عشر ذي الحجة.. أفضالها وروائع الأعمال المستحبة فيها



من فضل الله وكرمه أن جعل للمسلمين مواسم يستكثرون فيها من العمل الصالح، ومنها عشر ذي الحجة، فينبغي لمن وفقه الله، أن يعرف لهذه الأيام فضلها ويقدر لها قدرها، فيحرص على الاجتهاد فيها.

وتبدأ غدًا أولى أيام شهر ذي الحجة من هذا العام، وإنما هي ساعات ولحظات ما أسرع انقضاءها، والمحظوظ من وفق فيها لصالح القول والعمل، وهناك أعمال صالحة تتأكد في هذه العشر جاءت النصوص بالحث عليها، والترغيب فيها، فما هي أفضال هذه الأيام العشرة، وما المستحب فيها؟

أفضالها
أقسم الله بها في مطلع سورة الفجر تنويها بشرفها وعظم شأنها بقوله تعالى "وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ"، وقال عدد من أهل العلم، إن المراد بها عشر ذي الحجة.

وقال تعالى أيضًا في سورة الحج "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ"، وقيل إن المقصود بها تلك الأيام العشر.


 
وشهد رسول الله ﷺ بأنها أعظم أيام الدنيا، وأن العمل الصالح فيها أفضل منه في غيرها، بقوله صلى الله عليه وسلم "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”.

وفي حديث ابن عمر، قال صلى الله عليه وسلم "ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”.

وفيها يوم عرفة الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟”، وهو يوم مغفرة الذنوب وصيامه يكفر سنتين.


 
وفيها أيضًا يوم النحر الذي هو أعظم الأيام عند الله، قال صلى الله عليه وسلم "أعظم الأيام عند الله تعالى، يوم النحر، ثم يوم القرّ (الحادي عشر من ذي الحجة)”.

وحظيت عشر ذي الحجة بهذه المكانة والمنزلة لاجتماع أمهات العبادة فيها وهي: الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيرها.

ومن أحسن ما قيل من أهل العلم في المفاضلة بينها وبين العشر الأواخر من رمضان، ما ذهب إليه بعض المحققين من أن أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان الأخيرة، وبأن ليالي عشر رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة جمعًا بين النصوص الدالة على فضل كل منها، فليالي العشر من رمضان إنما فضلت باعتبار ليلة القدر وهي من الليالي، أما عشر ذي الحجة إنما فضلت باعتبار الأيام ففيها يوم النحر ويوم عرفة ويوم التروية.

ما يستحب في هذه الأيام
فريضة الحج:
خير ما يؤدى في هذه الأيام المباركة، فريضة الحج وهو خامس أركان الإسلام إذا ما استطعنا إليه سبيلا، والحج من أعظم أعمال البر كما قال صلى الله عليه وسلم وقد سُئل أي العمل أفضل، قال "إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور”.


 الصيام:
من الأعمال التي تتأكد في هذه الأيام الصيام، وهو بالإضافة إلى أنه داخل في عموم العمل الصالح إلا أنه قد ورد فيه أدلة على جهة الخصوص، فعن حفصة رضي الله عنها قالت "أربع لم يكن يدعهن النبي صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة”، والمقصود صيام التسع، لأنه قد نُهِي عن صيام يوم العيد.

وقال الإمام النووي عن عشر ذي الحجة "صيامها مستحب استحبابًا شديدًا”.

صيام يوم عرفة:
يتأكد صوم يوم عرفة لغير الحاج، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن صوم يوم عرفة "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” (رواه مسلم).

لكن من كان في عرفة حاجًا فإنه لا يستحب له الصوم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطرًا.
 
التكبير والتهليل والتحميد:
الإكثار من الذكر عمومًا ومن التكبير خصوصًا، لقول تعالى "ويذكروا اسم الله في أيام معلومات”، وكما في حديث ابن عمر السابق "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”.

وقال الإمام البخاري رحمه الله "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبّران ويكبر الناس بتكبيرهما، وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج مِنى تكبيرًا، وكذلك فعل ابن عمر.


 والمستحب الجهر بالتكبير لفعل عمر وابنه وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين، وهو من السنن المهجورة التي ينبغي إحياؤها في هذه الأيام المباركات.

ويسن إظهار التكبير المطلق من أول يوم من أيام ذي الحجة في المساجد والمنازل والطرقات والأسواق وغيرها، يجهر به الرجال وتسر به النساء، إعلانًا بتعظيم الله تعالى، ويستمر إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق (أي حتى الثالث عشر من ذي الحجة).

وأما التكبير الخاص المقيد بأدبار الصلوات المفروضة، فيبدأ من فجر يوم عرفة ويستمر حتى عصر آخر يوم من أيام التشريق (هي الأيام الثلاثة التي تأتي عقب يوم النحر)، لقوله عليه الصلاة والسلام "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله”.


 صيغة التكبير:
ورد فيها عدة صيغ مروية عن الصحابة والتابعين منها:

"الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، والله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 الأضحية:
من أفضل الأعمال أيضًا الأضحية وهي سنّة مؤكدة في حق الموسر (ذو مال وسِعة)، بل إن من العلماء من قال بوجوبها وقد حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم.

إتقان الفرائض:
الصلاة: يستحب التبكير إلى أداء الفرائض، والإكثار من النوافل فإنها من أفضل القربات، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك إليه بها درجة، وحط عنك بها خطيئة” (رواه مسلم). وهذا في كل وقت.
التوبة النصوح: والرجوع إلى الله، والتزام طاعته والبعد عن كل ما يخالف أمره ونهيه بشروط التوبة المعروفة عند أهل العلم.
المحافظة على الواجبات: من أعظم ما يتقرب به إلى الله في هذه الأيام العشر المحافظة على الواجبات وأدائها على الوجه المطلوب شرعًا، وذلك بإحسانها وإتقانها وإتمامها، ومراعاة سننها وآدابها.
الإكثار من النوافل والمستحبات والذكر: وبعد إتقان الفرائض والمحافظة على الواجبات ينبغي للعبد أن يستكثر من النوافل والمستحبات والذكر، ويغتنم شرف الزمان فيزيد مما كان يعمله في غير العشر، ويعمل ما لم يتيسر له عمله في غيرها ويحرص على عمارة وقته بطاعة الله، فأبواب الخير كثيرة لا تنحصر ومفهوم العمل الصالح واسع وشامل.

 المصدر : الجزيرة مباشر