عن حبل الثقة المهترئ بين المواطن والدولة

 


عن  حبل الثقة المهترئ بين المواطن  والدولة  يُشبه  وضع البلاد منذ زمن بعيد وضعَ ميناء العقبة  ....الظاهرُ فيه كارثة، ولكن ألمخفيُّ أعظم.... فالحبل المهترئ في الميناء قُطع وأوقع كارثة كان العمال يحذرون منها وكان يمكن تجنبها ، أما الحبل المهترئ في ثقة المواطن بمؤسسات الدولة فهوعلى وشك الانقطاع التام ، وبالرغم من التحذير منذ سنوات طوال الا أن أحدا ممن يقبضون على القرار لا يريد أن يسمع. 

العقبة المنكوبة تلملم جراحها فيما شملت النكبة كل محافظات الوطن ، كما أن الدمارالذي لف الميناء بعد إنفجارالحاوية أو الخزان الذي حصد حتى كتابة هذه السطور13 شخصا  وما يقارب 300 مصابا ، يعري مقولة أن الامور في مؤسساتنا بخير وأن مؤسساتنا التي سلمت أو أعدت للتسليم الى القطاع الخاص على طبق من مصالح مشتركة هي بخير.  

حادثة العقبة وقعت في وقت يقف الشعب على رصيف أزماته اليومية والمتعاقبة والمتكررة منذ سنوات، واليوم كما بالامس الشعب يقف على الرصيف مع نكبته الجديدة في العقبة منتظرا من المسؤولين تقديم مجرم واحد للعدالة في ظل استمرارنهج أهل السلطة في" تلحيم "أزلامهم وتبرئتهم من يوم الحساب، كما حصل ويحصل في العديد من الملفات ،ومنها ما وقع في العقبة سابقا من مثل هروب الباخرة "سور" من الميناء دون رقيب أو حسيب ،أو قضية  صوامع حبوب العقبة التي أدت الى استشهاد 6 أشخاص وعشرات الجرحى،أو قضية تورط رجال أعمال في العقبة بقضية الفوسفات مع الهارب المحكوم وليد الكري، وغيرها من القضايا التي مازالت حديث المواطن ولم يسمع لغاية ألان الا عن تحاصص المناصب والمكاسب في "العقبة" وغيرها من المواقع .

 ندرك جميعا أن ما بين الشعب "ومن يتحكمون بالدولة " ليس ما صنع الحداد فحسب بل أبعد من ذلك ،هي نيران الهلع والشك في قلوب عموم الاردنيين من وقوع "مصيبة" او كارثة جديدة أو فاجعة لا يتحمل المسؤولية عنها الا صغار الموظفين، وهي ايضا نيران القلوب المشتعلة خوفا على مصير وطن ، فيما  بعض المسؤولين النافذين لا يتعلمون من اخطائهم، ولا يستحون بفسادهم ولا يتوقفون عن إجرامهم، وذلك لان الحماية متوفرة من خلال الشللية داخل "المؤسسات" التي تدير كل الملفات من التعيين في الوظائف العليا الى فرزأعضاء المجلس النيابي الى الاعيان الى الوزراء ، وبالتالي لا يمكن  غسل الاوساخ والبقع المستعصية على التنظيف في اداء هؤلاء بل ستؤديان استمرت حتما الى اخذ البلاد الى مزيد من الانهيارات في حياة المواطن واحواله المعيشية.

ان أخذ البلاد نحو المجهول من خلال "غياب العدالة والشفافية والمحاسبة"  تعود لأن أحدا ما  يعتقد أو مؤسسة ما تعتقد أن وجهة النظر أو الرأي التي تتبناها هي الحقيقة المطلقة ،وهؤلاء وحدهم من يملكون ناصيتها وعلى الجميع الخضوع لها، وهذا ما الحق وسيبقى يلحق الاذى بالبلاد ،وستجعلنا من حين الى اخر نعيش على فالق زلزالي من المشاكل التي يمكن أن تثور بين الدقيقة والاخرى،ما افقد المواطن الثقة بمؤسسات الدولة الى أن وصلنا مرحلة الاحتباس الحراري بين الحكومات والشعب، وستبقى العلاقات متوترة وتتجه نحو التفاقم وولادة المزيد من المشاكل وستتفجر كقنابل موقوتة إجتماعيأ وسياسيأ وإقتصاديأ، طالما أن الذهنية في التعامل مع القضايا التي تواجهنا تتم وفق الآليات القديمة المستمرة لغاية الأن والتي كانت وراء وصولنا الى هذا المشهد من العلاقة بين الدولة والشعب.

حادثة العقبة وجريمة قتل الطالبة إيمان ارشيد وغيرها من جرائم وفساد أو افساد في اصولها وجذورها هي جزء من مشهد عام لمشكلات عجزت الدولة عن إيجاد حلول لها ، سواء كانت هذه المشكلات أزمة اقتصادية اومالية ومعيشية مع ما يتبعها، ولا يمكن حلها الا من خلال التخلي عن نهج تشكيل الحكومات وفق  الحالة السائدة الان ،كما ينبغي التخلي عن التدخل في آلية وصول النواب الى القبة البرلمانية  لنضمن  وصول نوابا لديهم القدرة على المحاسبة كما المراقبة والتشريع ،وأن يتم دعم برنامج إصلاحي واضح يتم تنفيذه ضمن مهلة زمنية قصيرة ومحددة،وتحميل المسؤولين عن إهتراء حبل الود بين الشعب والدولة المسؤولية عما وصلنا له ، وهذا ما سيسهم بإعادة الثقة بين الشعب والدولة ، ولكن بعد تغيير الحبل المهترء قبل ان ينقطع  ويسقط على رؤوسنا جميعا ......