قواعد وضوابط التغطية الاعلامية الخاصة بالجرائم
مراقبة المشهد الاعلامي في تغطية الجرائم يؤكد على أن هناك إشكالية فنية ومهنية في التعامل مع الجرائم، تحليل بسيط لوسائل الاعلام المرئي والمسموع والمقروء يوصلنا الى حقيقة أن وسائل الاعلام تتعامل مع التغطيات المتعلقة بالجرائم كما التغطيات الاعلامية في باقي قضايا المجتمع الاخرى، هذا واضح في كل حادثة أو جريمة وما يرافقها من حالة هلع وتهويل وتغطيات إعلامية عشوائية او غير مدروسة قد تؤدي الى اثار ونتائج سلبية على المجتمع او الجريمة بذاتها.
ان التغطية الإعلامية الحساسة للجرائم يجب ان تبنى على رسائل في كل مرحلة من المراحل، ففي لحظة الارتكاب يجب ان تكون الرسالة ان الجريمة ومرتكبها وادواتها كلها تحت سيطرة مؤسسات الدولة حتى لا نخلق حالة اضطراب وهلع وخوف في المجتمع.
وكذلك الامر يتعلق بطبيعة التغطية وهي مسألة فنية إذ يتوجب عدم كتابة الاخبار الخاصة بالجرائم على شكل مقالات او بصيغة سردية مبالغ فيها باللغة والتشبيهات، لكي لا يطرب من في نفسه مرض ويتشوق للأسلوب السردي والقصصي، وانما الاقتصار على نقل وقائع الجريمة بشكل مختصر وبصورة خبرية.
ويجب الاخذ بعين الاعتبار ان تقتصر التغطية على وقوع الجريمة دون تغطية تفاصيل ارتكاب الجريمة وكيفية التنفيذ وكيفية استخدام الادوات واماكن استخدامها ومرات تكرارها، بما لا يضمن خلق حالة لا وعي لدى البعض في استحضار سيناريو التنفيذ عند تعرضه لاي موقف في عقلة اللاواعي، ويشمل ذلك عدم ذكر الاسماء الصريحة للقاتل والضحايا الا في حالات ضيقة مبنية على قرار من أجهزة انفاذ القانون بهدف الكشف عن المجرمين الفارين والتعرف عليهم، حتى لا يتم تعريض اي شخص للخطر.
ولابد من التذكير بأن عملية نشر الصور قد تلحق اضراراً اكثر من نفعها وبالتالي يتوجب عدم نشر الصور المتعلقة بالجريمة وابراز صور الدماء والاشلاء او غيرها من مناظر مروعة لعدم استمراء او تبرير حالة الاجرام واعتياد المجتمع على مشاهدتها لتبقى في دائرة الاستنكار والشجب وعدم التبرير، الا في حالات ضيقة وبقرار من اجهزة انفاذ القانون بهدف خدمة عملية التحقيق وجمع البيانات والادلة وتسهيل عملية القاء القبض على الفاعلين.
ويتطلب ذلك عدم وضع التغطية الخاصة بالجرائم في اماكن بارزة او في الصفحات الاولى او في العاجل او بخطوط بارزة او غيرها وانما الابقاء عليها كما هي التغطية بالمجرى الطبيعي للأمور، وابراز بعض المسائل الخاصة بإلقاء القبض او الحكم النهائي لإرسال رسائل تطمين للمجتمع بأن كل ما يتعلق بالجريمة تحت سيطرة السلطة القضائية والمؤسسات المختصة، وانه لن يفلت المجرم بجريمه.
ولا بد من التذكير بضرورة احترام القرارات القضائية الخاصة بمنع النشر كون السلطة القضائية هي صاحبة الاختصاص في نظر الجريمة والفصل فيها، وتقدر آلية سلامة الحفاظ على البينات والادلة، وعدم الاستنتاج واصدار الاحكام المسبقة، الاكتفاء بتغطية ما وصلت اليه اجراءات السلطة القضائية واجهزة انفاذ القانون.
وبالنتيجة فإن التغطية الاعلامية الخاصة بالجرائم ذات بعد مهني حرفي يجب ان يبنى على رسالة توعوية مجتمعية بهدف توعية المجتمع بالقانون وبالأفعال التي تشكل جرائم، وهذه الرسالة يكون هدفها تحقيق الردع العام، وهذا يتطلب الحرص من الوقوع بعملية المبالغة في التغطية الخاصة بالجرائم وابراز ان حالة الاجرام هي الاصل وتحتل كافة مساحات التغطية الاعلامية الرئيسية والحساسة وحالة اللاجريمة هي الاستثناء، والاكتفاء بتغطية الجرائم التي تهز المجتمع وتحدث ضجة وتفاعل مجتمعي نظرا لبشاعتها.
جملة من القواعد المهنية التي يشترك بها كافة الاطراف سواء وسائل الاعلام بكافة مكوناتها، او الاجهزة المعنية بالإعلام في الحكومات او اجهزة انفاذ القانون، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، بعكس ذلك سوف يبقى مسرح التغطية الاعلامية لا يقل ضراوة وقساوة عن مسرح الجريمة بعينها.