رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة ليز تراس تتعهد بتجاوز العاصفة الاقتصادية
تولت ليز تراس رئاسة الحكومة البريطانية، الثلاثاء، متعهدة بإجراء فوري للتغلب على مجموعة من أصعب التحديات التي تواجه رئيس وزراء جديدا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وفي مقدمتها ارتفاع أسعار الطاقة وكساد يلوح في الأفق.
وأقرت تراس، رابعة رؤساء الوزراء المحافظين خلال ستة أعوام وخليفة بوريس جونسون الذي اضطر للتنحي بسبب سلسلة من الفضائح، بالأوضاع العالمية غير المواتية جراء الحرب الروسية في أوكرانيا وجائحة كورونا.
وقالت وزيرة الخارجية السابقة تراس خارج مكتبها ومقر إقامتها الجديد في داوننغ ستريت "أثق بأننا نستطيع معا تجاوز العاصفة. نستطيع أن نعيد بناء اقتصادنا، ونستطيع أن نصبح بريطانيا الجديدة المتألقة التي أعرف أننا نستطيع أن نكونها".
وعينت تراس (47 عاما) حلفاءها المقربين في المناصب الحكومية العليا مثل كواسي كوارتنج الذي شغل منصب وزير المالية، وتيريس كوفي التي شغلت منصب نائبة رئيسة الوزراء ووزيرة الصحة، وجيمس كليفرلي الذي شغل منصب وزير الخارجية. وهذه هي المرة الأولى التي لا يتولي فيها رجل أبيض أحد المناصب الوزارية الأربعة الأكثر أهمية.
كما أعادت تراس تعيين بن والاس وزيرا للدفاع. وكان والاس، الذي تزايدت شعبيته بفضل طريقة تعامله مع الأزمة الأوكرانية، يعتبر من أبرز المرشحين لتولي رئاسة الوزراء خلفا لجونسون قبل أن يبعد نفسه عن السباق للتركيز على عمله.
والحكومة الجديدة مكلفة بتنفيذ الأولويات الثلاث التي قررتها تراس وهي التخفيضات الضريبية لدعم الاقتصاد، والمساعدة على مواجهة تكاليف الطاقة التي تواصل الارتفاع، وترتيب أوضاع الخدمة الصحية الوطنية التي تديرها الدولة.
وترث تراس اقتصادا يواجه أزمة مع معدل تضخم مرتفع وتصاعد كلف الطاقة وتحذير بنك إنجلترا من ركود طويل الأمد مع نهاية العام الحالي. وبالفعل نظم العمال في أنحاء البلاد إضرابا عن العمل.
وتسببت خطة تراس لإحياء نمو الاقتصاد من خلال التخفيضات الضريبية وكذلك احتمال تخصيص نحو 100 مليار جنيه إسترليني (116 مليار دولار) للمساعدة في تحمل فواتير الطاقة في انزعاج الأسواق المالية بشدة.
وتعرضت السندات الحكومية البريطانية لأجل 30 عاما لأكبر انخفاض في يوم واحد منذ مارس/آذار عام 2020 عندما تسبب فيروس كورونا في اضطراب الأسواق المالية، في الوقت الذي صعد فيه المستثمرون انتقاداتهم للاقتراض الزائد الذي من المرجح أن تتطلبه خطط تراس في حين ارتفعت تكاليف الاقتراض لأجل عشر سنوات إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2011.
وقالت تراس "أعرف أن لدينا ما يتطلبه التغلب على هذه التحديات. بالطبع، لن يكون الأمر سهلا، لكن باستطاعتنا فعله".
وقدم الرئيس الأميركي جو بايدن، وهو أحد الحلفاء الكبار على المستوى العالمي، تهانيه لتراس.
وقال عبر تويتر "أتطلع إلى تعميق العلاقة الخاصة بين بلدينا والعمل بتعاون وثيق في مواجهة التحديات العالمية ومن بينها الدعم المستمر لأوكرانيا بينما تدافع عن نفسها ضد العدوان الروسي".
