بيلوسي اشعلت معركة زعامة العالم من تايون.. هل تعرضت الصين لهزيمة مذلة؟.. هل هو نصر مكلّف للولايات المتحدة الأمريكية؟..
كتب احمد عبدالباسط الرجوب - غادرت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي البالغة 82 عاما تايوان من على متن طائرة حربية الى وجهتها الثانية الى اليابان ، يوم الأربعاء 3 آب / اغسطس 2022 ، بعد أن تعهدت بالتضامن مع تايون وأشادت بديمقراطيتها، تاركة خلفها موجة من الغضب في الصين بسبب زيارتها القصيرة للجزيرة التي تعتبرها بكين جزءا لا يتجزأ من أراضيها...
وخلال زيارتها القصيرة لتايبيه، أكدت رئيسة مجلس النواب الأميركي تضامن بلادها مع تايوان، مشيرة إلى أنه "مهم الآن أكثر من أي وقت مضى"، كما عبرت عن شعورها بالفخر لوجودها في تايبيه ، وأبلغت بيلوسي رئيسة تايوان بأن واشنطن تعهدت قبل 43 عاما بالوقوف إلى جانب تايبيه وأن زيارتها تؤكد على ذلك وقالت إن وفدها جاء إلى تايوان ليوضح بما لا يدع مجالا للشك أن الولايات المتحدة لن تتخلى عنها..
لنقرأ معا الى اين تتجه الامور في مساريها في رحلات الصراع على زعامة العالم من اوكرانيا الى تايون ونفتح نوافذها وفقا لقرأتي على نحو كما يلي:
(1)
استفزاز بيلوسي.. الرد الصيني
لقد كان استفزاز بيلوسي فوضويا إلى حد ما، غير معد وغير محسوب. وكان لرحلتها العديد من الدوافع الشخصية، والمغامرة، والتهور، وهي سمة تتنامى واصبحت مألوفة في السياسة الخارجية الأمريكية. ومع ذلك، فإن الزيارة تنسجم تماما مع الخط الاستراتيجي للمؤسسة الأمريكية، لتدمير المنافس الاستراتيجي متمثلا في الصين. ولا عجب أن الجمهوريين أيدوا الزيارة بالكامل، بمعنى أنه لا يمكن القول إن كل ما حدث ما كان ينبغي أن يحدث..
وللتذكير بأن هذه الزيارة ليست الأولى من نوعها تؤديها شخصية سياسية أميركية على هذا المستوى، فقد سبق للرئيس الأسبق لمجلس النواب الأميركي، نيوت غنغريتش، أن زار تايوان عام 1997 من دون أن تثير زيارته ردود أفعال على المستوى نفسه من الحدّة ،.. وهو ما يفسّر لماذا بدا رد الصين على زيارة غينغريتش منذ ربع قرن أقلّ حدة من رد فعلها على زيارة بيلوسي منذ أيام. أما اليوم فالوضع مختلف تماما، فلا الولايات المتحدة اليوم هي نفسها ما كانت عليه عام 1997، وكذلك الأمر بالنسبة للصين، وما كان يمكن للصين قبوله أو التغاضي عنه عام 1997 لم يعد كذلك عام 2022.
وفي ذات الاتساق تعتقد الادارة الامريكية بأن كل من الحرب في أوكرانيا، وزيارة بيلوسي إلى تايوان هما خطوتان في هذا الاتجاه، حيث تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إثارة الحرب، ويفضل أن تكون بالوكالة، إلا أنها لن تتوقف إذا ما تطورت الحرب إلى المشاركة المباشرة. وعلى العكس من ذلك، فكلما طال تأجيل المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جانب، وروسيا والصين على الجانب الآخر، كلما زاد احتمال فوزهما، حيث تضعف الولايات المتحدة كل يوم، وقد بدأ اقتصادها بالفعل في الانزلاق نحو الهاوية..
