هل يُجرّ العرب الى الحرب ؟
إسرائيل وإيران كليهما مثل مرضين اصابا جسد المنطقة الأولى كالمرض المزمن الذي يصيب فجأة لكن مقدماته كثيرة تتعلق بإهمال متراكم للصحة كما هو حال المنطقة العربية، فقد أهملت ذاتها لقرون كان نتيجتها الاصابة بداء اسرائيل وهي ايضاً مثل المرض المزمن لابد من العيش معه بشكل قسري فالشفاء منه متعذر ومستحيل، أما إيران فهي كالإدمان وهو ايضاً مرض لكنه يبدأ ارادياً في غفلة من الوعي ومع الوقت يصبح جزءاً اصيلاً من الذات لا يمكن الاستغناء عنه بسهولة رغم إدراك المُبتلى به ومن حوله بأثره الكارثي فهو يعتمد على احتلال المستقبلات العصبية والسيطرة عليها وهو ما تفعله ايران فهي تستحوذ على مستقبلات وأدوات في اجساد الدول التي تطغى عليها بشكل يجعلها تدير المشهد العصبي في تلك الدول لصالح الاستمرار في تعاطيها والخضوع لسلطانها وكحال المدمن لا يقتصر تأثره على ذاته بل يطال عائلته وكل من يخصه .
فالمعركة بين الحربين، والتي كانت ساحتها المنطقة العربية أدت الى تدمير العديد من الدول بشكل ربما لا رجعة فيه، وكان مجال الصراع هو محاربة النفوذ والبرنامج النووي والصاروخي الإيراني هذا من جهة اسرائيل، اما بالنسبة لإيران فإسرائيل هي أحد أدواتها للضغط على الولايات المتحدة لكن هذه الحرب بالوكالة لم تفلح على ما يبدو، فلا سياسة اسراىًيل في جزّ العشب الإيراني من دول المنطقة نجحت، بل بالعكس ازداد هذا العشب الى درجة التغول فأصبح في كل مكان، ولا ايران استطاعت ان تضغط على الولايات المتحدة بإسرائيل ولأن الخطوط الحمراء لكل طرف تكاد تشتعل فإن الخطوة التالية لابد أن تكون الحرب لكن بين من ومن ؟
الثابت ان إسرائيل لا تستطيع شن الحرب لوحدها فهي بأمس الحاجة لشركاء يحملوا جزءً من العبئ ولا ضير لو كان جُله والشريك الرئيسي المقترح هو الولايات المتحدة لكنها مُغادرة الى اماكن اخرى ولا تريد أن تُشد إلى صراع لا يمكن التكهن بنتائجه، لذلك بدأت إسرائيل تحثهم كي يضغطوا على دول المنطقة العربية للدخول في شراكات امنية معها وعلى ما يبدو أن هذه الخطة بدأت تؤتي أُكلها فهي منخرطة في إنشاء تحالف استراتيجي للشرق الأوسط MESA وأيضاً بدأت تتعاون مع بعض الدول لبناء نظام دفاع مشترك لمواجهة الصواريخ والطائرات بدون طيار الايرانية، وهي تحاول توريط الدول العربية في تحالفات عسكرية وأمنية، وزيارة بايدن المرتقبة تعتبر فرصتها لفرض أجندتها على طاولة المفاوضات طبعاً هذا يقف ضد رغبة صاحبة الطاولة المملكة العربية السعودية والتي تريد استثمار الظرف الدولي للحصول على تعهدات أمريكية مكتوبة تضمن أمن الخليج بعيداً عن التورط في أي صراع .
اذاً تقتضي الخطة الإسرائيلية إدخال العرب في حلف دفاعي غايته إيران وعندما تقوم بتوجيه ضربتها فهذا يستدعي رداً ايرانياً وإلا ستذهب هيبتها الى الأبد، إذا لم تفعل ذلك مباشرة وليس من خلال أذرعها طبعاً منظومات الصواريخ المضادة المنتشرة الآن في دول عربية عديدة ستتصدى لها وهذا سيمثل بالنسبة لإيران طاقة فرج فهي لن تستطيع حرب اسرائيل الا من خلال اذرعها، وهذا اعتادت اسرائيل عليه ولا يُحَمِل ايران عبء رد امريكي ساحق وربما توجه الصلية الأولى من الصواريخ لإسرائيل لإخماد غضب الشعب الإيراني، لكن خزان أهدافها الحقيقي سيكون دول الخليج العربي فالمدن المزدهرة والذكية في أغلبها على مرمى حجر من الصواريخ والجنود الايرانيين، وهي تمتلك بعض التفوق النسبي عسكرياً وديموغرافياً، لذلك ستمثل الاتفاقات الامنية حصان طروادة الإيراني للخروج من حرب تثير غضب الامريكان وردة فعلهم الصاعقة والدخول في حرب تثير حفيظة الامريكان وامتعاضهم لكنها لا تحرك ردة فعلهم .
وهنا يكون الهدف من مضادات الصواريخ والاتفاقات الدفاعية قد تحقق والذي هو ليس الدفاع عن دول الخليج ولا حتى إسرائيل بل توجيه الحرب الى الجهة التي تمتص الغضب والكبرياء الايراني وتجعله بعيداً عن مرماها بالنسبة لإسرائيل، اما بالنسبة لإيران فهي تستطيع ان تدعي أمام شعبها انها دافعت بقوة عن أمنها وكرامتها .