الموقف العروبي المشرف للشيخة مي ال خليفة

 


معالي الشيخة مي بنت محمد ال خليفة سيدة بحرينية منحدرة من العائلة الحاكمة حميدة الشمائل مثقفة وصلبة نفتخر ونعتز بمواقفها المشرفة حيث ظلت في كل المواقع التي شغلتها والأزمات التي عايشتها منسجمة مع نفسها وقناعاتها واقعية وعادلة لا تحب التدليس والمجاملات ولا النفاق والتخدير او شعارات التمويه والتعمية سعت بكل جد ومثابرة وبكل ما في هذه المفردة من عمق وشمولية ودلالة لإظهار بلدها مملكة البحرين على خريطة العالم بأجمل وابهى صورها الثقافية والتراثية 
 
الوزيرة ال خليفة من أوائل القيادات النسوية الوطنية الحرة ذات المواقف المشهودة في البحرين حيث ابت النكوص واقتربت من الحق والحقيقة والواقع  تعتز كثيرا بعروبتها وتراثها الحضاري الإسلامي حيث كانت على الدوام ترفض كل ما يجري من احتلال وعدوان على فلسطين وقضيتها وشعبها وتقف منافحة ضد شرعنة الوجود الصهيوني المؤقت على ارضها المغتصبة بالاعتراف المتبادل وتطبيع العلاقات المشتركة لأنها ترى في ذلك اختراق للأمة في ثقافتها وقيمها واقتصادها فضلا عن إعطاء الاحتلال غطاء رسمي مرن لمواصلة غطرسته واجرامه وهي بهذا الموقف الشجاع تعبر عن السواد الأعظم من أهل البحرين الشعب الوطني العروبي الأصيل المتمسك بفلسطين قضية وارض وشعب والرافض للتطبيع المجاني ودمج الاحتلال في المنطقة

 
نشأت الشيخة مي وتربت وتأسس ووعيها وفكرها في بيت قومي الهوية يؤمن بدعم ومؤازرة القضية الفلسطينية العادلة وينادي بحمايتها من الاستعراض والمزايدات والمتاجرة خاصة في وقت يتنكر معظم العالم لمظالم الشعب الفلسطيني المستمرة وتضحياته المتواصلة ويفرط بحقوقه التاريخية في أرضه وتقرير مصيره مقابل دعم ومكافئة كيان الاحتلال لعنصري وقبول سيطرته الكاملة على أرض فلسطين والاعتراف بالقدس عاصمة لدولته اليهودية المزعومة التي تمهد للمساس بالمسجد الأقصى وتهويده
 
الحياة تعني عندها وقفة عز وكرامة ولحظة صدق وشهامة حجمها أكبر من المنصب والجاه والنفوذ ولم تغير قناعاتها وعقيدتها الراسخة اتجاه القضية الفلسطينية ورفض التعاطي كليا مع كيان الاحتلال واعتبار التطبيع خيانة للدين والوطن والضمير والشرف والانتماء حيث شكلت بمواقفها هذه نموذج حي ومشرف للماجدات البحرينيان والعربيات اللواتي أعلن مرارا وتكرارا مساندتهن للقضية الفلسطينية في مواجهة موجة التطبيع المستشرية في المنطقة وتحديدا في هذا الزمن الصعب الذي تضيق فيه حريات التعبير والرأي وتفتح على مصارعها أبواب السجون و المعتقلات لكل مخالف او معترض
 
إقالتها المفاجئة يوم الخميس الماضي 21 تموز الجاري من منصبها في رئاسة هيئة البحرين للثقافة والآثار صدرت اثناء جولتها الخارجية في دول البلقان والبانيا وبدون التطرق صراحة إلى حيثيات القرار وقد جاءت بعد أيام قليلة من رفضها للتطبيع مع إسرائيل الذي عبرت عنه برفضها مصافحة السفير الإسرائيلي لدى المنامة ( إيتان نائيه ) في مجلس عزاء خاص أقامه السفير الأميركي ( ستيفن بوندي ) في منزله في العاصمة البحرينية بمناسبة وفاة والده على اثر ذلك خرجت من منزل السفير الامريكي وطلبت من السفارة الاميركية عدم نشر اي صورة لها في مجلس العزاء ( تخيلوا كيف أصبح من يعارض التطبيع متهم لا مكان للشرفاء الاحرار في بلادهم )
 
