اعلاميون لهم الله !



الإذاعة الأردنية ، والتلفزيون الأردني ، ليسا مجرد وسيلة إعلامية ناقلة للخبر فحسب ، بل كان لهما دوراً بارزاً ومتميزا في تشكيل الوعي السياسي ، والإجتماعي ، والثقافي لدى كافه أطياف المجتمع ، أسهم في خلق إعلام متطور في نشر قيم الحرية ، والنزاهة ، والإخلاص ، وحب الوطن ، والإنتماء اليه ، والولاء لقيادته . لقد كان للإعلاميين في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ، الدور البارز في كافه المجالات الثقافية ، والإعلامية ، والسياسية ، والتاثير في الراي العام الذي يعكس نبض الشارع ، ويؤثر في الناس ، من خلال العلاقه التي توثقت بين المواطن والمذيع الأردني المتميز .

فالمذيع يعبر عن ضمير وجدان الأردنيين ، من خلال صوته الذي يصدح بالحق والحقيقه ، ينقل خطاب الدولة الأردنية ، وإعلام الوطن الحقيقي إلى المعموره ، بمهنيه وكفاءة ومسؤوليه عاليه ، وفق الهوية الوطنية الأردنية ، التي تنطلق من ثوابت الدولة الأردنية ، وبُعْدِها الوطني ، والعربي ، والاسلامي .

لذا فمهمة ووظيفة الإعلامي ، تختلف عن أي وظيفة من الوظائف الأخرى ، يتم إختياره تحت شروط ومعايير تفوق إختيار أي شخص على مستوى الدولة ، يتم إختياره من بين عشرات بل مئات المتقدمين ، ويخضع للتدريب لصقل مهاراته وتطوير قدراته ، حتى يكاد يكون من النخبة التي تعد على أصابع اليد ، ليدخل بعد ذلك كل بيت يشاركهم جلساتهم ويمتلك قلوبهم ، يقدم لهم المعلومة والخبر والنصح والإرشاد ، ويدخل البهجة والمحبة والسرور على متابعيه ، في علاقة تقوم على الود والمحبة وكأن المذيع أصبح فرداً في كل أسرة يدخل بيتها ، كل هذا مقابل أجر لايختلف عن أجر أي موظف يعمل في القطاع العام ، غير أنه يتكلف زيادة على غيره ممن هم في القطاع العام بتخصيص جزء من راتبه لشراء الملابس ، وزيارة الحلاق مرةً في الأسبوع على الأقل حتى يظهر بالمظر الذي يليق بمشاهديه ، وقد يظن البعض لما يُعرف عن هذه المهنة من تميز صاحبها "المذيع" أنه وكما يقول الفلاحون " يعبئُ المال بالكريك " والواقع بعيد عن ذلك كل البعد ، غير أن إخلاصه ، وحبه لوظيفته تجعله لايفكر بمقدار مايتقاضاه من راتب شهري ، ويستمر بالعطاء والإخلاص لدرجة أنه قد يبيت لأكثر من يوم في الإذاعة أوالتلفزيون يستلقي فيه على الكنبه ، في الظروف الطارئة .

وتأتي الصعقة ، وينتابه الذهول والهذيان ، بعد أن تتم إحالته على التقاعد وهو في أوج عطائه ، وأنا أقول " الإعلامي لايهرم مادام قادراً على العطاء ، والدليل إستغراب متابعيه بإنهاء خدماته " وبدون أية مكافأة لنهاية الخدمة ، مقابل هذه الأعوام الثلاثين أوالأربعين التي خدمها مضروباً عند الناس بحجر كبير ، ويفاجأ براتب تقاعدي هو بالنسبة لأقرانه وزملاء دراسته راتب هو اقرب وصف له " فتات" .

في حين ينظر لبعض زملائه الذين درس معهم في المدرسة او الجامعة ، وأُحليوا على التقاعد ، يمنحون مكافأة نهاية الخدمة تصل 150 ألف دينار أو 30 ألف كما هو في وزارة التربية والتعليم ، "وأتابع عن قطاعات غير التربية " وراتب تقاعدي لايقل عن ألفي دينار وأمتيازات لأبنائة في القبول والدراسة المجانية والإعفاءات ، وقد يتم تكريمه في الأعيان أومجالس الإدارة أو المؤسسات الاخرى وغيرها ، علماً بأننا لم نر مذيعاً مبدعاً تمت مكافأته بأي من هذه المواقع كغيره .

ويَنْظرُ الإعلامي " المذيع " إلى نفسه وماضيه ، ليقول : ( ضاع عمري دون أن أرسم مستقبلي ) ، وخير مثال : الزميل العزيز الإعلامي الكبير الأستاذ إبراهيم شاهزاده الذي تجرأ وبث على الملأ ضيق حاله ليمثل صورة حقيقية لجميع زملائه الإعلاميين وهو مدير عام، فكيف بغيره من المذيعين والمعدين والمحررين وحتى الممثلين والفنانين في الإذاعة والتلفزيون فهم أصعب حالاً وأشد معاناةً .

نتمنى إنصاف الإعلاميين الذين لايقلون أهمية عن حماة الوطن ، في الدفاع والذود عن حياضه .


* الكاتب مدير إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية السابق