التحالف مع الاحتلال، تحالف مع التهديد لصالح بقاء ديكوري في السلطة

 


في واقع يفوق المجاز، ويضرب عميقا في اساسات فهمنا للاشياء ،و لا يتسق مع منطق الاشياء  و ما تفتقت عنه عبقرية واضعي نظريات العلاقات الدولية فرادا و مجتمعين ،  ستدشن زيارة الرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط تحالفا بين عدد من الأنظمة العربية وإسرائيل بهدف احتواء إيران أو التصدي لها عسكريًا إن لزم الأمر. مع ان الحقيقة المرة هي ان تفاهم عدد من الأنظمة العربية مع إسرائيل هو سابق لهذه الزيارة المرتقبة، بل أن التطبيع الذي ترفضه الجماهير العربية أصبح كلمة لا تقاس بعمق التحالف الذي تقيمه بعضا من هذه الأنظمة مع إسرائيل.

بعيدا عن التحدي الإيراني ودور إيران السلبي في المنطقة والذي يستخدم لتبرير التحالف وكأن إسرائيل لا تحتل شعبًا عربيًا ولا تشكل تهديدًا وجوديًا على دول مجاورة على رأسها الأردن، لا بد لنا من التوقف عند حقيقة كانت وما زالت المحرك الرئيسي لسلوك بعض الزعماء في المنطقة، فهناك من الزعماء من يرى بأن سبب البقاء في الحكم (survival) يعود للتبعية للولايات المتحدة والتفاهم مع إسرائيل على حدود الدعم للفلسطينيين في مواجهاتهم المصيرية مع الاحتلال والتشريد وعدم مقاومة التوسع الإسرائيلي إلا لفظيا.

هذه البنية الذهنية سائدة في أنظمة الاستبداد التي تسعى لحرمان المعارضات الداخلية والوطنية من تحالفات خارجية، ولا يمكن لها من القيام بذلك دون تقديم شتى أنواع التنازلات للولايات المتحدة التي تعلن جهارا نهارا بأن هدفها الرئيس في الشرق الأوسط هو الحفاظ على مصالح إسرائيل وعلى أمنها. وعليه فإن الولايات المتحدة التي لا تخشى من الأنظمة العربية ولا عليها تفرض شروط اللعبة الإقليمية وهي تعرف أن عددًا من هذه الأنظمة مستعد للمقايضة الكبرى: البقاء مقابل التحالف مع إسرائيل.

بالمقابل، لم تسع هذه الأنظمة إلى تفاهم مع إسرائيل حول إيجاد مخرج لحل القضية الفلسطينية ولو بالحد الأدنى، بل أن ما تكتبه الصحافة العبرية عن حوارات عربية إسرائيلية يقتصر على ضرورة التنسيق والعمل معا للتصدي لإخطار ليس من بينها استمرار الاحتلال طبعا! وهكذا تقدم هذه الأنظمة خدمة مجانية لليمين الإسرائيلي الذي يؤكد ومنذ عقود بأن الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية هو اهتمام لفظي وللاستهلاك المحلي ولا يمكن ترجمته لاستراتيجية عمل.

لو ترك الأمر للشعوب العربية لرفضت التحالف مع إسرائيل أو حتى مع الولايات المتحدة، وسبق أن رفض الشارع العربي حلف بغداد ودفع رفض الشارع عددًا من الأنظمة العربية إلى التراجع عن الانضمام لهذا الحلف. صحيح كانت مصر الناصرية والسعودية أيضا ضد الحلف الذي شكل فيه نوري السعيد رأس الحربة، إلا أن الشارع العربي كان أكثر حيوية، وفي الأردن مثلا شكل الراي العام والأحزاب السياسية معارضة أجبرت النظام على التراجع عن خطط الانضمام لتحالف يضع الاتحاد السوفييتي بدلا من إسرائيل عدوا للمنطقة.

هل يستطيع الأردن اليوم رفض التحالف القادم؟ بعض النخب المقربة من دوائر صنع القرار تستمر في التسويغ والتبرير على اعتبار أن الأردن يعيش في بيئة إقليمية متغيرة وإنه منكشف استراتيجيا وأن المساعدات الخارجية تُضيّق من هامش المناورة المطلوبة. وعليه فإن الأردن لا يملك إلا خيار القفز في عربة التحالف. طبعا، القفز في عربة الدولة المهيمنة بدلا من مجابهتها هو سلوك يمارس في العلاقات الدولية، لكن في الوقت ذاته وكما كتب ستيفن والت فإن الدول لا توازن تحالفاتها ضد الدول المهيمنة ، تلك التي  تملك قوة تضاهي قوتك او ربما تتفوق عليها ، وانما  توازن تحالفاتها ضد التهديد، ضد الدول التي تتوجس خيفة منها ، وتصنفها بانها قد تشكل تهديدا وجوديا عليها ، فمن يهدد الأردن وفق هذا المبدأ : إيران أم إسرائيل؟ والسؤال الأهم، لماذا لا يقدم النظام التنازل المطلوب للشعب ويعيد الكرة مرة وللأبد للشعب كمصدر لكل شيء بما فيه الشرعية وضمانة البقاء؟