الكيان الإسرائيلي سبق له دعم ترشح الوزيرة مي لمنصب الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية 2021 رغم أنها رفضت لقاء أي من المسؤولين الإسرائيليين الذين زاروا البحرين منذ بدء خطوات التطبيع على خلاف الوزارات والهيئات الأخرى لاتها كانت ترى ان التطبيع والتحالف مع الصهاينة خيانة وان رفضه المطلق مزروع في جينات الكثيرين من العرب والمسلمين
 
خلال عمل الشيخة ال خليفة في الإعلام والثقافة لأكثر من 20 سنة اعتبرت شخصية رائدة في المشهد الثقافي والفني العربي في مجال الثقافة والفنون والتنمية المستدامة وقد تم تصنيفها عام 2005 ضمن النساء الخمسين الأكثر تأثيراً في العالم العربي من قبل مجلة فوربس كما حققت إنجازات كبيرة في مجال الثقافة المحلية حيث حافظت على البيوت التراثية القديمة وانقدتها من الهدم وحولتها لمراكز تراثية ووضعتها ضمن اهم المواقع السياحية في البحرين 
 
قبل التطبيع بسنوات تم نشر مجموعة خرائط لإحياء المنامة اضيف اليها حي جديد باسم ( الحي اليهودي ) أطلق كبالون اختبار لتهيئة الشعب البحريني للتطبيع القادم بالادعاء المزيف بأن اليهود كان لهم تواجد في البحرين وكانت لهم أحياء ومن حقهم استرجاعها وقت رفضت وقتها الشيخة مي ذلك وبينت ان اليهود المتواجدين في البحرين لا يتعدى عددهم ٤٠ شخص وهم من ٣ عائلات فقط هي ( نونو و روبين و خضوري ) أتت من العراق خلال الحرب العالمية الثانية 
 
 الطائفة اليهودية في المنامة وعلى طول السنين بقيت منعزلة ولم تندمج في المجتمع البحريني ومعظم ابناؤهم من الشباب هاجروا للخارج وبقي كبار السن وستنقرض هذه العائلات الثلاث بموتهم اما الكنيس اليهودي الوحيد في البحرين فهو مغلق بسبب عدم وجود اعداد كافية من اليهود لتأدية الصلوات فيه وقد تم مؤخرا تعيين عدد من اليهود البحرينيين سفراء وأعضاء في مجلس الشورى 
 
بعد توقيع اتفاقيات التطبيع رفضت الشيخة مي وباصرا كبير السماح لمستثمرين يهود من أميركا بتهويد أحياء قديمة في العاصمة البحرينية ابتداء من باب البحرين وشارع المتنبي وصولا الى الكنيس اليهودي الواقع في شارع صعصعة بن صوحان بالمنامة القديمة او تشييد حي يهودي جديد تظهر فيه كتابات ولوحات إرشادية باللغة العبرية مع رسم لنجمة داوود على المباني تستقبل السياح من باب البحرين حتى الكنيس اليهودي المهجور
 
في إطار مواجهاتها الشرسة للمحاولات الصهيونية المكشوفة استضاف مركز الشيخ إبراهيم الذي تديره الشيخة مي في تشرين الثاني عام 2021 المؤرخ والمفكر اليهودي ( إيلان بابيه ) في ندوة ثقافية طرح خلالها أن الحل المستقبلي المنشود للقضية الفلسطينية الذي يتمثل في إلغاء الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني لفلسطين وهو ما شكل ضربة قوية لجهود التطبيع وتوسيع علاقات كيان الاحتلال الإسرائيلي باعتبارها مخرج من مخرجات صفقة القرن المشؤومة
 
الكثيرين من ابناء البحرين الشرفاء شاركوا في التظاهرات الشعبية الغاضبة والمنددة باتفاقات التطبيع كما تفاعلوا بحماس بالغ مع الحملة الواسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن رفضهم المطلق تطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال من خلال نشر وسم ( الصهاينة غير مرح بهم وكل ذرة من ترابنا ترفضكم وتتبرأ منكم ومن المطبعين معكم ) 
 
خطوة الشيخة مي الشجاعة تمثل شعب البحرين الاصيل وتأتي في ظروف عربية دقيقة وحساسة تتسم بالتردي الرسمي المتناقض مع متطلبات الشعوب عبر التوقيع على صكوك الاستسلام والتسليم للكيان الصهيوني لتبييض وجهه البشع والإقرار بسياساته العنصرية القذرة في قتل وتهجير الفلسطينيين أصحاب الأرض الاصليين وتدمير المدن والقرى والمدارس واقتلاع الأشجار ومواصلة بنا المستوطنات بقبضة القمع والوحشية المفرطة
 
