تفقد رغبتك في أحلامك، لا تتردد في تحقيق أهدافك، لا تخف من تجربة ما تتمناه، لا تخجل من تصرفاتك، لا تأبه إلى نظراتهم، ولا تجعلهم ضمن حساباتك، وسّع حدود حريتك، و ضع حدوداً لحقوقك، دون تعدٍ على حريتهم وحقوقهم!