مدارس في المفرق تحاصرها المكاره والمخاطر والضوضاء


 حياة الدبيس- "مدرسة لا سور فيها ولا ساحة ولا ملعب، وإذا هبت الريح فلا حاجز يحول   دون وصول  الغبار  والأتربة و الروائح الى الغرف الصفية اثناء الحصص" ،  هكذا تصف أم خالد (42 عاما)، حالة مدرسة المفردات المختلطة في قضاء البادية الشمالية بمحافظة المفرق.

ابناء المنطقة لا يملكون  بدائل و خيارات فلا مفر من تسجيل ابنائهم في هذه المدرسة ، رغم افتقارها للمرافق الآمنة والصحية، فهي المدرسة الوحيدة  في  المنطقة والقريبة نسبيا من قريتهم الوادعة ..


يشتكي السكان ومن بينهم أم محمد، من رداءة حال المدارس في منطقة المفردات التي تحولت إلى مركز للمزارع الحيوانية قرب المساكن والمدارس، فحديثا تم إنشاء مزرعة لتربية الدواجن من دون الأخذ بالاعتبار أن المنطقة سكنية وباتت تضم 1326 نسمة، بحسب آخر إحصاء في عام 2015.

بالرجوع إلى الاستراتيجية الوطنية للصحة المدرسية 2018 - 2022 نجد أن حال بعض مدارس منطقة المفردات، لا يتطابق مع شروط البيئة المدرسية من حيث : قربها من الشارع الرئيسي و مصادر  الضجيج و المكاره صحية  ، وقرب  بوابتها الرئيسية من الشارع الرئيسي. 

بالاستناد إلى الاستراتيجية الوطنية، تؤكد تقارير جودة التعليم الصادرة عن وزارة التربية والتعليم ضعف توفير بيئة صحية وآمنة للطلبة وصيانات مستمرة في مدارس البادية الشمالية، خصوصا المدارس الأساسية.


من هي الجهات المعنية ؟

تشترك عدة جهات حكومية بمسؤولية توفير الشروط الأساسية لاختيار موقع المدرسة والفحص البيئي لها، وتتم بالتشارك مع وزارة التربية والتعليم ومجلس اللامركزية والبلدية، ومن ثم تتم متابعة الفحص البيئي للمدارس بشكل دوري من قبل وزارة الصحة ومديرياتها.


يقول مدير قسم التخطيط في وزارة التربية والتعليم يوسف أبو الشعر، إن تحديد مواقع المدارس كان يتم في السابق حسب الحاجة المجتمعية والأولوية والتوافق، بعد التأكد من ملكية الأراضي المخصصة لوزارة التربية أو خزينة الدولة. أما في حالات الإيجار والاستملاك فيترك الأمر للحاكم الإداري.


وأشار أبو الشعر إلى اعتماد وزارته قبل ست سنوات قواعد محددة في اختيار المدارس وتصميمها. وفيما يتعلق بوجود مكاره صحية بجوار المدارس، فقد قال إن الأمر مسؤولية كل الجهات، بدءا من البلدية والمحافظة، مرورا بمديري المدارس ومجالس التطوير، ومن ثم المديريات والوزارة

تقول بلدية المفرق إن اختيار موقع المدرسة يتم بما يحقق الشروط الأساسية للبيئة المدرسية، بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم والمحافظة، بعد كتابة تقرير "السلامة العامة للموقع" من قبل البلدية والمحافظة.

 وعند السؤال حول التقرير الذي صدر بخصوص موقع مدرسة المفردات ومدارس أخرى موجودة على الشارع الرئيسي وأماكن تشكل خطورة، لم يتم التجاوب من قبلهم.

وبالنسبة لمديرية صحة المفرق، فقد قالت عبر ممثلها  الدكتور هاني عليمات إن اختيار موقع المدرسة ليس للمديرية علاقة به. وعن تقييمه لحال المدارس من حيث توفر البيئة الصحية الآمنة، فقد أشار عليمات إلى أن "جميع المدارس تقريبا نجد بها سلبيات منها الطارئة والمتوسطة والعادية وهناك ملاحظات في بعضها متعلق   بالسلامة العامة .. 

وعن دور المديرية، يقول عليمات إنها تقوم بدورها من خلال قسم الصحة المدرسية بتدوين المخاطر والسلبيات المتعلقة بالبيئة المدرسية، ومن ثم مخاطبة وزارة التربية والتعليم ومديرياتها لمتابعتها.