التطبيع الصهيوني مع بعض العرب تخطى المعقول والمقبول واصبح الركن الأساس للسيطرة الإسرائيلية ومن أهم أركان استراتيجيات لكيان الاحتلال التي ينتزع بواسطتها مصالحه بالتدرج وهو من أخطر المعارك بالنسبة لنا نحن العرب لأنه يشكل تهديد استراتيجي هدفه تصفية القضية الفلسطينية وتفكيك الدول والبلدان العربية الأخرى على أسس قبلية وجغرافية وطائفية ومذهبية وإثنية متناقضة ومتصارعة ليصبح الكيان أكبر قوة إقليمية استعدادا لمرحلة الحصول على الشرعية والاعتراف بالرواية الصهيونية وزرعها في عقول الشباب العربي باختراق الجانب المعنوي والنفسي عندهم وضرب مناعتهم عن طريق التطبيع  الاقتصادي والتربوي والثقافي والسياحي والرياضي وغيره
 
 
الموقف العروبي النبيل ( العملي والجريء والحاسم ) الذي اتخذته الوزيرة مي بعدما تزايدت الوجوه العربية المتصهينة التي تتحدث بلسان عربي وهي تقدم الرواية والسردية الصهيونية بنسخ متعددة تستهدف نفي الحقوق الفلسطينية وتزييف الحقائق التاريخية يعبر من جديد عن أصالة الشعب البحريني صاحب التاريخ المشرف والمجيد والتزامه بقضية فلسطين ومناهضته لكل أشكال التطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني رغم الحملات المتواصلة ضد  المعارضين والرافضين للتطبيع

بضميرها الحي ودينها الحق وعروبتها الوثابة ووطنيتها الغيورة وطُهر الرسالة التي تؤمن بها وصواب الرؤية وبصمة الإنجاز والسجل الناصع لم ترضى الشيخة مي ال خليفة السير خلف القطيع معصوب العينين وهي التي كانت تردد في  وعي شباب الأمة ان ( الثقافة فعل مقاومة وسلاح ووسيلة وهي الحصن الأخير للدفاع عن الشعوب ) لتضع بموقفها البطولي والمتميز العرب والعالم أمام صورة جديدة من صور الحقيقة الناصعة بانحيازها للإنسان الفلسطيني الضحية والتأكيد على حقه في الحياة والحرية مقابل كيان الاحتلال والة البطش والقتل والدمار التي يزداد ثباتها وتماسكها وقوتها بالتواطؤ الدولي عبر محاولات تسويق الصهيونية ودمجها عربيا وغض النظر عن ارهابها وجرائمها الوحشية المتصاعدة
 
لقد اثبتت معالي الشيخة مي قبل ان تخسر منصبها وتحتل قلوب الفلسطينيين وشرفاء الأمتين العربية والإسلامية واحرار العالم ان القيمة الحقيقية للإنسان لا تكمن في أي موقع رسمي أو وظيفة عمومية أو خاصة يشغلها بل تكمن وتبرز في الموقف وجوهر الانتماء للكلمة التي لا تعرف الصمت أو الحياد او الانقياد أمام ضجيج ( اللاعدالة الإنسانية وصراخ الضحايا ) في متاهات الموت الاستعماري الطويل 

نرفع القبعات عاليا للفارسة العربية النبيلة معالي الشيخة مي ال خليفة الرئيسة السابقة لهيئة البحرين للثقافة والآثار ونضع اوسمة الشرف ونياشين الفخار على صدرها ونحيى نبضها العروبي الأصيل ونعاهدها ان تبقى محفورة في ذاكرة الأجيال القادمة كبطلة وشاهد على التاريخ بعدما كسبت نفسها ودخلت سجل المحبة والتقدير والرفعة رغم انف كل المطبعين والمتخاذلين في هذا الوقت الذي تواجه فيه فلسطين اخر الهجمات الصهيونية لتصفية القضية وسلب ما تبقى من عروبتها وارضها المقدسة 
 
ختاما نزجي ألاف التحيات العطرة المطهمة بمشاعر الاجلال والاكبار والاعتزاز والشكر والامتنان الذي يليق بوطنية الشيخة مي وموقفها الأصيل والشجاع وهي ترفض ان تلمس يدها الطاهرة الكريمة ( يد القتلة النجسة والمحتلين الملوثة ) بدماء النساء والاطفال والشيوخ والشباب كتعبير وطني صادق منها برفضها التعاطي الكلي مع كافة سياسات التطبيع القائمة على الهوان والرضوخ والاستسلام ليبقى ديدن الشرفاء من.امثالها مطرز في قاعدة الحكمة الذهبية ( ان الوفاء للأوفياء والذل والعار للأدعياء ).

mahdimu.barak@gmail.com