اللهاث الفلسطيني وراء السراب الامريكي!



انهى الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الجمعة الماضي زيارته لأولى كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية لكيان الإسرائيلي مرورا بمدينة بيت لحم جنوبى الضفة الغربية حيث التقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لمدة لم تتجاوز 33 دقيقة من ضمن 3 أيام امضاها في تل ابيب وهي الزيارة الأقصر من بين زيارات الرؤساء السابقين والتي كان آخرها زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2017.

زيارة بايدن لمدينة بيت لحم تعتبر اجراء بروتوكولي بحت فهو لا يستطيع زيارة كيان الاحتلال من دون المرور بالأراضي الفلسطينية وزيارة كنيسة المهد في بيت لحم لما تحمله من معانٍ دينية للمسيحيين في مختلف دول العالم رغم ان الأصل ان تبدأ الزيارة من مدينة رام الله التي تعتبر العاصمة السياسية ومقر الرئاسة الفلسطينية.

الرئيس الأميركي بايدن حمل معه الى بيت لحم بعض المساعدات المالية لمستشفيات القدس والتي ستقدم مباشرة وليس عن ( طريق السلطة وموازنتها ) بسبب الالتزام بقوانين الكونغرس الأمريكي التي تحظر إعطاء أي مساعدات مالية مباشرة للسلطة الفلسطينية بذريعة أنها تدعم الإرهاب في إشارة إلى الرواتب التي تعطيها لعائلات الأسرى والشهداء.

اللافت ان اللقاء لم يحقق أي تقدم على مسار القضية الفلسطينية أو ملف المفاوضات المعلق منذ فترة طويلة كما انه لم يفضي أيضا الى أي تحرك ملموس او اختراقاً سياسي في إطار المرحلة الحالية التي تشهد تجاذباتٍ إقليمية متناقضة حول الملف الإيراني عبر التركيز على ضرورة فرض إجراءات بالقوة ضد إيران ضمانا لأمن الكيان الإسرائيلي مما يظهر ان القضية الفلسطينية ليست من أولويات الإدارة الامريكية الجديدة حيث تتعامل معها وكأنها قضية اسرائيلية داخلية تتعلق بالأمن والاقتصاد.

خلال متابعة التصريحات الاعلامية والتدقيق في مجريات المباحثات بين الرئيس بايدن والإسرائيليين نجد ان اقصى ما سعى اليه بايدن هو حماية المصالح الأمريكية والصهيونية وإعادة تفعيل دور الإدارة الامريكية في الشرق الأوسط والحفاظ على الوضع الراهن السيئ جدًا بالنسبة للفلسطينيين ومنع تفاقمه للحيلولة دون انهيار السلطة التي من المهم بقاؤها واستمرار دورها في إطار اتفاقيات التنسيق الأمني والمشاركة في تحقيق الاستقرار المطلوب في المنطقة.

بدون مواربة أو خجل اعلن الرئيس يايدن صراحة عن رغبة الإدارة الامريكية في دفع عجلة التطبيع العربي مع إسرائيل واستكمال عملية دمجها في المنطقة بشكل أوسع عبر التوصل إلى اتفاقات أمنية وعسكرية واقتصادية ( نيتو عربي ) على حساب القضية الفلسطينية والأمن القومي العربي ربما يقوده كيان الاحتلال لمواجهة ما يسمى كذبا بالتهديدات الإيرانية في الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط ولهذا يبقى الأمل معقود على الجماهير والشعوب العربية التي عليها التحرك من أجل إفشال وتحطيم هذا الحلف قبل ولادته.

في المقابل غادر بايدن وترك سلطة رام الله في توقيت حساس مكشوفة تعيش حالة من الإرباك والتفكك والعزلة السياسية في ظل وضع صحي مضطرب لرئيسها واحتدام الصراع على خلافته إضافة الى تدهور الأوضاع الداخلية والخوف من انهيار كامل وشامل للسلطة مع عدم قدرتها على نشر سيطرتها على مناطق عديدة في الضفة الغربية ناهيك عن استمرار استباحة قوات الاحتلال للمدن والقرى والبلدات الفلسطينية ( المؤامرات الصهيو أمريكية منذ زمن بعيد تهدف الى عزل القضية الفلسطينية عن عمقها العربي ومحيطها الإسلامي من أجل الاستفراد بها وتصفيتها ).

