الأردن ومسّاحات الإصلاح.. إلى متى..؟!

 


ثمة عمل حثيث متسارع يدفع بقوة للرجوع إلى الوراء، وثمة مراكز قوى تضغط من أجل مسح أي بوادر حقيقية نحو الإصلاح وسحق منجزات كانت إلى مدى بعيد شاهدة على جهد الأوائل من بناة الوطن وحماته، ويبدو أن الأوضاع اليوم سائرة بإصرار نحو مجهول مخيف، وما من أحد مدرك مع الأسف لما تفعله ثلة طارئة هبطت على مؤسساتنا بقوة رفع وإنزال أرض جوي مدعوم بأدوات وأصابع لا تريد بالوطن ولا بالأردنيين خيراً..!

الحديث اليوم يجب أن يكون مختلفاً، والنفاق اليوم يجب أن يختفي، وعلى صاحب القرار أن يسعى إلى زج المنافقين بالسجون بنفس القدر الذي يسعى فيه لإنجاز عملية إصلاح حقيقية، باتت تتقهقر بفعل المطبات التي يضعها أمامها منتفعون وانتهازيون وأصحاب مآرب ومناصب، وأولو أجندات شيطانية. فما عاد من الممكن السكوت على تجارب فاشلة، ومسؤولين أدخلونا ب "الحيط" بتعمد وإصرار واستكبار، فيما هم يظنون أنهم يحسنون صُنعاً..!

نخاطب الملك لأنه رأس السلطات في الدولة ورمزها، ولأنه المآل وصاحب السلطان والقرار، ولأنه مًنْ يكلف الحكومات ويقيلها ويقبل استقالاتها، ولأنه ممثل الشرعية الهاشمية، أسّ الدولة وتاريخها وجذورها ودينها وقوميتها العربية، ولأنه الملك ابن المالك الخالد في الضمير والوجدان وصحائف الدولة والتاريخ، ولأنه من أهل العترة المباركة التي لا تُبارَى ولا تُجارَى ولا تُوارَى، نخاطبه بكل حرف من حروف لغتنا وبكل درجة من درجات خوفنا على وطننا، وبكل مشاعر الحب والحدب بأن يستمع إلينا نحن الشعب، وأن يتوقف عن الاستماع إلى مَنْ أدخلونا بالحيط منذ أكثر من عشرين عاماً..!

أوضاع شعبك ليس بخير يا صاحب التاج، وعمليات الإصلاح ومؤشراته كلها تراجعت تراجعاً مخيفاً، وكل الخطط والمواثيق والأجندات والاستراتيجيات التي دُبّجت من عشرين سنة إلى اليوم لم تعدو أن تكون حبراً على ورق، وحتى أوراقك النقاشية الرائعة التي دبّجتها بقلمك وفكرك، ذبحوها من الوريد إلى الوريد رغم أنهم يتغنّون بها في محفل وأمام كل جمع..!
المصلحون والصاحون والوطنيون أصبحوا في خانة الاتّهام والتغريد خارج السرب، وبعض مؤسسات الدولة باتت حقولاً لتجارب الطارئين والمتهوّرين من هواة الإدارة العامة، وقد فعلوا فعلهم وعاثوا في مؤسساتهم كما لو كانت حيازاتهم الخاصة، وألقمونا وألقموها السم الزعاف، دون أن يحرك أحد من أهل الحكمة والرأي والمشورة والعقلانية ساكناً، فقد أوهموا أصحاب القرار أنهم يُحدّثون ويبنون ويطوّرون فيما هم يهدمون وينقضون بنياناً أشاده الأولون بعرقهم ودمهم وإخلاصهم وانتمائهم..!

إنها زمرة، يا صاحب التاج، متآمِرة تقف في وجه كل محاولة إصلاح حقيقية جادّة، لأن الإصلاح عدوّها، ولأن مصالحها مرتبطة ارتباطاً عضوياً وثيقاً بحالة التراجع وصور الفساد، فالضوء يضرها، والنور الذي يتسلّل من بين أصابع المصلحين المخلصين يهدّد وجودها وحياتها، ولذلك كانت سلسلة الحروب التي شنّتها وتشنّها هذه الزمرة على كل مَنْ تجرّأ على قول الحق واستخدم لغة العدل والمنطق، وكشفَ سوءات المشهد المعقّد التي سوّدت حياة الأردنيين، وعاثت بهم فساداً وإغراقاً بالهمّ والدَّين والقلق والأرق والنزق والخوف على المسقبل..!

يا صاحب التاج، ورمز الدولة نرجوك أن لا تستمع إلى هذه الزمرة بعد اليوم، نرجوك أن تعمل فوراً على محاسبتها ومساءلتها عن كل صغيرة وكبيرة وكانت سبباً فيما آل إليه أمرنا، واستمع لصوت الإصلاح الحقيقي، للصادعين بالحق غير المنافقين وغير الطامعين وغير الخائفين وغير المتملقين، حتى لو لم يعجبك بعض حديثهم فهم الأصدق في النصيحة والأكثر انتماءً للوطن وحدباً على مصالحه ومصالح العرش والمواطن، تفكّر يا صاحب التاج فيما يقولون، وستجد أن كلامهم ونصائحهم هي السبيل المُمَهّد إلى طريق الخلاص والصلاح ورضا الله ورضا الشعب وطمأنينته..!

استمع يا سيدي إلى الأصوات التي يحاول المنتفعون والانتهازيون والمنافقون طمسها وخنقها، ستشعر أن في كل حرف فيها خوف على الوطن، وإصرار على إصلاح الخلل، ودعوة مفتوحة لحوار صادق بين الدولة والشعب، يعيد الثقة والألق بينهما، حوار مبني على الصدق والمصارحة والمكاشفة، ولا مكان فيه لتزلف أو تملق أو نفاق أو حتى مجاملة..!

يا صاحب التاج، لقد عانينا منذ أكثر من عقدين مما تفعله مسّاحات"بتشديد السين" الإصلاح في وطننا، ومما تفعله مسّاخات النهوض والتطوير، وآنَ الأوان لوضع النقاط على الحروف، وإسناد المهام والمسؤوليات إلى أهل الانتماء والصدق والأمانه والكفاءة، وهم كثر رغم ما رانَ عليهم من أغبرة بفعل الزمرة الفاسدة المفسدة، وندعوك اليوم أن تنظر إلى المشهد بعين فاحصة وأن تلتقط بحكمتك وحنكتك أدوات الإصلاح الحقيقية وتنتقي شخوصها بعناية، فالمشهد برمته أمامك، ويكفينا ما عانينا، وآن أوان العمل والبناء والتحديث الحقيقي بأدوات وشخصيات نظيفة عفيفة كفؤة صادقة مخلصة..