الرأي العام وحرية التعبير
نسمع بين الحين والآخر عن ارتفاع مؤشر الحريات في دولة معينة مقارنة مع انخفاضه في دولة أخرى، ولا شك بأن الدول الديمقراطية أو الطامحة لها بشكل كبير تحاول أن تكون حريات أفرادها بأعلى سقف ممكن، وتحاول مشاركتهم في صنع القرار قدر المستطاع، كون أن هذه الحريات تنعكس بالإيجاب على تقدم الدولة السياسي والاجتماعي والاقتصادي أيضاً.
إن تقدم الدول وتطورها ديمقراطياً يكون من خلال حماية حقوق الأفراد فيها بشكل عام، وحق التعبير بشكل خاص من خلال حماية المواطن في تكوين رأيه والتعبير عنه بما يراه مناسباً، وأنا أضيف ضمن حدود القانون بما لا يتعدى على حريات الأفراد الآخرين، وهذا الأمر لا ينطبق على المسؤولين في مواقع المسؤولية والقيادة طالما ارتضوا أن يكونوا في منصب عام ويخدموا الشعب، ولكن يمنع التعرض لحياتهم وحقوقهم الشخصية.
نرى بالآونة الأخيرة ومع الانفتاح التكنولوجي واستخدام المواطن لوسائل التواصل الاجتماعي بأن حق التعبير متاح للجميع ومؤثر أكثر من السابق بعد أن أصبح يشكل حالة من الرأي العام والتي تُعد غالبية الآراء التي تقود أي مجتمع نحو موضوع معين، وكما هو معروف بأن الرأي العام له دور أساسي في صنع القرارات السياسية وتحديد اتجاهاتها مهما كان نظام الحكم الذي يقود الدولة. إن الرأي العام يعد ضمانة من ضمانات الحريات الأساسية للمواطن، وللرأي العام أكثر من تعريف، ولم يستطع فقهاء القانون والسياسة تحديد تعريف معين وواضح وصريح له، إلا أنني أرغب في الميل الشخصي لتعريف الرأي العام على أنه التعبير الإرادي الحر لأغلبية أعضاء جماعة واعية في فترة زمنية محددة بشأن مساءلة معينة حول موضوع مطروح للنقاش والحوار وتبادل الآراء، من أجل الوصول لتحقيق الصالح العام، وأضيف أنه لا يشترط أن يكون الموضوع مطروحاً للنقاش والحوار للعامة، يكفي أن تكون قد وصلت المعلومات للعامة حتى يتم التعبير عنها.
إن من حق الرأي العام أن يهتم بمسائل عامة ذات صفة سياسية مثل الإنفاق الحكومي أو العلاقة بين السلطات، أو صفة إدارية مثل تعيينات وتنقلات الموظفين أو غيره، كما نرى في الآونة الأخيرة في الأردن من نشاط للأفراد بالتعبير عن قبولهم أو رفضهم لأمر أو سياسة أو قرار معين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
إن أهم ما يعزز الرأي العام هو تمتع المواطن بالحريات الأساسية الشخصية من حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الاجتماعات وحرية تكوين الهيئات والأحزاب، وسائر وسائل الإعلام، فعند توفر هذه الحريات وضمانتها للمواطن يتكون الرأي العام بمساحة جيدة جداً، علماً أن الرأي العام يعد من أقوى مصادر السلطة التي ينظر إليها السياسيون والحكام خاصة في الدول الديمقراطية.
كذلك يجب أن نعي أن الرأي العام له دور في مساندة سلطات الدولة السياسية والقضائية والهيئات الاجتماعية وحتى القادة والمفكرين فيها، كما أن الدول التي تطمح بالتقدم والتطور السياسي تهتم بدراسة وتحليل استطلاعات الرأي العام في القضايا التي تهم الدولة والمواطن.
لهذا على حكوماتنا ان تعي بأن تطور الدول وتقدمها لا يكون إلا بالمشاركة الشعبية في صنع القرار أو توجيهه حتى ولو كان من خلال سماع الرأي العام في قضايا معينة قد تشكل تحولاً في مسار الدولة، وأن حرية الرأي والتعبير التي نصت عليها أغلب دساتير العالم ومنها الدستور الأردني بالمادة 15 منه بالإضافة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية مثل ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص وغيره، هو حق مقدس للإنسان يجب حمايته والحفاظ عليه.