الدولة وحقوق الانسان والموت في حضن "قانون الطفل"

 

كتب زهير العزة - 

 بعيدا من ترف إهدار الوقت الذي يبدو أن البعض ممن يتصدرون المشهد الحزبي "الهجين" والسياسي والاعلامي والاجتماعي يحبونه، فإن من يتابع وسائل التواصل الإجتماعي في الايام الفائته يعتقد أن حربا كونية نشبت بين ليلة وضحاها ، فالحملات مستعرة والبيانات الحزبية والتصريحات الشخصية تتوالى من قبل هؤلاء الذين وجدوا وقتا يرفهون فيه عن أنفسهم ويملؤون وقت فراغهم ، وصعدوا في معركتهم بحيث كانت مواقفهم وكلماتهم تتميز بالحدة والقساوة بالهجوم على معارضي القانون وخاصة ضد الاتجاه الاسلامي ، والسبب هو مشروع قانون حماية الطفل.

فيما النار تشتعل في صدورالاردنيين المقهورين ، وبعيدا عن الشعبويات المدفوعة فواتيرها لحساب ما يسمى المجتمع الدولي ، فإن وجود قانون يحمي الطفل وأسرته "كاملة مكملة" هو واجب على الدول والافراد ، وعدم الحماية بكل مضامينها السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها تعتبر نقيصة بحق المجتمعات التي لا توفر الحماية لافرادها مجتمعين .

اليوم وفيما النارتشتعل في صدورالاردنيين المقهورين من كل شيء في البلاد ، ونشهد التركيز والتحشيد من قبل البعض في الحكومة واحزاب وشخصيات "مرتبطة" على ضرورة وضع قانون لحماية الطفل المطالب بإقراره من قبل الهيئات الدولية والسفارات الاجنبية وخاصىة السفارة الامريكية "حيث يصول ويجول السفير في كل أرجاء الاردن وكأنه رئيسا لوزراء البلاد" ، ما يجعلنا نستغرب حال واحوال هذه الفئة من الناس ، الذين وجدناهم قد حددوا وجهة معركتهم مع المجتمع بكل أطيافه مدعومين بآلة إعلامية حكومية وأخرى مدعومة من أجهزة ، من أجل الضغط على النواب لإقرار القانون ، وتناسوا في خضم هذه المعركة التي يخوضونها سرقة الاردنيين الموصوفة ، وإنهيار أحوال الاسرة بسبب فقدان العمل وتسرب الاطفال من المدارس بسبب فقرالاسرة ، والبطالة عند الشباب والشابات والجوع والفقر وما يرافق ذلك من امراض إجتماعية كالسرقات والانتحار والجريمة وانتشار المخدرات وإرتفاع معدلاتها إضافة لارتفاع معدل العنوسة والعزوبية ، وركزوا على الاهم من وجهة نظرهم بعيدا عن التفكير في مسار معالجة الأزمات الحقيقية ولا سيما المعيشية والحياتية والإقتصادية للأسرة الاردنية ، كما ابتعدوا او تجاهلوا معركة الحريات التي كفلها الدستور ولم تحترم من حكومات أو من قوى المنظومة المتحكمة بالقرار ، كما تناسوا ما يفعله تجار الأزمات وتفعله البنوك ومؤسسات الاقراض الصغير بحق المواطن العالق بين ملاحقة رغيف الخبز والوعود الحكومية بتحسين اوضاعه من جهة ، وبين العقد الدائم مع الفقر وخطه اللعين .

نفهم أن تقوم الحكومة بتقديم القوانين التي تراها مناسبة لخدمة الشعب او التي تتطلبها الاتفاقيات الدولية من اجل الحصول على ورقة حسن الاداء أمام المجتمع الدولي ، ونفهم أن تقوم الحكومة بعملية "شفط" للقوانين التي تعنى بالديمقراطية اوحقوق الانسان اوالعدالة الجتماعية اوالحريات العامة ، كما نفهم ان تحاول الحكومة تسويف المطالب الدولية التي تدعو الى احترام حقوق الانسان ، لكن ما لا نفهمه ان تقوم احزاب تقول انها ديمقراطية وتقدمية ، بالتسحيج على الطريقة" الدونكوشتية" للحكومة وللقانون ،على اعتبار ان المعارضين للقانون هم من فئة الكيديين او الاسلاميين الذين يرفضون الحداثة والتطور، وبالتأكيد هذا ليس صحيحا...

إن الخلاف على قانون حماية الطفل هي معركة حريات عامة لكل الاسرة وللأباء والاطفال والامهات بما يكفله الدستور ، ومعركة الدفاع عن الحقوق الديمقراطية ، ومعركة قيام دولة حقيقية قد يبدأ بناؤها من مجلس النواب ومن حكومات برلمانية منتخبة من الشعب ، وهو ايضا صراع مع منظومة تريد اخذنا نحو التخلي عن قيمنا وتراثنا واخلاقنا ، وهو صراع مع نفس المنظومة التي تتلحف بغطاء الغرب الذي يسعى الى تدمير كل ما له علاقة بنضالنا من اجل تحرير اراضينا المحتلة.المعركة هي على كامل منظومة الحريات وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، فالمعركة ليست مع الدين وليست مع تعاليمه ، المعركة بين من يريدون دولة قابلة للحياة وبين من يريدون دولة تترك لتموت ببطء.........