اين عزلة روسيا التي تحدث عنها بلينكن؟..
الراشح في سجل لقاءات والزيارات التي قام عليها الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين ووزير خارجيتة سيرغي لافروف مع نظراء دوليين من الصين الى اندونيسيا وعواصم آسيا، وصولاً لأفريقيا، والاتفاقيات الاقتصادية بعشرات مليارات الدولارات خلالها، خرج وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن ليعلن عزمه الاتصال بالوزير لافروف، وهو يواصل معزوفة الحديث عن عزلة روسيا، ليسأله أحد الصحافيين عن كيفية الجمع بين الاتصال بلافروف والحديث عن العزلة؟.. وفي ذات السياق فقد أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الأربعاء 27 يوليو / تموز 2022، أنه سيتحدث مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، للمرة الأولى منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، لكنه سيحصر المحادثة بأولويات من بينها الإفراج عن موقوفين أميركيين..
القرار الأميركي بالخروج عن سياسة مقاطعة روسيا تحت ضغط الفشل في الرهان على السقوط السريع لروسيا، لم يستطع بلينكن إخفاء علاقته بمصير المرتزقة الأميركيين الذين شاركوا في حرب أوكرانيا، المحتجزين لدى روسيا، رغم محاولة تغليفه باتفاق تصدير الحبوب، والإشارة الى فشل روسيا في الحرب، رغم الاعتراف بحجم ضغط أزمة الطاقة على أوروبا، التي قد تكون سبباً لقرار واشنطن الانفتاح على موسكو، لكسر جدار الجمود وفتح قنوات البدء بالبحث عن مخارج من الحرب، التي تتقدّم خلالها روسيا عسكرياً، بينما انتقل التأزم الاقتصاديّ المصمّم لروسيا إلى الضفة الأوروبيّة التي لا تبدو قادرة على مواجهة تحديات فصل الشتاء، وتحتاج من الآن لبدء التمهيد لنزول غربي عن شجرة التصعيد بوجه روسيا...
تُعد المواجهة الروسية-الغربية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا مجرد فصل من فصول مواجهة ممتدة، وكانت بدايات هذا الفصل مع انهيار الاتحاد السوفيتي، 1991، وتحولت معظم الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي أو تلك التي كانت تنتمي إلى الكتلة الشرقية خلال الحرب الباردة إلى المعسكر الغربي، سواء بالانضمام إلى حلف "الناتو"، أو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وكان عام 2004 لحظة فارقة في تاريخ الاتحاد؛ حيث انضمت إليه عشر دول دفعة واحدة، كان معظمها من دول الكتلة الشرقية، وخلال الفترة من 1999 إلى 2020 انضمت 14 دولة من الجمهوريات السوفيتية ودول أوروبا الشرقية إلى حلف الناتو...
وفي المقابل، ومع وصول الرئيس، فلاديمير بوتين، إلى السلطة، عام 1999، ثم فوزه بانتخابات 2000 و2004، سعى إلى فرض هيمنته الكاملة على كل مقدرات الدولة السوفيتية، السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، واتجه للحفاظ على ما أسماه حدود "الاتحاد الروسي"، ولو بالقوة إذا لزم الأمر. وخلال ولايتيْه: الأولى والثانية، انفجرت "الثورات الملونة" في عدد من الجمهوريات السوفيتية السابقة (جورجيا، أوكرانيا، قرغيزستان)، وأعقبتها انتخابات أفرزت نخبة سياسية وفكرية جديدة أقرب إلى الفكر الليبرالي الغربي. وهو ما اعتبره بوتين "مؤامرة أميركية" للنفاذ إلى مناطق النفوذ الروسي، وتعامل معها باعتبارها تهديداً خطيراً ليس للدولة الروسية فقط من الناحية الاستراتيجية، ولكن بنفس القدر له شخصيًّا ولنظامه، الذي أسَّس شرعيته عبر قدرته على فرض النظام داخليًّا، ومحاولة إعادة الاحترام خارجيًّا لروسيا، وإعادة دورها كقوة عالمية عظمى،.. لذلك بدأ بوتين في إثارة القلاقل الداخلية في أوكرانيا، عام 2004، ودخل في حرب ضد جورجيا، عام 2008، ودعم انفصال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن أراضيها...
ولذلك، وبداية من منتصف عام 2021، بدأت روسيا في حشد قواتها العسكرية على حدودها الغربية بالتزامن مع حشد عسكري أميركي - أوروبي في أوكرانيا؛ حيث قدمت واشنطن لكييف 2.5 مليار دولار من المساعدات العسكرية منذ 2014، بما في ذلك 450 مليون دولار، عام 2021،كما شاركت كييف في مناورات أميركية وسمحت بنشر صواريخ أميركية على أراضيها واستقبلت الآلاف من الجنود الأميركيين،وهو ما دفع بوتين للمطالبة عدة مرات بضرورة تخفيف الحشد العسكري الأميركي بأوكرانيا لعدم وجود مبرر له، كما أعلنت كييف عدة مرات رغبتها في الانضمام لحلف "الناتو"؛ الأمر الذي وصفه بوتين "بالخط الأحمر" الذي لن يسمح بتجاوزه...