العديد من المحللين والمراقبين أكدوا بان الرئيس بايدن يعمل وفق أجندة اللوبي الصهيوني المعدة مسبقا من اجل استهداف المقاومة وشطب الحقوق الفلسطينية عن الخارطة السياسية الدولية وتعزيز سياسة التطبيع بين الدول العربية والكيان الصهيوني وتطويرها عبر بناء تحالفات لا تخدم سوى مشاريع الاحتلال ومخططاته بهدف وقف تراجع شعبيته المتصاعد جراء غلاء الأسعار والتضخم الأميركي وتعويض الطاقة الروسية وتحديدًا النفط والغاز عشية الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي في تشرين القادم ( أي رهان على دور أمريكي نزيه هو بيع للأوهام من جديد ).

ما سمى إعلان القدس الأمريكي الإسرائيلي الذي يقضي بالتزام واشنطن بأمن إسرائيل وتفوقها العسكري النوعي حرف بوصلة الصراع وغير طريق المواجهة من تل ابيب الى طهران أشد الداعمين للقضية الفلسطينية وللمقاومة تحت ذريعة منع انشطتها المباشرة أو عبر حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي وعدم السماح بامتلاكها سلاح نووي وهو تأكيد فاضح على السياسة الأمريكية المنحازة للاحتلال والمبنية على شراكة التواطؤ بين واشنطن وتل ابيب في مواصلة الاعتداء على الفلسطينيين وسلبهم حقوقهم.

كما اظهر لإعلان المشترك حقيقة الموقف الأمريكي الراعي والداعم لإجرام الاحتلال وحماية واشنطن للمصالح الصهيونية وتجاهلها لما يرتكب من تهويد للقدس وابتلاع للأرض الفلسطينية وبناء للمستوطنات وعمليات القتل والتهجير المستمرة بحق أبناء الشعب الفلسطيني وكأننا امام صورة مصغرة من صفقة القرن التي رسمها الرئيس الأمريكي السابق ترامب.

المطلوب فلسطينيا في ضوء ما جرى العمل على توحيد الموقف الفلسطيني الوطني من خلال انتخابات شاملة ومصالحة حقيقة بالإضافة الى تفعيل كافة الجهود والطاقات لمواجهة أي استهداف للقضية الفلسطينية ومشروعها المقاوم الذي ارعب الكيان الإسرائيلي في معركة سيف القدس عام 2021 مع الثقة التامة بأن هذه الأحلاف والمخططات مهما تعاظمت لن تثني المقاومة الفلسطينية الباسلة في الدفاع عن ارضها وشعبها وفي نفس الوقت لن تحمي إسرائيل وحلفائها على المدى البعيد من الانهيار والزوال وأن خيار الجهاد والمقاومة سيظل الخيار الوحيد في التعامل مع هذا الكيان الغاصب الذي سيبقى جسماً غريباً تنبذه الأمة العربية والإسلامية وجميع أحرار العالم.

نتائج زيارة بايدن وتصريحاته كانت متوقعة ومعلومة مسبقا للشعب الفلسطيني خاصة في سعيها المتواصل لشرعنة الاحتلال وتأمين المصالح الأمريكية وأمن كيان الاحتلال التوسعي والإجرامي ومحاولة إدماجه في المنطقة عبر بناء تحالفات يكون جزءاً منها لفرض هيمنته على ‏الدول العربية المشاركة والسيطرة على مقدراتها وتحويلها الى درع يحميه للانتقال من مرحلة التطبيع المشؤوم إلى التحالف الموثوق الا ان ذلك سيبقى على الدوام محل رفض شعبي وسيكون مستقبله الفشل.