يبدو للوهلة الاولى بأن بكين كانت تتجه إلى الرد العسكري، بالتزامن مع وصول بيلوسي إلى تايوان، وعبور مقاتلات صينية عبرت مضيق تايوان وهو ما أفادت قناة "سي جي تي" التلفزيونية الرسمية، بأن "مقاتلات صينية من طراز Su-35 تعبر مضيق تايوان" تزامنا مع الزيارة.. فقد أعلنت بيجين عن سلسلة من التدريبات العسكرية بالذخيرة الحية حول الجزيرة رداً على الزيارة وهو ما اعلنت عنه القيادة الصينية إنها ستجري "مناورات بحرية وجوية مشتركة في الأجواء البحرية والجوية الشمالية والجنوبية الغربية والجنوبية الشرقية". وستشمل تدريبات جوية وبحرية مشتركة في شمال وجنوب غرب وشمال شرق تايوان، وإطلاق نار طويل المدى في مضيق تايوان، وإطلاق صواريخ في البحر شرق تايوان وحسب الإحداثيات التي نشرها جيش التحرير الشعبي الصيني، ستجري العمليات الصينية في بعض الأماكن على بعد 20 كيلومترا فقط عن الساحل التايواني..
وفي اطار تحرك بيجين الاقتصادي ضد تايبية فقد أوقفت الصين صادرات الرمال الطبيعية ( رمل السيليكا) إلى تايوان (الذي تصنع منه الدارات الإلكترونية المتكاملة والألياف البصرية) فضلا عن وقف استيراد بعض الأسماك والفواكه من الجزيرة يوم الزيارة ، وجاء في بيان صادر عن وزارة التجارة الصينية إن هذه الخطوة تستند إلى أحكام القانون ذي الصلة..
(2)
حلبات الصرع الامريكية .. اوكرانيا - تايون
في سياق كهذا، من المشروع أن نتساءل بشأن حقيقة الأسباب التي حدت بنانسي بيلوسي للإقدام على خطوة تدرك يقينا أنها ستسفزّ الصين، رغم التعاظم المستمر في مكانتها الدولية، وفي وقت يشهد فيه العالم حربا كونية مشتعلة بالنار على الساحة الأوكرانية، وتكاد القوى الدولية الكبرى تكون منخرطة فيها بشكل أو بآخر، وهو سؤال يبدو لي أقل إلحاحا من السؤال المتعلق برد الفعل الصيني، والذي بدا لي في الواقع أقل مما كان متوقعا..
وللتذكير فإنه عقب الانقلاب الأمريكي في أوكرانيا، عام 2014، فقد عانت روسيا زهاء 8 سنوات من القصف المدفعي الأوكراني اليومي على دونباس، وجرائم الخطف على الأراضي الروسية، والاستفزازات على الحدود من قبل أجهزة الأمن الأوكرانية. " لكن واشنطن تمكنت في النهاية من إشراك روسيا في الصراع "، وعلى خلفية الهجوم الوشيك للقوات الأوكرانية على دونباس، اضطر بوتين إلى اتخاذ تدابير لتقليل القدرة الأوكرانية على القتال، ومنع الاستيلاء على دونيتسك وفي الوقت نفسه، وكما نرى أمامنا، وعلى الرغم من الاضطرار لشن عملية عسكرية في أوكرانيا، فقد جمّد بوتين الصراع عمليا، حتى عاد تقريبا إلى نفس مستواه من حيث الأعمال العسكرية التي استمرت 8 سنوات في دونباس،فهو يلعب على الوقت، ما يسمح للغرب أن يزداد ضعفا..
(3)
صفوة القول..
1. في الاستنتاج الجيوسياسي و بناء على قدمت اليه، فإن زيارة بيلوسي إلى تايوان هي الجولة الأولى من الصراع حول من له الحق في تحديد أين ومتى تبدأ الحرب الأمريكية الصينية، وبشكل مباشر أو بالوكالة..
2. في تقديري، يصعب على أي مراقب محايد أن يصدّق مقولة أن لا شأن لإدارة بايدن بزيارة بيلوسي، أو أن هذه الزيارة جرت لأن لكل مواطن أميركي الحق في زيارة أي بلد يشاء، أو أنها لا تعكس تغيرا في السياسة التي تنتهجها كل الإدارات الأميركية تجاه الصين منذ زيارة نيكسون الشهيرة اليها عام 1972. لذا من الطبيعي والمنطقي افتراض وجود قوى سياسية في الداخل الأميركي سعت ودفعت إلى القيام بهذه الزيارة التي يعتقد أنها حظيت بتغطية سياسية ضمنية من إدارة بايدن، وهو ما تعتقده الصين، ويبدو أنها تصرّفت على أساسه..
