المطلوب من الأحزاب اليوم

كلنا نعلم أن الإصلاح السياسي هو أساس تقدم وصمود الدول، ولو نظرنا إلى وطننا الأردن، فإننا وصلنا فيه لمرحلة اليقين أنه من دون المشاركة السياسية الفاعلة وتجويد الحياة السياسية وإصلاحها لن نتمكن من المضي قدماً، وهذا ما حدث فعلاً عندما أكد ذلك صاحب القرار فصدرت إرادته بتشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية قبل ما يتجاوز العام.

قدمت اللجنة نتائج عملها وتوصياتها للحكومة التي قامت بإرسالها إلى مجلس النواب الذي أنهى بدوره مناقشتها وتعديلها، وكانت باكورة هذه الأعمال التعديلات الدستورية، وبعدها القوانين الناظمة للحياة السياسة من قانون أحزاب وانتخاب، وبالمحصلة تقع نتائج هذه التعديلات على الدستور والقوانين حتى نصل لمرحلة الحكومات البرلمانية الحزبية، وإعطاء مشاركة فاعلة للأحزاب وترسيخ مبدأ الفصل ما بين السلطات (الفصل المرن)، وتعزيز الحريات، وتشجيع المشاركة في الحياة السياسية من خلال انخراط الشباب والمرأة بالأحزاب أو العمل العام.

مما لا شك فيه بأن الأحزاب اليوم غير قادرة على تشكيل الحكومات، رغم أننا نتمنى الوصول إلى تلك المرحلة، وإن كان الوصول إليه ليس سريعاً، حتى مع تعديل القوانين الناظمة للعمل السياسي، ومن أهم الأسباب التي لن توصلنا بالمرحلة القريبة للحكومات الحزبية الناجعة هو غياب وعدم وجود قيادات من قادة الفكر، والمهتمين بالسياسة والعمل العام فعلاً في الأحزاب القائمة، والتي حال وجود البعض منها ينعدم وجود قواعد تعمل معها وتؤيدها، رغم أنني سوف أواجه بعاصفة من العتب والهجوم على مثل تحليل كهذا، إلا أنه الواقع، فالأحزاب لا تتمتع بجماهيرية ولا قواعد ممتدة ولا أعداد قادرة على حملها لمجلس النواب برغم المطلوب لتحقيق الهدف بتشكيل الحكومات، علماً أنه لا تحتاج الأحزاب تلك الأعداد المنخرطة بها والمنتسبة بشكل رسمي بقدر حاجتها للمؤازرين والمؤيدين لها ولأفكارها.

كنا سابقاً أكثر ديمقراطية وأكثر تأثيراً من اليوم، حيث كان لدينا العديد من الأحزاب المشاركة الفاعلة والشخصيات السياسية الموثوق بها، وكانت لها قواعد أكثر نشاطاً ومشاركة وإيماناً بالعمل الحزبي، وإن كانت تلك الأحزاب والشخصيات والقوى دينية أو قومية وعابرة لحدود الوطن حتى.

نعم، لقد غابت الأحزاب عن المشهد لسنوات عديدة، حتى بعد عودة الحياة الديمقراطية قبل ما يتجاوز الثلاثين عاماً، واليوم مع تجويد الحياة السياسية ومحاولة تركيب معادلة من أجل الوصول لمرحلة دمجها فيها، إلا أن الأحزاب لن تحصد نتاج عملها خلال الثلاثين عاماً حيث إن غالبيتها قصرت بنشاطها وتفعيل برامجها والعمل على المحاولات الجادة للمشاركة الفاعلة ولو كانت خاسرة، بالإضافة لمحاولة تسويق برامجها واستقطاب الشخصيات المؤثرة، ولا أقصد نتاج دولة البيروقراط أو التكنوقراط، بل الشخصيات السياسية القادرة على إحداث الفارق، بالإضافة للشباب الذين هم الخزان الرئيس لها ومشاركتهم فيها يعطيها قوة أكبر.

لا شك بأن هذا التقصير والغياب ليس مرتبطاً فقط بتقصير الأحزاب وحدها، بل أيضاً بتقصير الحكومات التي لم تعطِ مساحات لهذه الأحزاب للعمل، ففي أوقات عدة ضيقت عليها، وفي بعض المرات همشتها وأبعدتها عن المشهد، والكثير من الأحزاب رغب بهذا التهميش حتى يبقى تحت مظلة الحكومات.

اليوم، ونحن نرى النشاط والإصلاحات، يتضح بأن الجدية متوفرة بكافة مكونات الدولة، ما يعني أن الدولة أصبحت أكثر انفتاحاً، ويجب استغلال والاستفادة من هذا الانفتاح، من خلال مشاركة الأحزاب من جهة، والعمل من خلال وزارة التنمية السياسية والشؤون البرلمانية لتكون حلقة وصل ما بين الحكومات والأحزاب وحتى الشخصيات السياسية المؤثرة ولتعمل على تشجيع الشباب من خلال برامج تشجع على تنظيم العمل الحزبي والمشاركة في الحياة السياسية وصنع القرار من جهة أخرى، وهذا ما على الأحزاب القيام به لتفعيل نشاطها، ونشر فكرها وبرامجها للوصول إلى تشكيل الحكومات المنتخبة في المستقبل القريب.