الرئيس بايدن ساهم خلال زيارته الى إسرائيل ومن حيث يعلم في الترويج للرواية اليهودية الكاذبة والاستماع للأساطير الصهيونية المزيفة حول ظروف ومجريات الصراع العربي الإسرائيلي وحقوق الشعب الفلسطيني التي قدمت بأسلوب يتناقض كلياً مع الحقيقة والتقدم العلمي والحضاري وحتى الديمقراطية التي يحاولون زورا إضفاءها على صورة الكيان البشعة.

خلال لقاء بايدن مع عباس قدم رزمة من الوعود الكاذبة للفلسطينيين حيث تحدث عن رغبة واشنطن في العمل على تحريك الملف السياسي ودعم حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من دون ممارسة أي ضغوط على حكومات الاحتلال والسؤال هنا عن أي دولة فلسطينية قادمة يتحدث الرئيس الأمريكي بايدن وأين ستكون بعدما أعطت الإدارة الأمريكية الجانب الإسرائيلي كل الدعمٍ المالي والسياسي والعسكري والاقتصادي للغطرسة والتمادي في تهويد الضفّة الغربية والقدس المحتلة بحيث لم يعد معقول الحديث عن حل الدولتين في ظل ما قامت وتقوم به الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من تغيير شامل للوضع التاريخي القائم.

امام كل ذلك من حق الفلسطينيون القانوني والانساني مواجهة العدوانَ الاسرائيلي ومشروع تصفية قضيتهم وحقوقهم المشروعة بكل أدوات النضال والكفاح وعلى رأسها المقاومة المسلحة مع ما يتطلب ذلك من تعميق لإرادتهم وتعميم لوعيهم بضرورة ترك المراهنة على الإدارة الأمريكية ومغادرة مربع أوسلو والاستعداد للتصدي لهذهِ الهجمة الشرسة واهداف هذا التحالف التطبيعي الاستعماري الخطير وصولا الى تحرير كامل التراب الفلسطيني وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

من الواضح ان مسألة تعميق التبعية العربية لأميركا وزيادة اختراقها للأمن القومي العربي من خلال استدراج مزيد الدول المطبعة لدمج الكيان معها أصبح من أهم المخاطر التي باتت تتهدد المنطقة على حساب اشغال الأمة بصراعات جانبية ضد بعضها او ضد قوى المقاومة وأعداء إسرائيل وأمريكا الجدد مما سيمهد الى تخلي الدول ذات العلاقة مع إسرائيل عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة لصالح تبني فكرة يهودية الكيان الخالصة.

للحقيقة والمصداقية هذه الإدارة لا تختلف نهائيا عن الإدارات الأمريكية السابقة وبايدن لن يخرج عن الخط السياسي لمن سبقه من الرؤساء الأمريكيين وجميع المشاريع الأمريكية التي جاء بها بايدن تهدف في الاساس إلى شطب القضية الفلسطينية وحق العودة وتقرير المصير وشرعنة الاستيطان والصمت على جرائم الاحتلال والملف الفلسطيني يأتي في أسفل الهرم بالنسبة لأجندة اهتمامات بايدن خلال جولته هذه بالنظر إلى قضايا رئيسية يحملها في جعبته أبرزها ملفي الطاقة والنفط والسعي لتشكيل حلف عربي – إسرائيلي معادٍ لإيران باي طريقة.

لقاء بيت لحم القصير جدا ظهرت فيه تصريحات امريكية على طرفي نقيض كانت منحازة وعنصرية لصالح إسرائيل وفي الجانب الاخر تعاملت باستهتار وعدم اهتمام مع مطالب الشعب الفلسطيني على مبدأ لا شيء محرّم ولا محترم ظنا من بايدن بان القاء اللوم على الضحايا والهروب من المشكلات يمكن ان يلغيها.

ختاما ان إبقاء مصير ومستقبل القضية على كف عفريت تحيط بها النتائج المخيبة للآمال سوف يفاقم المخاطر والمشاكل والتحديات ويزيد من منسوب العنف وتصاعد العمليات الانتقامية والانتحارية بعدما فقد الفلسطينيون كل امل ورجاء في الحل المنشود وهم كالمستجير من الرمضاء بالنار يلهثون خلف السراب الأمريكي المخادع عبر السنين بلا اي نتيجة تذكر.


mahdimubarak@gmail.com