3. برأينا .. الصين لم تخسر، بل انتصرت في تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية وقد فوتت الفرصة على الاخيرة . وعلى الرغم من أن خسارة السمعة هو أمر غير سار قطعا، إلا أن النصر في الحرب نفسها أكثر أهمية، وكلما تأخرت الصين في دخول هذه الحرب، كلما كان أفضل..
4. يبدو أن الصين بدأت تدرك الآن أن الوقت لم يعد في صالح عملية الدمج بالطرق السلمية، خصوصا في ظل ممارسة الولايات المتحدة سياسة مزدوجة توحي رسميا بأنها تؤيد وتدعم "صين واحدة"، لكنها فعليا تقوم بكل ما من شأنه مساعدة تايوان على الانفصال. لذا اعتقد هنا بأن الصين أصبحت منذ الآن، خصوصا عقب زيارة بيلوسي، مهيأة وجاهزة لاتباع نهج جديد في التعامل مع الامريكان بخصوص تايون..
5. بالإضافة إلى تضامن وتعبئة الصين ضد الولايات المتحدة كما أسلفت، فإن هناك، في رأيي المتواضع، نوعا من السيناريوهات التي ستتحقق ذاتيا في المستقبل، عندما تبدأ أوساط الأعمال التجارية من كلا الجانبين، انتظارا للعقوبات المتبادلة، في تقليص حجم العلاقات التجارية الأمريكية الصينية.. وعليه فإن انخفاض الإمدادات الصينية لن يؤدي سوى إلى تسريع نمو التضخم في الغرب أكثر مما هو عليه بالفعل، كما سيسرع ذلك من خروج الأموال الصينية من السندات الأمريكية، ومن المحتمل أن تتسارع وتيرة بسط السيطرة الصينية على تايوان..
(4)
ختاماً ..
باختصار، يسير كل شيء حتى الآن في إطار التوقعات المحتملة، بينما تقترب الحرب الصينية الأمريكية تدريجيا، ومع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن الاقتصاد الأمريكي سيتعرض لصدمات هائلة العام المقبل، أعتقد أن الاستفزازات الأمريكية ستزداد، فلم يعد لدى واشنطن وقت للانتظار، وتعتقد بانه يجب عليها الإسراع..
لقد ابتعدت السيدة بيلوسي عن لفت الأنظار أثناء زيارتها الى تايون مما كان لها أمرًا مهمًا في هذا الإطار بشكل خاص، وهو ما شمله ايضا الحد من الأحداث العامة المجدولة وتقليل الاتصال بالصحافة إلى الحد الأدنى.. وكان من الملاحظ بان بيلوسي كانت حذرة أيضًا في الإدلاء ببيانات عامة حول وضع تايوان، وهو ما يتماشى مع الخط الرسمي لإدارة بايدن بشأن تايوان..
لم يصدر عن الإدارة الأميركية الحالية ما يفيد بأنها أوحت للسيدة بيلوسي أو شجعتها على هذه الزيارة، بل أصدرت بيانات وتصريحات رسمية تؤكد أنها زيارة لا تعكس أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه قضية تايوان، وأنها ملتزمة رسميا بسياسة "صين واحدة"، وأن أي إدارة أميركية لا تستطيع، في جميع الأحوال، منع أي مواطن أميركي، - فما بالك إذا كان هذا المواطن رئيسا لمجلس النواب -، من زيارة أي بلد يريد. لكن السياسات الامريكية متقلبة المزاج ومن المحتمل أن نشهد محاولة للاعتراف باستقلال تايوان بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية في وقت لاحق من هذا العام أو العام المقبل.. وعندها الله وحده العالم الى اين تتجه حافة الكون.. عذرا على الاطالة..