لماذا استثنت الحكومة تلفزيون المملكة من مشروع تطوير وتوحيد مؤسسات الاعلام الرسمي؟
كتب أحمد الحراسيس -
لا يمكن لأحدنا أن يعترض على الاصلاح، أيّا كان نوعه؛ سياسي أو اقتصادي أو اداري، لكن المهم، هل نحن حقّا أمام اصلاح؟! أم أننا أمام مشهد استعراضي لا يحقق أي تقدّم على الإطلاق؟! هل سنشهد إزاحة ايجابية بعد انجاز "خطة الإصلاح" المزعومة؟ أم أننا سنشهد مزيدا من التراجع والتداعي وربما الانهيار الشامل؟!
مؤخرا، عقد رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة مؤتمرا صحفيا، رافقه فيه عدد من أعضاء حكومته، ليُعلن عن خطة تحديث القطاع العام، والاجراءات التي ستتخدها الحكومة من أجل تطوير أداء المؤسسات العامة، فيما بدا أن نتائج معظم القرارات التي جرى الإعلان ستكون عكسية!
وزير التخطيط والتعاون الدولي، الدكتور ناصر الشريدة، والذي تولّى مهمة شرح تفاصيل عمليات دمج الوزارات والمؤسسات الحكومية، قال إنه سيتم إنشاء "وزارة التواصل الحكومي"، حيث سيتمّ نقل ارتباط وكالة الأبناء الأردنية "بترا” والتلفزيون الأردني إليها، وإعادة هيكلتهما خلال عام واحد.. والسؤال هنا عن أهمية مثل هذا الإجراء؟ وأين التطوير الذي سيضمنه نقل ارتباط المؤسستين إلى هذه الوزارة المستحدثة، خاصة وأن هاتين المؤسستين ترتبطان فعلا بوزير الدولة لشؤون الإعلام، إلا إذا كان الهدف هو "إعادة هيكلة" المؤسستين فقط!
نفهم الفكرة من دمج المؤسسات الإعلامية الرسمية معا، إذا كان لدى الحكومة خطة لتوحيد الخطاب الرسمي وتطويره، لكن التوحيد يستلزم دمج جميع مؤسسات الإعلام الرسمية وعدم استثناء أيّ منها، فلماذا يتمّ استثناء قناة المملكة من هذه الخطة؟! هل هذه المؤسسة خارج صلاحيات الحكومة؟ أم أنها خارج فكرة التحديث الإداري؟!
استثناء "قناة المملكة" من الدمج يكشف عن مزاجية حكومية في التعامل مع المؤسسات الرسمية الممولة من الخزينة، خاصة وأن تجربتها فشلت تماما، وكان الأجدر بها عدم المسّ بالمؤسسات الإعلامية إن لم تكن قادرة على فرض رؤيتها على كافة المؤسسات، وأما استثناء مؤسسة لأنها فوق سلطة الحكومة، أو أن الديوان الملكي يدعمها، وعلى قاعدة محمد يرث ومحمد لا يرث، فهذا لن يُثمر عن أي تطوير أو تحديث.
نتساءل اليوم عن الفرق بين التلفزيون الأردني وغيره من وسائل الإعلام الرسمية وعلى رأسها قناة المملكة، فالمراقب لا يجد فرقا إلا في "المؤثرات البصرية" وحجم رواتب العاملين في "المملكة" وما دونها من وسائل اعلام رسمية، وأما المحتوى فهو واحد؛ كلّها "ماكينات" تعمل لصالح السلطة ضدّ المجتمع، وتغيّب الرأي الآخر بل وتشيطنه، ولا تحظى بثقة الشارع..
قناة المملكة اليوم باتت نسخة رديئة من الإعلام الرسمي الذي صار أداة لتلميع الحكومات وتسويق سياساتها ونهجها الذي يقودنا نحو الهاوية، ومن ذلك محاولات تسويق وترويج مخرجات "لجان الاصلاح" وآخرها لجنة تحديث القطاع العام!
الحقيقة أننا لم نجد أي توصية أو قرار يتعلق بتحديث القطاع العام حاز على دعم المواطنين وتحديدا أصحاب العلاقة والمصلحة والاختصاص في المجالات المختلفة؛ غالبية التربويين يحذّرون من دمج وزارة التربية بالتعليم العالي، وكذلك رأى أكاديميون أن مثل هذا الاجراء لن ينجح وأنه غير سليم، وقد طرحوا تساؤلات عن الفائدة المرجوّة من دمج هاتين الوزارتين؟! ما هو التطوير الذي ستُحدثه مثل هذه الخطوة؟! أليس الأجدر أن يكون لدينا وزير أكاديمي متخصص بالتعليم العالي وآخر تربوي متخصص بشؤون التعليم العام؟!
وتعلن الحكومة عن إلغاء وزارة العمل وتوزيع مهامها على الوزارات الأخرى، فيهبّ أصحاب المصلحة والعلاقة بهذه الوزارة ليكشفوا عن كارثية مثل هذا القرار، وأثره السلبي على سوق العمل وعلى العاملين في القطاع الخاص، وما تشكله مثل هذه الخطوة من انسحاب وتخلّ حكومي عن حضورها في سوق العمل.
وتعلن الحكومة عن دمج وزارة النقل بالأشغال، وكأن مشكلتنا خلال العقد الأخير في قطاع النقل قد حُلّت، وكأن الوضع الحالي للقطاع يحتمل وجود وزير غير متخصص -كما هو حال الوزير الحالي- أو يحتمل وجود وزير لديه من المشاغل في متابعة المشاريع ورسم السياسات ما يمنعه من القيام بمسؤولياته تجاه قطاع النقل!
إن ما جرى الإعلان عنه من خطط تزعم الحكومة أن من شأنها تحديث القطاع العام، ما هي إلا وصفة للانقلاب الكامل على الادارة العامة الأردنية وما تحقق فيها من منجز عبر المئوية الأولى من عمر الدولة، وهي وصفة لكسر العامود الفقري للدولة والبيروقراطية الأردنية، وهي الحلقة الأخيرة من مسلسل تفكيك واضعاف الدولة ومؤسساتها.
إذا أرادت الحكومة فعلا تحديث القطاع العام وتطويره، فالوصفة حاضرة ومعروفة، هناك هيئات مستقلة تستنزف خزينة الدولة، وقد وُجدت ومازالت موجودة خدمة للمتنفذين وتلبية لرغبات بعض الحالمين، وليس على الحكومة إلا دمجها وإلغاء معظمها، وإذا أرادت اكمال المهمة على أفضل وجه، فعليها بتغيير شاغلي الوظائف القيادية الذين جيء بهم في سياق الترضيات وشراء الولاءات، وتعيين أصحاب الكفاءة من أبناء تلك المؤسسات، والتوقف عن سياسات تطفيش الكفاءات والاحالات على الاستيداع والتقاعد المبكر، والاستفادة من أصحاب الخبرات بدلا من التوسع في احالتهم على التقاعد كما جرى خلال السنوات الخمس الأخيرة.