تصنيف التخصصات مشبع و راكد عنوان لافلاس حكومي ، و تنصل من ايجاد فرص عمل للخريجين
كتب احمد الحراسيس - حيرة كبيرة يعيشها طلبة الثانوية العامة وذووهم في كلّ عام، خاصة مع اعلان ديوان الخدمة المدنية دراسته لحالة التخصصات وتحديد الراكد والمشبع والمطلوب منها. فيما يُخيّل للطالب المتقدّم أنه لن يجد فرصة عمل لاحقا لكثرة التخصصات الراكدة والمشبعة، وهذا خلاف الواقع..
الديوان يُركّز في دراسته على مدى حاجة القطاع العام لتلك التخصصات الجامعية، وهو يعلم أن تخصصا -هندسيا مثلا- قد لا يكون مطلوبا في القطاع العام لكنّ فرصة دارسيه بالمنافسة في القطاع الخاص أو حتى خارج السوق الأردني كبيرة، والكارثة هنا هي ما يصدر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من اجراءات وقرارات من قبيل إيقاف القبول في بعض التخصصات أو تخفيض أعداد المقبولين فيها!
ما لا نفهمه من اجراءات وزارة التعليم العالي، هو ايقاف تدريس التخصص أو خفض أعداد المقبولين فيه بالجامعات الرسمية، وترك الأمر مشاعا لدى الجامعات الخاصة، بل أننا وفي ظلّ اعلان الوزارة قراراها بتخفيض أعداد المقبولين في التخصصات الطبية، نشهد اعطاء موافقات لتدريس تخصصات طبيّة في الجامعات الخاصة..
وفي ظلّ ايقاف التخصصات وتخفيض أعداد المقبولين في أخرى، نشهد ولادة تخصصات جديدة، هي في معظمها مستنسخة من تخصصات رئيسة تُصنّف على أنها راكدة أو مشبعة، وبرسوم مرتفعة جدا، وكأن الهدف من ايجاد تلك التخصصات هو تمكين الجامعات من اعادة هيكلة رسوم دراسة بعض التخصصات برفعها، انفاذا لأحد محاور الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي تنصّ على اعادة هيكلة الرسوم الجامعية..
إذا كان الهدف من اعلان التخصصات الراكدة والمشبعة هو تقديم النصح للطلبة، فالأصل أن تكون القرارات المرتبطة بها منطقية، فلا يُفهم أن يتمّ ايقاف تخصصات بشكل كامل وتخفيض القبول في أخرى بينما لا تنسحب هذه القرارات على الجامعات الخاصة، ولا يُفهم أن يتمّ استحداث تخصصات فرعية برسوم تزيد بنسبة (60%) عن رسوم التخصصات الرئيسة..
وبعيدا عن كل هذا اللغط المتعلق بتصنيف التخصصات ،فان ميول الطلبة يجب ان يحترم بغض النظر عن موضوع ايجاد فرصة عمل من عدمه ، فمن كان يطمح بدراسة الطب مثلا ، ويحلم باللحظة التي يرتدي بها المريول الابيض "اللاب كوت "، لماذا تغلق الابواب في وجه ، ويفرض عليه ان يدرس تخصصا اخر لا يحبه ، ولا يجد نفسه فيه ؟ ما الذي تريدونه من الطلبة ؟ ماذا عن دور الحكومة في ايجاد فرص عمل للخريجين ؟ هل ستتنصل الحكومة من هذا الدور ايضا ؟
يقولون ان هذه مسؤولية القطاع الخاص ، وبنفس الوقت لا تقدم الحكومة اية تسهيلات او معاملة تفضيلية للمؤسسات التي تشغل اعدادا كبيرة من الاردنيين الباحثين عن فرص عمل في تخصصات يحبونها ، تخنق القطاع الخاص بالضرائب والرسوم و الجمارك ، وغيرها من الاجراءات الجبائية ، وبذات الوقت تفترض ان عليهم ان يساهموا في حل مشكلة البطالة المتفاقمة .. الثابت الوحيد لدى الحكومات هو الجباية ، وغير ذلك تفاصيل لا تلقي حكوماتنا لها بالا ..
الحكومة تصور تعاظم الايرادات الضريبية بانها منجز كبير في ظل ازمة اقتصادية خانقة ، و ترنح وتقهقر الكثير من القطاعات ، وخروج الاف الشركات والمصانع والمؤسسات من السوق بسبب الضائقة المالية ، الحكومة لا تفكر ابدا بهذه التضحيات وهذه الخسائر وهذه الازمات التي يعيشها الناس ، المهم انسياب الايرادات واستمرار الانفاق الباذخ و ارضاء المؤسسات الدولية المقرضة كصندوق النقد والبنك الدولي ، هذه المؤسسات التي لا تريد لنا الخير ، وتسعى بان يظل قرارنا السياسي والاقتصادي مرتهنا ومرتبطا بها .
لا يوجد بالعالم هذا التصنيف للتخصصات ، فجامعات عريقة غربية يدرس- بها ابناء المتنفذين - لم تغير تخصصاتها منذ مئات السنين ولم تفكر الا برفع سوية الخريجين واعدادهم الاعداد الجيد لسوق العمل ، هذا ما تفكر به الجامعات ، وهي غير معنية بمتطلبات سوق العمل المتغيرة ، هذا ليس دورها ابدا ، المطلوب منها ان تطور خططها ، وتحدث مناهجها ، وادواتها و وسائل تدريسها والمهارات التي تقدمها للطلبة، على نحو تنسجم به مع كل جديد في مختلف العلوم والتخصصات . هل يعقل ان نتوقف عن تدريس اللغة العربية ، لعدم وجود فرص عمل ؟ هل يعقل ان نتوقف عن تدريس الهندسة لان سوق العمل مشبع ؟ هذا افلاس رسمي تريد ان تحمله للناس لان ابنائهم اختاروا تخصصات تعجز الحكومات عن تأمين فرص عمل لخريجيها في الداخل او الخارج ..
المشكلة الحقيقية ، اننا بحاجة لخريجي الطب جميعا ، لان مستشفياتنا تعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية ، نحن بحاجة لخريجي اللغة العربية والرياضيات والفيزياء والاحياء والشريعة ومعلم مجال والعلوم السياسية والرياضة و علم الاجتماع وعلم النفس وغيرها من التخصصات لان مدارسنا تعاني من نقص حاد ، نحن بحاجة لتخصصات التمريض لان مستشفياتنا تعاني من نقص في الكوادر التمريضية ، بحاجة لمهندسين لاننا بحاجة لخبراتهم في البلديات وامانة عمان ، وتعاني هذه الجهات من نقص في هذا المجال ، المشكلة الحقيقية ان الحكومة توقفت عن التعيين لان الموازنات تصرف في اوجه اخرى .. مؤسساتنا تحتضر والخدمات المقدمة في أسوء حالاتها ، ومع ذلك تتنكر الحكومة لجوهر المشكلة ، وتلجأ لسيناريو تصنيف التخصصات بهذه الطريقة غير العملية وغير المقبولة ...