قراءة في قرار إعادة تدريس الفلسفة



تدريس الفلسفة يجب أن يقترن بإرادة حقيقية بالسماح بالمناقشة والقبول والرفض لأي رأي يتعلق في قضايا وطنية وعالمية وانسانيةمتعلقة بالحياة اليومية

قرار إعادة تدريس الفلسفة يؤكد أنه ما زلنا نضع العربة أمام الحصان وهذا سائر خططنا التطويرية على مستوى الدولة وما خطة الاصلاح للقطاع العام ببعيدة

ما من شك لا يوجد شخصا عاقلا يقف ضد تدريس الفلسفة التي أقرته لجنة الانسانيات في مجلس التربية والتعليم ضمن الاطار العام للدراسات الاجتماعية وبدءا من العام الدراسي 2024/ 2025/ للصف الحادي عشر وبعدها للصف الثاني عشر وضمن كتاب مستقل إضافة إلى تضمين مفاهيمها ومهاراتها ضمن المواد الدراسية للصفوف من الروضة حتى العاشر الأساسي ، ولا أعتبر ذلك فتحا عظيما كما يروج له المتنفعون لاسيما أن النظام التعليمي الأردني قد اعتمد تدرسيها منذ الستينيات هذا النظام الذي كان يتهمه من يطبل لقرار الإعادة الآن وكان يصف النظام التعليمي بأنه نظاما متخلفا، وأغرقوا في الوصف وشوه سمعة النظام التعليمي داخليا وخارجيا ، ويعدون الآن انفسهم هم من أنقذ النظام التعليمي من الهلاك بتأيدهم قرار تدريس الفلسفة ،.
إن ارهاصات تدريس الفلسفةلم تقف عند حد معين بعد إيقاف تدريسها في السبعينيات، واستمر الدعوة لتدريس مهاراتها، وكانت مخرجات مؤتمرات التطوير التربوي تؤكد علىيها من خلال توصيات ربط المعرفة بالحياة والتشجيع على تنمية مهارات التفكير بأشكاله المختلفة ومنها التفكير المنطقي الذي يشكل عنصرا مهما في دراسة الفلسفة ، إلا أن القائمين على إدارةالنظام التعليمي لم يفردوا لها مادة مستقلة، وأيضا ركز على ذلك قانون التربية والتعليم رقم (3) لسنة 1994 في أكثر من موقع حيث نصت فلسفة التعليم في المادة(3) من أسسها الفكرية على أن الإسلام نظام فكري سلوكي يحترم الإنسان ويعلي من مكانة العقل ويحض على العلم والعمل والخلق، وعلى ضرورةالانفتاح على الثقافات العالمية من جهة أخرى، والتكيف مع متغيرات العصر وتوفير القدرة الذاتية لتلبية متطلباته ، والمشاركة الايجابية في الحضارة العالمية وتطويرها، وأيضا في أسسهها الاجتماعية من حيث احترام حرية الفرد وكرامته، إضافة إلى ما ورد من أهداف للتعليم في المادة (4) وتركز معظمها على التفكير والاستيعات للحقائق والمفاهيم والحقائق والنظريات والعلاقات والظواهر وفهمها وتسخيرها لخدمة الإنسان وحل مشكلاته وتوفير أسباب سعادته، إضافة إلى الصريح على التفكير النقدي الموضوعي وإتباع الأسلوب العلمي في المشاهدة والبحث وحل المشكلات، وحتى تم التاكيد عليها في المادة (5) ضمن المبادىء العامة للسياسات حيث ورد توجيه العملية التربوية توجيهاً يطور في شخصية المواطن القدرة على التحليل والنقد والمبادرة والإبداع والحوار الايجابي ، وبالتالي فإن النقاش الدائر والتطبيل لتدريسها لا داع له إلا إذا كانت بهدف تسخيرها لخدمة أهداف محددة يبتغونها شخصية أو تنورية عقدية.

ومن هنا أرى أن تدريسها أمر في غاية الأهمية إذا توفرت له الشروط اللازمة لإنجاحها أو حتى بث مفرداتها ومهاراتها ضمن المواد الدراسية وهذا ما كنت أتمناه لضمان نجاحها في المرحلة الأولى وهي باعتقادا الأهم والأصعب من اعتمادها بشكل مادة مستقلة حتى يكون لها أثر ا كبير ا على تكوين النشء وتمكينه من مهارات ضرورية في ظل التطورات التكنولوجية والأفكار والطروحات والممارسات والقضايا الحياتة التي تحتاج إلى توظيف التفكير النقدي والابداعي الخلاق والنقاش والحوار في مواجهة لأن الطالب عندها سيعتمد على التحليل والتدقيق والنقد وإصدار الاحكام المبنية على الحكمة والمنطق والدليل، وخاصة في المراحل التعليمية المتقدمة والتي يتكون لدىه الوعي وتوظيف المنطق المبنى على المعرفة والتطور العقلاني والانساني نحو هذه القضايا ناهيك عن أهمية تجويد تعلم الطلبة وتحصيلهم عبر المراحل المختلفة والذي يساعدهم على التعامل مع مشكلاتهم الحياتية ويساعدهم على رسم خريطة الطريق لمستقبلهم والمساهمة في رسم مستقبل اوطانهم.