غياب الالتزام بشروط البيئة المدرسية في بعض المدارس كما نصت عليها الاستراتيجية الوطنية وتقرير البيئة المدرسية، يعود إلى "فزعة النواب والواسطة" في اختيار مواقع المدارس لخدمة أهالي منطقة معينة من أجل الانتخابات، أو خدمة صاحب الأرض، على حد وصف رئيس لجنة التعليم السابق في لامركزية المفرق خلف العظامات. أما الآن، فأصبح تحديد المواقع بطريقة مدروسة بعد استحداث "اللامركزية"، وفق قوله. 

ومن خلال متابعته لوضع المدارس في محافظة المفرق، يقول العظامات: "تم وضع ميزانية تصل 200 ألف دينار لكل مديرية، لصيانة المدارس وتم تحديد مواقع مدارس جديدة وغرف صفية، ولكن لم يتم الموافقة على جميعها رغم أن الموازنة تسمح بذلك، وتم طرح جزء منها، ولم يكن للامركزية سوى صلاحية واحدة وهي الموافقة على الميزانية".

أسباب أخرى مؤثرة على عملية تحديد موقع المدرسة تتمثل بتعاون إدارة المدرسة ، كما ترى المديرة التنفيذية لمبادرة "مدرستي" تالا صويص. وتقول "يكون الاختيار بحسب المكان، تعاون الإدارات المدرسية، طبيعة الفئة المستهدفة كالطلبة المعرضين للتسرب، المهمشين والمستضعفين" 

مدرسة الصالحية الواقعة على طريق بغداد الدولي، تتشابه هي الأخرى مع مدارس عديدة في المفرق من حيث عدم توفر البيئة الآمنة. تأتي خطورتها بسبب قربها من الشارع الرئيسي، وعدم توفر سبل الأمان التي من شأنها تقليل الضرر، إلى جانب العشوائية في القرارات السابقة لاختيار موقع المدرسة.


"أنا نفسي بخاف من الشارع"، تقول عهود المساعيد معلمة منذ 13 عاما في مدرسة الصالحية، مشيرة إلى أن خطورة الشارع تتمثل بسرعة السيارات العالية، بالإضافة إلى وجود تحويلة والشارع بمسربين، وذكرت أن طالبة في الصف الأول توفيت قبل ست سنوات بعد دعسها على الشارع.


 دور مؤسسات المجتمع المدنية

تعمل الجمعية الملكية للتوعية الصحية على تقييم المخاطر في البيئة المدرسية من خلال إجراء تقييم بواقع أربع مرات في العام الدراسي لعدد من المدارس، وإبلاغ الجهات المعنية عن أي أخطار

علاوة على ذلك، لدى الجمعية برنامجان لتحسين بيئة المدرسة من ناحية البنية التحتية والتثقيف الصحي للطلبة والكادر التعليمي والمجتمع المحلي، وهما:"المدارس الصحية" و"برنامج المدارس المعززة للصحة".


بموجب البرنامجين، تمنح الجمعية "شهادات اعتماد" للمدارس الملتزمة. شاركت 43 مدرسة في الفترة بين 2014 و2022 في البرنامجين (منها 20 مدرسة خلال هذا العام) وحصلت ثماني مدارس على الاعتماد "المستوى الذهبي"



بدورها، تطالب خزامى الرشيد من الائتلاف الأردني للتعليم بأن يكون اختيار مواقع المدارس بعيدا عن التلوث البيئي والأماكن الخطرة، "هناك طلبة تعرضوا لحوادث سير نتيجة لقربها من شوارع رئيسية"، تقول الرشيد.



مواءمة البيئة المدرسية لشروط الصحة والسلامة من شأنها تسهيل عملية التعليم، كما ترى المرشدة التربوية الدكتورة  أسيل الشوارب، وهناك نظريات تؤكد على أن البيئة الخارجية بمختلف الأماكن يمكن أن ترفع مستوى الإنتاجية سواء التعلم أو العمل، ومن المهم توفر صفات خارجية وداخلية للمدرسة، تطالب أسيل.



وزارتا الصحة والتربية والتعليم، والبلدية، واللامركزية، جميعهم مدركون للخطوات الواجب مراعاتها في اختيار البيئة المدرسية والتي تعتبر  املا من العوامل المؤثرة في نجاح المسيرة التعليمية للطلبة. إلا أن واقع المدارس في المفرق مغاير، وتدلل عليه نسب نجاح الطلبة في الثانوية العامة (23.1%) وهي أقل من معدل النجاح على مستوى المملكة والبالغ (36.6%).