الخواجا يكتب: تصريحات الخصاونة ونظرية الخروج عن القطيع



كتب د. ماجد الخواجا - 


ابتداء أرجو أن تتقدم جهة قانونية برفع دعوى ضد السيد رئيس الحكومة واتهامه بالتمييز العنصري عبر استخدامه في تصريحاته لكلمة الأسود كقرينة تدلّ على التشاؤم وسوء الشخصية وشيطنة من يتم وصفه بها، حيث أفاد في أحدث تصريحاته بأن هناك أقليّة تتسم " بالسوداوية ". وأرجو من المركز الوطني لحقوق الإنسان التعامل مع تصريحات الرئيس ووزرائه من خلال ما تتضمنه معايير حقوق الإنسان.

عودتنا الحكومات منذ فترة على مستوى متدني ورديء من الخطاب والتصريحات والتسريبات، خطاب مليء باللغو وحشو الكلام حوشي الألفاظ وفي أحايين يصل إلى درجة اللهجة الشوارعية، ليس هكذا يكون مستوى اللغة في الحد الأدنى لها المقبول من رئيس وزراء عندما يفترض أنه الطرف الملائكي النقّي البهّي المنتج الإيجابي، فيما هناك مجرد ( أقليّة) بلغة الخصاونة هي الفئة الضّالة السوداوية المنغلقة السلبية غير المنتجة على الطرف الآخر، طرف ينبغي تعنيفه وتأديبه وتوجيهه والذي طبعا سيقوم به الوصي على النهج والفكر والعقل، وهو السيد بشر الخصاونة.

إنها عقلية الوصاية على القطيع، عقلية حارس البوابة وحامي الحمى والطرف الذي يمتلك الحقيقة والسلوك القويم، إنها عقلية الراعي والرعية الذين عليهم الإنصياع لحركة وصوت السوط.

في تحليل بسيط غير معقّد لتصريحات رئيس الحكومة، وكما هو حال الأقلية السلبية التي يعلن عنها السيد الخصاونة في كثيرٍ من تصريحاته بأنها تتصف بالسوداوية وعدم الإنتاج والجلوس على الجدار فيما قطار الأغلبية يسير منطلقاً نحو الحياة والإنتاج بإيجابية.

السيد الخصاونة يرى أن هناك طرفين لا ثالث لهما في الوطن، أكثرية / أغلبية/ منتجة متفهمة متعاونة متجاوبة، وهذه هي التي تحترم ويتم التعامل معها بكل محبة وأريحية. فيما هناك أقليّة/ انتهازية، سوداوية، غير متعاونة ولا متجاوبة ولا منتجة، وسلبية، هذه الفئة المندسّة المحبطة والمثبطة، الجاهزة للنقد والتهجم والاندفاع بسوداويتها ضد منجزات الحكومات.

طبعا مثل هذه اللغة تعاطى معها كثيراً من الوزراء البشريون، ومنهم نائب الرئيس كريشان عندما اتهم عمان وأهلها بالسلبية أثناء ما سميت بالانتخابات النيابية والبلدية بسبب عزوف ( الأغلبية) عن التصويت. طبعا الأغلبية هنا يمكن تحويرها وتحويلها إلى أقليّة متجاهلة الحكومة معيارها الرياضي العددي في تحديد الأغلبية والأقليّة.

فيما جاء التأكيد على أن الحكومة تعتزم منح الشعب ( خمس رفعات ) ليست زيادات على الرواتب المتآكلة، بل هي زيادات على اسعار المحروقات. بل جاءت التصريحات الرسمية بكل صلافة وكأنها تقدم للشعب هدايا متتالية من الرفعات.

لست أريد أن أدخل في معايير السيد الخصاونة من حيث تعريف الأكثرية والأقليّة، فهل اعتمد على المعيار الكمّي العددي، أم النوعي، هل تم إجراء دراسات أثبتت أن الأغلبية مع قرارات الحكومات، هل أجريت دراسات أثبتت خصائص وسمات تتصف بها الأغلبية كصفة الملائكية والنقاء والإنتاج وبياض القلوب، وأظهرت سواد قلوب ونوايا الأقليّة وشيطنتها وأنها سلبية غير منتجة.

ما هي السلوكات المفترض القيام بها من أجل الحصول على شهادات الحكومة بالوطنية والإنتماء والولاء.

إن فرضية وجود فسطاطين، الخير والشر، الأبيض والأسود، الإنتماء والخيانة، الولاء والمعارضة، هي كلمات ومفاهيم عربية خالدة، حفرت عبر التاريخ أحافيرها في تبرير كل الشرور واقتراف كل الذنوب وتبني كل الكراهية، وتقسيم البشر ووصمهم بوسوم جاهزة جاعلة منهم مجرّد كائنات غير مرغوب وجودها والتعامل معها. هي التي أنتجت على مدار التاريخ الفتن والكوارث والحروب الأهلية والقبلية والقومية وغيرها من الموبقات التي تدثرت بغطاء أن هناك طرف ملائكي وطرف شيطاني.

إن السلطة حقا تصبح مفسدة عندما يتم افتراض أن الحقيقة ملكها وأن الوطن ملكها وأن الشعب ملكها وأن كل ما تقوم به هو الصحيح وهو واجب التقيّد به والتأييد له.

لقد ضاعت الاتجاهات واحتارت البوصلة، فلا شيء يمكن الركون إليه بأنه يعبّر عن الحقيقة، لقد أصبحنا هائمين على وجوهنا لا نعرف كيف نهرب من وهم القطيع إلى وجع التيه.

دولة رئيس الحكومة الملائكية الموقّر : جلّ ما نتمناه نحن المكتظون بالسواد، أن نبيت ليلة واحدة على حلم أبيض من قرارات الحكومات.