وقدمت روسيا، نهاية العام 2021، وثيقة "الضمانات الأمنية" التي رفضتها واشنطن، فبدأت روسيا في التلويح باستخدام الأداة العسكرية عبر تنفيذ مناورات عسكرية في 19 فبراير/شباط 2022 قد أشرف عليها بوتين شخصيًّا، وفي 22 فبراير/شباط 2022 أعلن بوتين الاعتراف رسميًّا بجمهوريتي "لوغانسك" و"دونيتسك" -المعروفة باسم "إقليم دونباس"- الانفصاليتين،كما أعلن تدخله لمساعدة الانفصاليين في تلك المنطقة، فجرى الإعلان عن العملية العسكرية الروسية "المحدودة" كما وصفها بوتين، في 24 فبراير/شباط 2022، باسم "الدفاع عن دونباس...
اعتمادا على ما قدمت اليه ، وماذا تريد الولايات المتحدة الوصول اليه في اوكرانيا ، وهنا لا بد من الوقوف على حقيقة مفادها بأنه يتنازع في الولايات المتحدة بشكل تقليدي تياران فكريان يملك كل منهما تصورات لدور الولايات المتحدة على الساحة العالمية ويقدم كل منهما وصفته لضمان بقاء أمريكا على قمة النظام الدولي لأطول فترة ممكنة،.. هذان التياران هما الانعزاليون والدوليون، لكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001، ربما وجهت ضربة مؤلمة للتيار الأول (الانعزاليون) وأوصت بدور أكبر للولايات المتحدة على الساحة الدولية من باب حفظ أمنها، وليس فقط هيبتها...
وقدر الخبراء أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 6.4 تريليون دولار إجمالاً على جميع جهود "الحرب على الإرهاب" ،..لكن الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة ثبت خلالها جميعا أن واشنطن قد وضعت رهانات خاسرة، ففشلت في القضاء على حكم طالبان في أفغانستان، أو أن تأتي بنظام "طِيِع لواشنطن" بالعراق،..
وفى حرب أوكرانيا التي تدعمها الولايات المتحدة بقوة، ربما أيضا تراهن فيها على الجانب الخاسر، لاسيما وسط الاستغاثات المتتالية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التي يطالب فيها بمزيد من الأسلحة ويتحدث عن خسائر بلاده الميدانية أمام الجيش الروسي...
القيصر اللينيني الجديد مصمم على قبضتة على اوكرانيا، وهو مشروع يراه حيويا للأمن الروسي من خلال توفير حصن ضد الغرب، والذي نجح في نسجه برواية محلية قوية لأمة روسية محاطة بشكل غير عادل بقوات الناتو المعادية .. بوتين فرض استراتيجية مكبر الصوت لمن لا يسمع... الصراع على النظام الدولي .. البداية من اوكرانيا..
صفوة القول ...
يبدو ان العم بايدن قد خانتة خبرتة السياسية ومآلات الحروب بعد التطور الذي اصبحت عليه القوات الروسية وتكنولوجيا صواريخ الفرط صوتية الاستراتيجية الفضائية ..الحل يا عم بايدن اظهار وجه جديد في اوكرانيا بديلا عن الممثل زيلينسكي والاتفاق مع بوتين على البديل والحوار الجاد لان الغرب سوف يخسر كلما طال امد هذه الحرب المسعورة...
لقد توخي بايدن الحذر بشأن وخز القيص بوتين علانية خوفا من عواقب التصعيد مع روسيا المسلحة بقوة نووية مدمرة للغاية، بحيث لا يمكن المخاطرة بها، حيث تمتلك روسيا ثاني أضخم جيش في العالم وفقا لمعايير القوة التقليدية، لكن ترسانتها النووية هى الأضخم على وجه الأرض وتضم أكثر من 6 آلاف قنبلة ، إضافة إلى القوة العسكرية الهائلة لروسيا، فإنها تمتلك ميزة أخرى في أي حروب مستقبلية مع حلف الناتو، هي أنها أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، تزيد عن 17 مليون كم مربع، ما يمنح جيشها قدرة هائلة على المناورة خلال العمليات الدفاعية والهجومية، الامر الذي حدى بوزير الخارجية الامريكي طلب الاتصال مع لافروف لبدء حوار هادف لانهاء هذه الحرب لانها اخذت باوروبا الى حافة الانزلاق الاقتصادي .. لقد تورطت أوروبا لخيار التصعيد ضد روسيا، وارتضت أن تكون ساحة الحرب الامريكية مع روسيا..والسؤال: أين عزلة روسيا التي تحدث عنها بلينكن؟..
وفي الختام نرى بأنه لا رابح في الحرب فالسلام هو الحل لجميع المشاكل بين شعوب الارض...