وعليه ولضمان نجاح تدريس الفلسفة علينا أن نتفق أولا أننا قد تأخرنا في إعادة تدريس الفلسفة أو تضمين مهاراتها ضمن مناهجنا وموادنا الدراسية ، ولكننا عدنا ولضمان عودة حميدة لا بد من نطرح تساؤلات عدة منها ، هل مجلس التربية ممثلا بلجنة الإنسانيات كان مدركا لمتطلبات النجاح في تدريس هذه المادة ؟ او هل يعتقد ان مؤشرات تخمة النجاح في المواد الانسانية الاخرى دفعت لاتخاذ هكذا قرار، أم اتخذ القرار ترفا ؟، أم أنه اتخذ القرار ورفع عن عاتقه المطالبات بتدرسها وبعدها ولتذهب الوزارة للجحيم وعليها تدبير نفسها؟ هل الوزارة والميدان التربوي مستعدون لضمان نجاحها؟ وهل الإطار الزمني الموضوع والمتمثل بعام دراسسي للبدء بها بعده تدريجيا للصفين الحادي عشر والثاني عشر، والتزامن بتدريس مفاهيمها ومهارتها ضمن الكتب من الروضة حتى العاشر الأساسي كافيا؟،فهذا الاطار من وجهة نظري غير كافا ولا ضامنا لنجاح تدريسها، وهو ضرب من الخيال إلا إذا كان سلقا،والأمر الآخر هل استعدت الوزارة لترجمة هذا الإطار ضمن كتب ومصادرتعلم داعمة ؟ وهل وضعت الأسس لاختيار مؤلفين من أصحاب الخبرة والوعي بفلسفة النظام التعليمية وسياساتة ومبادئه ومهارات إعداد المحتوى و واهدافة أنشطته ونتاجاته التي تعكس الفلسفة في إعداد الطالب الأردني للمستقبل، وما النتاجات المتوقعة من تدريس الموضوعات الفلسفية التي سستضمنها هذه المواد؟ هل ستم تناول تاريخ الفلسفة ونظرياتها ومدارسها وموضوعات المعرفة والعقل والعلم، وحقيقة الوجود، والمنطق والرياضبات والهندسة والجمال والاخلاق، والقيم ، أم ستكرز على على تعليم الطلبة الجدل والخطابة واستعمال بلاغة الكلمة في المرافعات والمناظرات الحجاجية والخطابية، أم التركيز على قضايا الإنسان والذات البشرية والاهتمام بالأخلاق والسياسة، أم ستتناول أي مسألة يمكن البحث فيها وتحاول الربط بين جميع العلوم لتصل لنتيجةٍ أو قانونٍ عامٍ شاملٍ تنطوي تحته وتُفسر به جميع الموجودات، أم تتناول أعلام الفلسفة من أرسطول وافلاطون وديكارت ، وابن رشد والفاربي ، وابن خلدون وغيرهم ، أم انها ستخضع للضغوط الاعلامية وأصحاب الإتجاه التنويري والإيدلوجيا المتطرفة لتفرغ سمومها من خلال المشاركة في التاليف أو الاشراف عليه لتبث قضايا أو غايات أو اتجهات أيدلوجية معينة أو توجهات معينة تتواءم مع المفرادات الدخيلة الفجة التي وردت في بعض مواد قانون حقوق الطفل والتي تجاهلها من قبل من دعم القانون وأورد أمثلة من مواد القانون لا خلاف عليها أبدا من اجل التضليل، مع العلم لا خلاف أيضا على ضرورة وأهمية وجود القانون نفسة، هذه قضايا هامة يجب أن تعيها اللجان التي ستكلف بالتصدي لتأليف الكتب المستقلة أو التي ستبث المفاهيم والمفردات والمهارات ضمن المواد الدراسية وهي الأخطر من وجهة نظري خاصة إذا كان اللجان من طيف واحد وهذا على المركز والوطني والوزارة التنبه لذلك وأن لا تقع بالمحضور بأن يتولى التأليف طيف أو تيار أو اتجاه واحد.

