احزاب "كل مين حزبه اله"، واعادة انتاج شخصيات كانت "اساس البلاء"
القائمون على المنظومة المتحكمة بحياة المواطن الأردني رهيبون؛ كيف تتفتق مخيلاتهم وتتناسل أفكارهم للبحث عن أدوات إلهاء للشارع، وكيف ومن أين يأتون بالطاقات السلبية المستدامة لاستحداث مشاريع لا يحققونها بل أنهم في أحسن الأحوال أعداء لها، بما يمكنهم من التعاطي مع قضايا الوطن على أساس زواج المتعة.
تصوروا، والبلاد في خضم الاختناقات المعيشية والازمات الاجتماعية، والاسر تعاني من الانهيارالاقتصادي وضنك العيش، ينشغل أهل المنظومة في الحديث عن المشاركة في الحياة الحزبية عبر تأسيس أحزاب لا لون أو طعم أو رائحة لها، دون الالتفات الى التجارب الفاشلة السابقة التي كان شعارها تركيب أحزاب لمواجهة كل أصحاب الفكر القومي واليساري والاسلامي، حيث ثبت أن الدعم الحكومي الذي كان يقدم لتلك الاحزاب المستولدة والمركبة أعاد فرز الشخصيات التي كانت أساس البلاء للبلاد والعباد ، وتحولت احزاب هذه الشخصيات الى خنجر في خاصرة الحياة الديمقراطية الاردنية ما أفشلها وذهب بريحها الى جيوب المتنفعين وأبقى على حالة انعدام الثقة بين المواطن والدولة الى يومنا هذا، واستنزفت أموال الدولة وتحصنت منظومة الفساد في قلاعها حتى الان.
قبل سنوات، وعندما تم أخذ القرار بإعادة الديمقراطية عام 1989، بدأت حالة عجيبة غريبة مدعومة بتوجهات حكومية، وهي حالة تصنيع وتركيب الاحزاب مباشرة "وبهمة عالية"، حيث نفذت شخصيات من كبار موظفي الدولة من مرتبة رئيس وزراء سابق الى وزير او جنرال سابق وحتى مدراء أجهزة سابقين، غزوات في الحارات والشوارع والقرى والارياف والبوادي والمخيمات، مستخدمة كل الاذرع الممكنة من ادوات حكومية وإعلام رسمي بل وحتى المدفوع الاجر من أجل تأسيس أحزاب، قيل وقتها انها تعنى بالديمقراطية والعدالة والمساواة والحرب على الفساد والفاسدين، وانتشرت "اليافطات" على أبواب مجمعات وبنايات، وانزلقت الشعارات حتى وصلت أرصفة الشوارع والبسطات ما أدى الى عرقلة الحياة الحزبية والديمقراطية، ولنكتشف فيما بعد ان هذه الشخصيات قد حولت واقعنا الحزبي المرير من دولة "كل مين ايدو الو" ، الى دكاكين حزبية على قاعدة جديدة "كل مين حزبه اله"، وهو الهدف المنشود والخطة الممنهجة لتلك المنظومة والتي أعدت في الغرف المغلقة، من أجل القضاء أو اضعاف أو استبعاد الاحزاب التقليدية ذات المنطلقات العقائدية، وللقول أن الشعب غير قابل ورافض للحياة الحزبية ،أوهو غير مهيئ لممارسة للحياة الديمقراطية التي تتيح مداورة السلطة وبالتالي تم تجويف وتخريب الحياة الحزبية من داخل غرف الاحزاب المستولدة انذاك.
واليوم يتكرر نفس المشهد ايضا، ففي الوقت الوطني الضائع او المستقطع من صراع بناء دولة بين فريقين، الفريق الاول فاقد الامكانيات المادية والمعنوية، لكن لديه فكر وخطة وهدف وطموح في أن يرى وطنه ينمو ويزدهر ويحقق العدل والمساواة والحياة الكريمة للمواطن ويبحث عن الحلول او يقدمها. وفريق أخر لديه الامكانات المالية ولديه السلطة، فنجده يريد المحافظة على مكتسباته التي تمتع بها طيلة غياب الديمقراطية عن البلاد، لذلك يسعى هذا الفريق الى تركيب الاحزاب التي يعتقد البعض أنه من خلالها يستطيع شراء الوقت لتمرير مرحلة أخرى من مراحل حياة الوطن، والاخطر هو ما يتكشف في كل لحظة من ان هذه المنظومة لا تريد ان تفهم وضع الانسان الاردني اليوم، فهو ليس كما كان عليه بالامس.
ان الاستمرار في هذا النهج سيجر البلاد الى عدة مآزق، اذ ليس من المنطق او من المعقول الدعوة الى الانضمام للاحزاب في الوقت الذي تعاني فيه الاسر الاردنية من الفقر والبطالة والجوع والحرمان، وفي الوقت الذي نعاني فيه من تراجع الخدمات الصحية والتعليمية، وتراجع القيمة الشرائية للدينار وغلاء الاسعار، وارتفاع تكاليف التعليم المدرسي والجامعي، وفحش ارتفاع فاتورة الكهرباء وعدم قدرة العائلات على دفع اجور مساكنها، وتغول البنوك بفوائدها على القروض القديمة، وارتفاع اسعار المشتقات النفطية بصورة جعلت الاردن أغلى دول المنطقة، وفي ظل ازمات سير خانقة تعجز البلديات وامانة عمان والاجهزة المعنية عن حلها ، وفي ظل الهيمنة على قرار الضمان الاجتماعي بما منع المتقاعد من الحصول على زيادة سنوية تناسب الغلاء وارتفاع تكاليف الحياة، وغيرها من المشاكل التي جعلت المواطن يكفر بكل ما هو مقدس وطنيا.
نحن اليوم نعاني من جائحة سياسية بفعل التضخم السياسي الذي اصاب ويصيب المنظومة المتحكمة والمتكسبة من غياب الشعب، ومن غياب حياة ديمقراطية حقيقية نواتها احزاب ورجالات وطن لهم الخبرة ويمتلكون العقيدة ، ولا نحتاج الى إستحداث احزاب بشخصيات هبطت سابقا على الوظائف بالبراشوتات، وهي تريد اليوم الهبوط كما فعل اسلافها سابقا على "مدرج" الحياة الحزبية والديمقراطية لسلب لحظة اخرى من حياة الوطن والمواطن.
قبل اليوم، كان الاردني كلما تعرض "لفيلم" تم تصنيعه من قبل من يعمل في عمق الدولة يقول "نعيش وناكل غيرها"، اما اليوم فالظروف والاوضاع ومدى فهم الانسان الاردني لما جرى ويجري حوله كلها امور تغيرت، وما تنتجه منصات التواصل الاجتماعي وما تنتجه الصحف الاليكترونية ، لم يعد يعطي لهذه المنظومة الامكانية بالاستمرار بالعمل على نفس النهج السابق لذلك بعد كل الذي جرى ويجري لابد من تصويب البوصلة نحو المواطن ومعرفة همومه ومشاكله والعمل على حلها ، أقله في ظل معرفة هذه المنظومة أن الامن يسير جنبا الى جنب مع الجوع ....الجوع الذي لم يطرق أبواب المواطنين بل وصل الى بيوتهم، وبالنهاية اهلا بالاحزاب وبتركيباتها اذا كنا سنصحوعلى وطن فيه كرامة للانسان اقتصاديا واجتماعيا وفيه عدالة وديمقراطية حقيقية ، لا يسجن فيه صاحب مقال أو رأي إو إجتهاد مخالف لما تريده او تتصوره المنظومة .