البيئة
بالجانب الأوّل، الفتاة "رزقة أبوها" كما عرفناها وتابعناها خلال الأيّام الماضية، ورحلة الشعب الأردني العميقة في ثُلاثيّة الفزعة وما بعد الفزعة وما خلف الكواليس.
"وتشاءُ أنت من البشائر قطرةً ويشاءُ ربُك أن يُغيثك بالمطر".
هذه العبارة نُشرت على صفحة مطعم "سهول سحاب" بعد النخوة المُشرّفة العفيفة للشعب الأُردني رغم مُضاعفات الميديا المرافقة لها.. تلك العبارة "لمن كان لهُ قلبٌ" أعظم من أن يخوض خلفها اللاهثون بالتحليلات التي تراشقت وتراكمت من كل حدبٍ وصوب، فغاصوا بالنفس البشرية وعاثوا بأصحاب القصّة وأدخلوهم بعواصف رعديّة وزوابع إلكترونية أخرجوا فيها كلّ قبيحٍ مُزكم للأنوف بعد الجَمال الذي وجب أن يُعنون ويُختم بتلك العبارة وحسب.
على الجانب الآخر، "ذَكى" الفتاة التي حازت على معدّل ٩٩ بالثانوية العامة/ الفرع العلمي. لم تكل من دروس التقوية بحلب المواشي وتعليفها ورعيها؛ بل كثّفتها بحصاد الزرع اذا استغلظ واستوى على سُوقِه. ستخرج "ذكى" من بيت الشَعر الذي تسكنه وأحد عشر نفرًا من أهلها، وتدرس الطبّ مع مَن لم يسبق لهم أن جلسوا في بيتٍ مثله!… مثل هذه القصص التي تُثبت أنّ التميّز يُولد من رحم المعاناة لم تندثر بمقابر الروايات؛ بل أصبحت تطفو على سطح الواقع! تمامًا مثل قصّة علاء وأخته ملاك المتفوقَين اللذين نجحا وكان بيتهما "خربوش" أصغر من بيت "ذَكى".
كُلّ ما ذُكر سابقًا ليس للمقارنة بين أحد الأشخاص قطعًا؛ إنّما ذكرت ذلك كأمثلة على أحداث عشناها الكترونيًا فقط! وسعيتُ أن أُجمّل الحديث حتى تقرأ أنت النص كما تشعر أو تُنكر!
الهدف من المقال هو الإشارة لحجم البيئة التي نعيشها أكثر من واقعنا، وتأثير الميديا بالرأي العام وتشكيله والتنشئة الاجتماعية التي يبنيها من خلال التعاطي مع الأحداث وقلب الموازين بإطالة أو وأد المواضيع بطريقةٍ فوضويّة غير منظّمة، تجعلنا كمُتابعين ومُتأثّرين "مُجبرين" أن ننتظر وننظر لما يتم تداوله لحظةً بلحظة إلى أن ندخل عاصفة أو "ترند" جديد.
ونظرًا لغياب القوانين والأنظمة واستحالة السيطرة على هذه البيئة، ومع أخذ مشاهير الميديا لدور الإعلام والصحافة،، وجعل "التفاهة" ترند واختفاء "القيادة والقدوة"، وفي ظل غياب الجهات والهيئات الرسمية وتقلّص دورها لدرجة لا تستطيع فيها مُجاراة ما يطرأ من "ترندات" على الساحة. مع كلّ تلك المُعطيات وأكثر، ستغدو حياتنا مُشوّهة بشكلٍ مُتزايد قادرٍ على هدم العقول والصحة النفسية بوقتٍ قصير، فكم نُشاهد ونسمع بأمور ليست من غرائزنا ولا معتقداتنا وتأخذ أهميّة عُظمى وتمنحنا شعورًا في قرارة أنفسنا بأنّنا غريبون عن مجتمعاتنا، أو أنّنا هرمنا فجأة وظهر أمامنا أجيال جديدة، طعامهم وعاداتهم ولغتهم تختلف عمّا ألفناه من نُعومة أظفارنا.
لا أعلم من المسؤول عن هذه الفوضى، ولا أنساق لنظريّة المؤامرة، ولا أعلم ما هو الحلّ. أعلمُ أنّ الفرد يؤثّر بالبيئة كما تُؤثّر هي به.. لكن؛ عن أيّ بيئة نتحدّث؟