قصيدَة "قَبَسٌ مِنَ الهِجرة"
قصيدَة "قَبَسٌ مِنَ الهِجرة"
بِلادُهُ سَكَنَتْ في غَورِ مُهجَتِهِ
يُحِبُّ كَعبَتَها وَالرّملَ والشَّجَــرا
لكِنْ على مَضَضٍ والدَّمعٌ مُنسَكِبٌ
لمَّا استَبَـدَّ بِها جُهّالُهـا هَجَــرا
قَد كانَ فيهِم من الأَشرافِ أَشرَفَهُمْ
وَكانَ فيهِمْ إِذا قيلَ النَّدى قَمَرا
وَكانَ أَصدقَهمْ إِنْ قالَ ما جَحَدوا
لَو قالَ جَيشٌ سَيغزوكُمْ وقَد حَضَرا
حَتّى إذا قال يا قَومي أُحبُّ لَكُمْ
أَنْ تَعبُدوا اللهَ لا نَجماً ولا حَجَرا
ثارَتْ حَفيظَتُهُمْ في كُفرِهِمْ مَرَدوا
إِلا قَليلاً ويا بُؤسَ الّذي كَفَرا
وَظَلَّ يَدعوا إِلى دِينِ الهُدى زَمَناً
آذوهُ لكنْ هُوَ الهادي الّذي اصطَبَرا
وَالمُؤمِنونَ بِهِ ما بَينَ مُضطَهَدٍ
يُصارِعُ المَوتَ أَو بالسَّوطِ قَد مُطِرا
فَكانَ في يَثرِبٍ مأوىً وَمُنطَلَقٌ
وَالِّدينُ مِنها إلى كُلِّ الدُّنا انتَشَرا
وَجاءَ مَكَّةَ بالفَتحِ العَظيمِ وَقَد
عَفا عَن القومِ ما جازى وَما ثَأَرا
بِالعَدلِ وَالدِّينِ أَحيا أُمَّةً نَهَضَتْ
مِنَ الجَهالةِ وَالظُلمِ الّذي هَدَرا
فَسادَت الكَونَ ما أَبقَتْ شَريعَتَهُ
نِبراسَها أَبدَاً والسَّمعَ والبَصَرا
مُحَمَّــدٌ شَمسُنا نوراً وَفَيضَ هُدَىً
مُحَمَّــدٌ قَمَـرٌ لَـو لَمْ نَجِـدْ قَمَــرا
يا سَيّدَ الخَلقِ قَد أَزْرى بِنا نَفَـرٌ
يُزيِّفونَ إلى مَوروثِكُمْ أَثَـرَا
هُمْ أَبعَدُ الخَلقِ عَن أَخلاقِكِمْ وَلَهُمْ
في سوقِ كُلِّ فَسادٍ مِخلَـبٌ ظَهَـرا
المالُ بُغيَتُهُمْ وَالحُكمُ مَطلَبُهُمْ
أَضحَتْ مَعيشَتُنا في ظِلِّهِمْ كَدَرا
قَد أَصبحوا خِنجَراً في ظَهرِ أُمَّتِنا
وَلاؤُهم لِلعدا ما عادَ مُستَتِــرا
قَدْ يوثِقُ المَرءُ قَولاً كانَ يَحذَرُهُ
واللهُ يُنطِقُهُ كَي يَقطَعَ الحَذَرا
فَلا السُّكوتُ عَن الظُلّامِ يُبعِدُهُمْ
وَلا الكَلامُ لَعَمريْ يَقلِـبُ القَدَرا