والأمر الأخر هل نحن جاهزون لتطوير مناهجنا في الصفوف من الروضة حتى العاشر من جديد لتضمين مفاهيم ومفرادات ومهارات الفلسفة وفق سياقا تعليميا هادف؟ لا سيمان أن الكتب تم تطويرها حديثا أو أننا ستوفر ملاحق منفصلة عن الكتب اوالمصادر والتي ستكون حتما غير متكاملة ولن تحقق الغاية منها، وهل لجنة الانسانيات تدرك أن الدولة والحكومة ستدعم الوزارة وتقوم بتوفير معلمون متخصصون بالفلسفة وقادرون على تدريسها في الصفين الحادي والثاني عشر في الوقت الذي نعجز فيه عن توفير معلمين لمواد الرياضيات والعلوم واللغات وغيرها بسبب العجز بالموزازنات والمخصصات المالية لتعيين الكوادر البشرية وفق جداول التشكيرت الوظيفية على الرغم من توفر هذا التخصص من خريجي الجامعات؟ أم تنظر إليها بأنها مادة يمكن للمرشدين التربويين أو معلمي مواد التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية لتدريسها فقط من أجل أن نقول أننا ندرس الفلسفة، أم ستعتمد على تصميم برامج تدريب لا تغني ولا تسمن من جوع ثبت لجميع عدم جدواها ولجميع التخصصات ؟ ،وكم وظيفة سترصد لتعيين متخصصين بالفلسفة في ظل هذا الواقع المتراكم للمشكلات من نقص معلمين في التخصصات المختلفة، وانتقال طلاب من المدارس الخاصة ،ووعدم توفر مدارس وارتفاع نسب المدارس المستاجرة وذات الفترتين، فلا أعرف إذا كانت اللجنة الكريمة تدرك ذلك؟ وما هي الأولية في توفير العناصر الأساسية لتطوير التعليم ، ووفي ضؤء كل ذلك هل تدرك اللجنة الكريمة كم سيخصص لتعيين معلمين من أصحاب تخصص الفلسفة في العام القادم؟ أم نركن أن مهارات الفلسلفة اصلا تم التدريب عليها ضمن برامج سابقة وكفى؟ مع أننا لم نفلح في تكمين المعلمين منها ولم تنعكس على المواقف التعليمية، وهذا الأمر أيضا يندرج على المعلمين في الصفوف من الروضة حتى العاشر الذين يدرسون المواد التي ستتضمن مفاهيم ومفرادات مهارات الفلسفة في مناهجهم وكتبهم، وهل ستحول المخصصات المالية لتدريب إلى تدريب المعلمين في هذه المرحة المراحل على موضوعات الفلسفة ، وإيقاف برامج التدريب الأخرى ؟ ، أم أن اللجنة الكريمة وضعت أليات لاستقطاب مؤسسات داعمة للتدريب داخلية وخارجية لحل هذه المعضلة ؟ .

إن قرار إعادة تدريس الفلسفة يؤكد لنا أننا ما زلنا نضع العربة أمام الحصان وهذا سائر خططنا التطويرية على مستوى الدولة وما خطة الاصلاح للقطاع العام ببعيدة عن ذلك والتي استبدلت عمليات التطوير للمؤسسات باعادة الهيلكة للمؤسسات الأم ،ونأت بنفسها عن هيئات استحدثت بدون أسس واقتطع لها أعمال من أعمال المؤسسة الأم بهدف التنفيعات والتي أضعفت عمل هذه المؤسسات، كما ألغت مؤسسات أخرى ودمجت أخرى دون تحليل عميق للمهام والمسؤوليات وهذا ديدن الحكومات المتعاقبة والذي تعودنا عليه أن حكومة جديدة تلغي ما قامت به حكومة سابقا وهذا ما سيحدث في الهيكلة الجديدة .

و أعتقد أن نجاح تدريس الفلسفة أو عدمة لا ينطلق مما طرحناه سابقا فقط بل في إرادة الإصلاح والتطوير الحقيقي المنشود، وقرارا بتدريس الفلسفة يجب أن يرتبط بإرادة حقيقية بالسماح بمناقشة او قبول او رفض رأي يتعلق في قضايا وطنية وعالمية وانسانية تتعلق بالحياة اليومية ومعيشة المواطن وبالضرائب التي تفرض عليه وبغياب العدالة وتكافؤء الفرص وفي ظل التنفيعات وغيرها، و لا اعرف كيف يتمكن الطلبة الذين ندرسهم الفلسفة من التفكير المنطقي والتحليل والمناقشة والجدال والقبول والرفض لإي ممارسة تصدر من فردا أو مؤسسة أو جهة لا تتيح لك حق المناقشة والجدال والشك والقبول والرفض و التعبير ، فهل نحن جادون أم أننا نسير في ذلك مرغمين نتيجة ما نتعرض له من توجيهات خارجية او ضغوطات من جماعات تنويرية داخلية، فالماء سيكذب الغطاس فغدا بعد تدريس الفلسفة لناظره قريب، ونأمل أن تكون الأمور تسير بعكس ما يمارس وليكن تدريس الفلسفة دعوة لثورة بيضاء لحق الحكمة و المحاججة والمنطق والجدال والحوار والنقاش والتعبير من أجل الوطن على الرغم من أن الخاسر الكبير في ذلك هي الحكومات جراء ممارستها لأنها تصر أن لا تقبل الرأي الأخر في ممارساتها، ولكن سيبقى الوطن هو الرابح الأكبر لو جسدنا ذلك.