كما تحدثت تراس مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أول اتصال لها مع زعيم أجنبي، وقبلت دعوة لزيارة أوكرانيا مؤكدة دعمها للبلاد في حربها مع روسيا.
وجاء في بيان أرسله مكتبها أن "رئيسة الوزراء تحدثت إلى رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي هذا المساء لتأكيد دعم المملكة المتحدة الثابت لحرية وديمقراطية أوكرانيا".
يد ضعيفة
لرئيسة الوزراء الجديدة يد أضعف سياسيا من كثير من أسلافها.
وشغلت تراس مناصب رئيسية في الحكومة على مدى ثماني سنوات، لكنها فازت على منافسها ريشي سوناك بزعامة حزب المحافظين في تصويت لأعضائه بهامش فوز أقل مما كان متوقعا، كما أنها لم تكن في البداية الخيار الأول للمشرعين أعضاء الحزب.
وفي كلمة إلى الصحفيين والسياسيين الذين تجمعوا في داونينغ ستريت في وقت سابق الثلاثاء قال جونسون، الذي حاول البقاء في المنصب في يوليو/تموز على الرغم من الاستقالة الجماعية للوزراء، إن البلاد لا بد أن تتحد خلف تراس.
وأضاف في خطاب الوداع "ما أقوله لزملائي المحافظين، حان الوقت لإنهاء المشاحنات السياسية ... حان الوقت لنا جميعا للوقوف وراء ليز تراس وفريقها وبرنامجها".
وبعد أن ألقى الكلمة خارج داوننغ ستريت، غادر جونسون لندن متجها إلى اسكتلندا حيث قدم استقالته للملكة إليزابيث (96 عاما) قبل أن تتبعه تراس إلى قلعة بالمورال.
واستغل جونسون خطاب رحيله للتفاخر بنجاحاته، بما في ذلك إطلاق برنامج للتطعيم المبكر خلال الجائحة ودعمه لأوكرانيا منذ بداية معركتها ضد روسيا.
وأضاف إلى ما وصفه بقائمة إنجازاته الرئيسية الخروج من الاتحاد الأوروبي على الرغم من أن استطلاعات الرأي تبين الآن أن أغلبية البريطانيين ترى أن الخروج من التكتل كان خطأ.
سقطت بريطانيا التي يحكمها حزب المحافظين منذ عام 2010، في أزمة تلو الأخرى في السنوات الماضية وتواجه الآن احتمال حالة طوارئ طويلة في مجال الطاقة يمكن أن تستنزف مدخرات الأسر وتهدد الشركات التي ما زالت مثقلة بديون فترة جائحة كورونا.
من المقرر أن تقفز فواتير استهلاك الأسر من الطاقة بنسبة 80% في أكتوبر/تشرين الأول، لكن مصدرا مطلعا قال لرويترز إن تراس يمكن أن تجمد الفواتير بموجب خطة قد تتكلف نحو 100 مليار جنيه إسترليني (115.33 مليار دولار) بما يتجاوز تعويضات الحكومة للعمال المتضررين خلال جائحة كورونا.
وليس من الواضح كيف ستمول بريطانيا هذا الدعم لكن المرجح أن تزيد الاقتراض الحكومي.
وأدى حجم الحزمة، بالإضافة إلى حقيقة أن الأزمة يمكن أن تستمر عامين أو نحو ذلك، إلى إثارة قلق المستثمرين.
في شهر أغسطس/آب وحده، فقد الجنيه الإسترليني 4% من قيمته أمام الدولار، وكان أسوأ شهر لسندات الحكومة البريطانية لأجل 20 عاما منذ نحو عام 1978، وذلك بحسب سجلات من ريفينيتيف وبنك إنجلترا.
وما زالت الماليات العامة البريطانية مثقلة منذ فورة الإنفاق الحكومي الضخم خلال جائحة فيروس كورونا. والدين العام، باعتباره جزءا من الناتج الاقتصادي، ليس ببعيد عن 100% ارتفاعا من نحو 80% قبل الجائحة.
رويترز